اتحاد الشغل يصر على لعب دور سياسي في تونس

يصنف مراقبون دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى اتفاقية ثلاثية مع الجزائر وليبيا لحل مشكلة الهجرة ضمن خانة المساعي لاستعادة جزء من موقعه السياسي الذي فقده منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد الإجراءات الاستثنائية. ومن المتوقع أن يتجاهل سعيّد الدعوة مثلما رفض مبادرات سابقة.
تونس – يصر الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) على لعب دور سياسي أتيح له بعد ثورة يناير 2011 في إطار مهادنة الحكومات المتعاقبة الباحثة عن السلم الاجتماعي، إلا أن الرئيس التونسي قيس سعيّد ومنذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو 2021 قطع مع هذه المقاربة، مشددا على أن دور المنظمة الشغيلة لا يتعدى العمل النقابي.
ودعا الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي إلى إبرام اتفاقية ثلاثية بين بلاده وليبيا والجزائر لمعالجة مشكلة الهجرة، قائلاً إنه “لا يكمن حلها فقط عن طريق تشديد حماية حدود البلاد على مستوى المعابر غير الشرعية”.
وأضاف الطبوبي خلال كلمة له الأحد، بمناسبة إحياء الذكرى 76 لمعركة 1947 التي خاضها اتحاد الشغل ضد المستعمر الفرنسي “يبقى من حق تونس حماية حدودها ولكن الواقع يقول إن تونس لا تملك حدوداً مع النيجر ومالي وغيرهما من دول جنوب الصحراء وإنما لها حدود فقط مع الجزائر وليبيا ويمكن حماية هذه الحدود باتفاق ثلاثي بين تونس وجارتيها”.
ويتبادل الجانبان الليبي والتونسي الاتهامات منذ أسابيع، بناء على مقاطع فيديو متداولة تظهر معاناة المهاجرين على الحدود المشتركة، حيث يحمّل كل جانب الآخر مسؤولية رمي هؤلاء في الصحراء للعطش والجوع والحر الشديد بينهم أطفال ونساء.
ويقول مراقبون إن مقترح المنظمة الشغيلة محاولة لإيجاد نقطة التقاء مع السلطة السياسية قد تذيب الجمود، إذ أن ارتباك السلطة في معالجة أزمة الهجرة والانتقادات الدولية التي وجهت لها وضعاها تحت ضغوط وبدت كأنها وحيدة في مواجهة هذه الضغوط.
ويشكك المراقبون في قدرة هذا المقترح وتلميح اتحاد الشغل بأنه يساند السلطة في مساعيها لتجاوز معضلة الهجرة على كسر الجمود، مرجحين تواصل الجفوة.
ودأبت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2011 على إعطاء مساحة للتدخل السياسي لاتحاد الشغل ضمن مقاربة تقول إنها تشاركية لتقاسم الأعباء والنتائج لكنها، حسب مراقبين، مهادنة وخشية من الثقل الاجتماعي للمنظمة الشغيلة القادرة على تحريك قطاعات واسعة تفرمل العمل الحكومي ما لم تتم الاستجابة لمطالبها أو اقتراحاتها. وتمثل الإضرابات القطاعية ومن ثم الإضراب العام أحد أهم الأسلحة التي تشهرها المنظمة الشغيلة في وجه الحكومات.
اتحاد الشغل يمر الآن بمرحلة تقهقر لكنه سيسعى بكل السبل لاستعادة جزء من موقعه الذي فقده
وفقد هذا “السلاح” تأثيره مع تفاقم الغضب الشعبي من “الإضرابات السياسية” في الكثير من الأحيان، وهو ما ترجمه الرئيس سعيّد بالقطعية غير المعلنة مع قيادة الاتحاد واقتصار التواصل والتشاور معه في الملفات النقابية البحتة عبر مصالح رئاسة الحكومة.
وتبدو العلاقة متوترة بين السلطة السياسية في البلاد ممثلة في رئيس الجمهورية والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حيث يتبادل الطرفان الرسائل المشفرة، فيما لمح سعيّد في زيارة غير معلنة إلى ثكنة الحرس الوطني بالعوينة إلى أن “من يقومون بقطع الطرقات وسكك الحديد أو التهديد بذلك بعلل واهية، لا يمكن أن يبقوا خارج دائرة المساءلة”، مضيفاً أن “الحق النقابي مضمون بالدستور، لكنه لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية لم تعد تخفى على أحد”.
ويرفض اتحاد الشغل تلك الاتهامات الموجهة إلى قياداته ولوح مرارا بالتصعيد للرد على ما اعتبره “شيطنة قياداته”، وتوجه إلى رئيس الجمهورية في وقت سابق برسالة دعاه فيها إلى الجلوس الجدي للحوار لم تلق أي تفاعل. ويؤكد محللون أنه لم يعد خافيا تراجع قوة تأثير اتحاد الشغل في المشهد والقرار السياسيين بعد أن لعب أدوارا متقدمة ما بين 2011 و2021.
ويشير المحللون إلى أن اتحاد الشغل يجد نفسه محاصرا بين سلطة سياسية حازمة في التفريق بين العمل النقابي والعمل السياسي، ومزاج شعبي كاره للمعارضة والمجتمع المدني والنقابات. ويقول هؤلاء إن اتحاد الشغل يمر الآن بمرحلة تقهقر لكنه سيسعى بكل السبل لاستعادة جزء من موقعه الذي فقده.
واختار الاتحاد سياسة المهادنة في مواجهة تحركات سعيّد الهادفة إلى إعادة التأسيس والبناء على قواعد تقطع مع السياسات الحكومية السابقة التي أدت في نهاية المطاف إلى الأزمة الاقتصادية ومن ورائها أزمة اجتماعية خانقة. ويحمل الكثير من التونسيين النقابات مسؤولية جزء كبير ممّا آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في البلاد جراء ما يصفونه بـ”الأنانية النقابية” والمطلبية المشطة التي لا تراعي موارد الدولة المالية.