لا أفق لوقف الحرب في السودان بعد أربعة أشهر من الاقتتال

في ظل توسع دائرة الاشتباكات في الخرطوم وانضمام مدن سودانية أخرى إلى ساحة القتال، تتجه الحرب في السودان إلى المزيد من الاستنزاف وإطالة أمد القتال، وهو ما يضع مساعي الوساطة على الرف.
الخرطوم - فشل الطرفان المتحاربان في السودان، بعد أربعة أشهر على اندلاع القتال، في حسم الصراع عسكريا، وهو ما يدفع البلد نحو حرب استنزاف طويلة الأمد مع استنجاد الجيش بالإسلاميين من فلول النظام السابق ومناصرة القبائل العربية وعدة حركات مسلحة لقوات الدعم السريع.
ويتخوف مراقبون من إطالة أمد الصراع وتأثيرات ذلك على البلد المنهك اقتصاديا ومحيطه الإقليمي المضطرب أصلا.
ويقول الخبير العسكري محمد عبدالكريم “الحرب في السودان امتدت لزمن أطول مما كان متوقعا لها بل أكثر من الزمن الذي قدّره من خطّطوا لها. لم يكن أحد يتوقّع أن تستمرّ لأكثر من أسبوعين في أسوأ أحوالها”.
ويضيف أن الجيش كان يظنّ أن “الحسم سيتمّ في وقت وجيز على اعتبار أنه يعرف تفاصيل تسليح قوات الدعم السريع وأن لديه ضباطا منتدبين للعمل في الدعم السريع”.
وبعد أربعة أشهر، قتل 3900 شخص على الأقل، ونزح أكثر من أربعة ملايين، والحرب متواصلة.
ويقول ضابط سابق في الجيش السوداني طلب عدم الكشف عن هويته إن قيادة الدعم السريع “أعدّت خطوط إمدادها ولذلك كانت أولوياتها السيطرة على مداخل العاصمة”.
وتسيطر قوات الدعم على المدخل الغربي للخرطوم الرابط بين العاصمة وولايتي دارفور وكردفان عند الحدود الغربية لأم درمان (ضاحية الخرطوم). كما تسيطر على الطريق الذي يربط العاصمة بولايات الوسط وشرق السودان.
ويضيف الضابط السابق أن الجيش اختار حماية قواعده الأساسية، غير أن قوات الدعم السريع كسبت أرضا في الأحياء السكنية التي كانت أقامت مقرات فيها وباتت منذ بداية الحرب تسيطر على العديد من المنازل والمستشفيات ومؤسسات بنى تحتية أخرى.
ويشير عبدالكريم إلى أن “هذه حرب بطبيعتها تفترض الاعتماد بشكل أساسي على قوات المشاة بما أنها حرب داخل مدينة”.
غير أن الجيش “منذ سنوات طويلة لم يعد مهتما بسلاح المشاة الحاسم في مثل هذه المواجهات، إذ اعتمد خلال الحرب في جنوب السودان (الذي أصبح دولة مستقلة في العام 2011) على متطوعي الدفاع الشعبي. وبعد انتهاء حرب الجنوب وبداية القتال في إقليم دارفور، استعان الجيش بحرس الحدود، وهي قوات من القبائل العربية لا من الجيش النظامي، وبعد ذلك بالدعم السريع”.
وإذا كانت الحرب بدت في أيامها الأولى وكأنها صراع على السلطة بين جنرالين، فقد باتت اليوم أطراف أخرى متداخلة فيها بعد أن دعا الطرفان إلى التعبئة العامة.
ومن ناحية الجيش، فتحت هذه الدعوة الباب أمام تحشيد الإسلاميين غير أن مشاركتهم وغيرهم في القتال ستؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتعقيد العلاقات الدبلوماسية للسودان.
وأما قوات الدعم السريع فتعتمد على “تعبئة القبائل العربية في دارفور” للحصول على الدعم وهو ما حصل فعلا.
مراقبون يتخوفون من إطالة أمد الصراع وتأثيرات ذلك على البلد المنهك اقتصاديا ومحيطه الإقليمي المضطرب أصلا
وتلقى قائد الدعم السريع دعما هاما من زعماء قبائل في دارفور، إذ دعا زعماء أكبر سبع قبائل عربية في الإقليم أفراد قبائلهم للانضمام إلى الدعم السريع والانسحاب من الجيش. ومن شأن هذا الوضع تعزيز الإمدادات البشرية للدعم السريع.
وتنتشر قوات الدعم السريع في مساحات شاسعة خاصة في الخرطوم ودارفور وكردفان، إلا أنها لا تعاني من نقص في المؤن والوقود والذخائر.
ويعود ذلك إلى سيطرتها على مصفاة الجيلي للنفط في الخرطوم، وكذلك على مصنع اليرموك للتصنيع العسكري وعدة معسكرات للجيش، ما يمنحها قدرة على مواصلة القتال إلى أمد أطول دون أن تُستنزف.
ويتجه التركيز نحو السيطرة على ولايات دارفور الخمس التي تتصاعد فيها المعارك، بينما يسعى الجيش لحشد معظم قواته في الخرطوم باعتبارها ساحة معركته الرئيسية دون أن يسحب قواته من دارفور وكردفان.
وتشير بعض التقديرات الى أن تعداد قوات الدعم السريع يبلغ الآن 120 ألفا، في حين كان في بداية الحرب 60 ألفا.
ويتحدث الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان عن توسيع نطاق عملياته في جميع مناطق العاصمة الخرطوم ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فيما أعلنت الأخيرة تعزيز صفوفها بانضمام قوات درع السودان.
تكافؤ موازين القوى العسكرية على الأرض يبقي خيار التسوية السياسية وجلوس طرفي الصراع إلى طاولة المفاوضات بعيد المنال
وبانضمام قوات درع السودان يبدو أن الوضع في السودان لن يهدأ؛ إذ أن هذا الانضمام قد يقلب موازين القوى.
وأعلنت قوات درع السودان بقيادة اللواء أبوعاقلة محمد أحمد كيكل الثلاثاء انضمامها بكامل عناصرها وعتادها إلى قوات الدعم السريع.
وقال كيكل، بحسب مقطع فيديو بثته قوات الدعم السريع على منصة أكس، إن قواته انضمت إلى صفوف الدعم السريع لمحاربة من سمّاهم “الفلول” والانتصار لقضايا البلاد والمهمشين فيها.
وتكمن أهمية هذا الإعلان في أن قوات درع السودان تسيطر فعلياً على منطقة سهل البطانة وسط البلاد، وهي منطقة معروفة بموقعها الإستراتيجي الممتاز والحدودي مع إثيوبيا.
إلا أن قرارها كان مفاجئاً، خصوصا أنها لطالما رفضت الحرب بين الطرفين منذ بدايتها، ودعت إلى الحوار داعمة مباحثات جدة.
وتتكون قوات درع السودان من 75 ألف مقاتل وتتمركز في مناطق سهل البطانة الذي يمتد من شرق الجزيرة في وسط السودان حتى مدينة القضارف في الشرق وعطبرة في الشمال.
وتتوسّع الحرب يوميا إلى مدن جديدة في ظل انسداد أفق الحل السياسي. ويرى دبلوماسي غربي أن “الحرب قد تدوم سنوات”.
ويرى محللون أن تكافؤ موازين القوى العسكرية على الأرض يبقي خيار التسوية السياسية وجلوس طرفي الصراع إلى طاولة المفاوضات بعيد المنال، إذ يعتقد كل طرف أنه قادر على الحسم العسكري ويسعى إلى توسيع تحالفاته الداخلية.