قانون الدين العام الاختبار الفعلي لصلابة التوافق بين الحكومة الكويتية ونواب المعارضة

وزير المالية: عدم تمرير القانون سيمس جيب المواطن.
الخميس 2023/08/10
أمام مهمة صعبة لإقناع النواب

تواجه الحكومة الكويتية تحديا كبيرا في إقناع نواب المعارضة الذين يسيطرون على مجلس الأمة (البرلمان) بجدوى تمرير قانون الدين العام، لكن ردود الفعل النيابية تبدو إلى حد الآن سلبية، وسط مخاوف كويتية من أن يؤدي هذا الملف إلى تبدد الانسجام الحالي بين السلطتين.

الكويت – بدأت الحكومة الكويتية بإرسال إشارات تستهدف من خلالها جس نبض مجلس الأمة بشأن مشروع قانون الدين العام، الذي تم ركنه لسنوات على الرف بسبب معارضة نيابية شديدة لتمريره.

وينظر إلى هذا القانون على أنه الاختبار الحقيقي والجدي لصلابة التفاهمات بين حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح والمعارضة التي تسيطر على المجلس التشريعي والتي أفضت حتى الآن إلى تمرير أربعة قوانين مهمة وبشكل سلس، ومنها قانون الهيئة العليا للانتخابات وقانون المدن الإسكانية، وتعديل قانون المحكمة الدستورية.

وانتقد سعد البراك، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار وزير المالية بالوكالة، تسويق البعض إلى “أن تمرير الدين العام كأنه مصيبة ونحاول أن نمررها”، محذرا من أن عدم إقرار القانون قد يمس جيب المواطن.

وقال البراك في حوار مع صحيفة “الرأي” المحلية إن الدّين أحد أدوات التمويل المشرّعة قانونا وواقع في كل العالم سواء للحكومات أو منظمات الأعمال، وأفضل المنظمات الناجحة يكون رأسمالها 50 في المئة والـ50 الأخرى مستدانة، ووظيفة البنوك ومؤسسات التمويل دائما هي تمويل مبادرات البناء الاقتصادي عموما، لذلك لا يوجد اقتصاد من دون بنوك.

عبدالكريم الكندري: إن تقدم هذا القانون فسوف يتحمل الوزير المسؤولية
عبدالكريم الكندري: إن تقدم هذا القانون فسوف يتحمل الوزير المسؤولية

ولفت “قد يثير بعض الإخوة أو الأخوات قضية الاقتراض فنقول إن اقتراضنا متوافق مع الشريعة الإسلامية… هناك صكوك وأدوات كثيرة تموّل هذا الاقتصاد… والقضية هي قضية تأمين التدفقات المالية في الدولة لأننا نحن أمام سعر برميل 70 دولارا سيكون لدينا عجز مالي أكثر من 6 مليارات دولار في ميزانيتنا الحالية”.

وأضاف الوزير الكويتي “هذا العجز سيؤثر على مشاريعنا وخططنا وبرامجنا وقدرتنا على الوفاء بالتزاماتنا، لذلك يجب ألا نقف هذا الموقف السلبي من الاقتراض، وإن كان كذلك فآخر الدواء الكي… لكن يجب أن يكون في يدك وسيلة لتتجاوز الفجوات النقدية لأن هذا من صالح الدولة ككل”.

وقال إن هناك تصورا بأن الدين العام سيمس جيب المواطن وهذا غير صحيح، إذ إنه لا ارتباط بين الاثنين، بل على العكس جيب المواطن قد يمس إذا لم يكن هناك دين عام.

ولفت البراك إلى أن “ما نفكر فيه اليوم، هو أن تكون لدينا قدرة ومرونة على استخدام الدين العام وقت الحاجة. وقد استخدمنا هذا الدين كثيرا في مسيرة الكويت ولا يوجد شيء غير عادي أو بدعة في الموضوع… لكن إلى الآن لدينا توجه قد نحتاج أن نستخدم الدين العام لذلك نريد التعاون لمصلحة الجميع ولا أثر لذلك على جيب المواطن، ولا على قدرتنا على التوظيف، فهو مرتبط بأن تكون لدينا سيولة نقدية لتدفع ولو جزءا من الرواتب”.

وشدد على أن “الكلام عن رفض وتمرير وسلبية الدين العام، وكأننا نحن لن نقدم أي فائدة… هذه الفائدة لعموم الاقتصاد الكويتي وعموم المالية الكويتية، ولذلك هي فائدة للشعب والناس وللأمة ابتداء وعموما لن يمرّ إلا بقانون”.

ويرى مراقبون أن حكومة الشيخ أحمد النواف أمام مهمة صعبة في إقناع نواب المعارضة من أجل تمرير مشروع قانون الدين العام الذي تحتاجه كإحدى الآليات لإطلاق برنامج إصلاحها الاقتصادي، حيث إنه سيسمح لها بالاستفادة من أسواق الدين الدولية والتحوط لأخطار الاعتماد الكبير للموازنة العامة للبلاد على النفط.

ff

وليس من الواضح بعد مدى قدرة الحكومة على تمرير القانون في ظل استمرار ردود الفعل السلبية من النواب.

وقال النائب عبدالكريم الكندري إن “قيام وزير المالية الدكتور سعد البراك بتسويق الدين العام بإطار إسلامي أو كبديل لعدم المساس بجيب المواطن كما يدعي، لن يغير من موقفنا الرافض لهذا الاقتراض”. وأضاف الكندري في تغريدة عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا) “إن تقدم هذا القانون فسوف يتحمل الوزير المسؤولية السياسية”.

ومنذ أن انتهت صلاحية قانون الدين السابق في العام 2017، تحاول الحكومات الكويتية المتعاقبة تمرير قانون جديد لكن النواب يرفضون بالمطلق الأمر، معتبرين أن الدولة تملك من الخيارات التي تجعلها ليست بحاجة إلى أي استدانة، مع أن الكويت مرت في السنوات الأخيرة بصعوبات مالية كادت أن تجعلها عاجزة عن سداد رواتب موظفيها.

واضطرت الحكومة في البعض من الأحيان إلى سحب سيولة من “صندوق احتياطي الأجيال القادمة” الذي يعتبر الصندوق السيادي للبلاد.

ومن خلال رصد آراء نواب البرلمان الحالي، فإن الكثيرين يتشككون فعلا في إمكانية حصول توافق حول تمرير القانون، وقد يفجر ذلك أزمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ليس من الواضح بعد مدى قدرة الحكومة على تمرير القانون في ظل استمرار ردود الفعل السلبية من النواب

وكان عدد كبير من النواب أعربوا خلال جلسة خصصت الشهر الماضي لمناقشة برنامج عمل الحكومة عن اعتراضهم عن قانون الدين العام.

وقال النائب عبدالله المضف خلال الجلسة إن موضوع الدين العام لا يصلح كوسيلة لمعالجة موازنة مرهقة لأنه سيزيد من أعبائها، متسائلا عن نسبة أرباح البنوك وكيفية السداد. وشدد النائب هاني شمس على أن الدولة ليست بحاجة إلى الدين العام لأن لديها ملاءة مالية كافية في الصناديق السيادية.

وأبدى النائب أسامة الشاهين تحفظات على قانون الدين العام، مشيرا إلى رفضه تكبيل الدولة بمديونيات مع وجود بديل شرعي وهو قانون الصكوك الحكومية الإسلامية.

ويجب أن يحظى أي مشروع قانون حتى يصبح تشريعا نافذا بموافقة مجلس الأمة. وتتطلع حكومة الشيخ أحمد النواف إلى تحقيق انطلاقة فعلية للاقتصاد الكويتي، عبر تنويع مصادر الدخل وتقديم مقاربة جديدة للاستثمار، من أسسها تمكين القطاع الخاص.

وقال وزير المالية بالوكالة في حواره مع “الرأي” إن المشكلة في الكويت تتمثل بأحادية البعد الاقتصادي ووجود مورد وحيد هو النفط… وعلى الرغم من أنه أصبح هناك عمل جيد في نمو الاستثمارات الكويتية التي وصلت إلى أن تكون ثاني أو ثالث صندوق سيادي في العالم (صندوق الأجيال القادمة)، لكن يحتاج هذا إلى تطوير ومنظور آخر غير المنظور التقليدي، لكن هذه الأمور تحتاج إلى وقت وخطة وإستراتيجية واضحة.

وأوضح البراك أن “الاقتصاد هو صناعة الوظائف ولا يمكن أن تكون الدولة هي الموظف الأوحد، لأن ميزانيتها سوف ترهق… الدولة تصنع بيئة اقتصادية صديقة للأعمال والاستثمار والتنمية والتقدم الاقتصادي… هذا دورها لكن القطاع الخاص بمفهومه الأصيل وليس بمفهومه المشوّه الذي يتداول في الكويت – وتشويهه بحق ليس بغريب – لكن علينا أن نقّوم هذا التشويه لأن القطاع الخاص يقود أي تنمية في العالم”.

3