جدة تستضيف محادثات بشأن الحرب على أوكرانيا

تلقي السعودية بثقلها الدبلوماسي في محادثات سلام في جدة لبحث مبادرة سلام تمهد لإنهاء الحرب في أوكرانيا أو تدفع إلى حل يمهد لمفاوضات سلام. واتخذت الرياض منذ بدء الحرب في أوكرانيا سياسة متوازنة بوّأتها للعب دور الوسيط.
جدة (السعودية) - بدأ مسؤولون كبار من نحو 40 دولة من بينها الولايات المتحدة والصين والهند محادثات في السعودية السبت، تأمل كييف وحلفاؤها أن تؤدي إلى اتفاق على مبادئ أساسية لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا سلميا. وذلك في إطار مسعى سياسي جديد للمملكة الراغبة في أداء دور دبلوماسي على الساحة الدولية.
ويأتي الاجتماع الذي يستمر يومين في إطار ضغط دبلوماسي من أوكرانيا لحشد دعم يتخطى نطاق الداعمين الغربيين الأساسيين من خلال التواصل مع دول جنوب العالم التي لا تزال مترددة في توضيح موقفها حيال صراع أضر بالاقتصاد العالمي.
وقال رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية أندري يرماك الجمعة قبل وصوله إلى جدة لترؤس وفد بلاده “أتّوقع ألا تكون المحادثات سهلة”، مضيفا “لدينا خلافات كثيرة وسمعنا مواقف كثيرة، لكن من المهم أن نشارك أفكارنا". وتابع “مهمتنا هي توحيد العالم كله حول أوكرانيا".
وبدأت روسيا غزو أوكرانيا في 24 فبراير 2022، وفشلت في محاولتها للاستيلاء على العاصمة لكنها استولت على مساحات شاسعة من الأراضي في الشرق فيما تقاتل القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب لاستعادتها.
وقال مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذا الأسبوع إن الاجتماعات في جدة ستركّز على صيغة للسلام مكونة من 10 نقاط تدعو إلى الانسحاب الكامل للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية.
كما تطالب بالعودة إلى حدود أوكرانيا السابقة، بما في ذلك أراضي القرم التي ضمتها روسيا منذ عام 2014. وقالت موسكو التي لا تشارك في اجتماعات جدة إنّ أي مفاوضات يجب أن تأخذ في الحسبان “الحقائق الإقليمية الجديدة”.
وتأتي المحادثات في جدة في أعقاب اجتماعات أجريت في يونيو في كوبنهاغن ولم يصدر في ختامها بيان رسمي. وبحسب مسؤول كبير في البيت الأبيض، فإن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يترأس وفد واشنطن في جدة.
وفي حين أن واشنطن لا تتوقع حدوث انفراجة كبيرة أو بيانات مشتركة، قال دبلوماسيون إن الاجتماعات تهدف إلى إشراك مجموعة من الدول في نقاشات حول الطريق نحو السلام، لاسيما أعضاء كتلة “بريكس” مع روسيا التي تبنت موقفًا أكثر حيادا بشأن الحرب على عكس القوى الغربية.
ويستبعد دبلوماسيون غربيون الموافقة على جميع النقاط العشر الواردة في صيغة زيلينسكي للسلام خلال المحادثات، لكنهم قالوا إنهم يسعون على الأقل للحصول على دعم واضح للمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، مثل وحدة الأراضي.
ومن جهتها، تشارك الصين في محادثات جدة من خلال مبعوثها إلى أوكرانيا لي هوي، وقد أبدت بكين تصميمها على "مواصلة أداء دور بناء من أجل تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية".
وقال كريستيان كوتس أولريخسن الزميل المعني بشؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة رايس، إن حضور الصين يرسل إشارة دعم للدبلوماسية السعودية بعد التعاون الصيني - السعودي في مجالات أخرى في الآونة الأخيرة. وأضاف "مشاركة الصين في المحادثات تدعم قول السعودية إن قوة عمل البلدين معا وقدرتهما على الاستفادة من العلاقات تختلفان نوعيا عن الأطراف الغربية".
كما أرسلت الهند وجنوب أفريقيا مسؤولين إلى جدة، في حين قالت وسائل إعلام برازيلية إن المستشار الخاص للشؤون الدولية للرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، تسيلسو أموريم سيشارك عبر الفيديو.
والجمعة، رحّب الرئيس الأوكراني بمحادثات جدة، بما في ذلك البلدان النامية التي تضررت بشدة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي أحدثته الحرب. وقال "هذا مهم للغاية لأنه في قضايا مثل الأمن الغذائي، يعتمد مصير الملايين من الأشخاص في أفريقيا وآسيا وأجزاء أخرى من العالم بشكل مباشر على مدى سرعة تحرك العالم لتحريك مسار السلام".
وتبرز اجتماعات جدة "استعداد المملكة للقيام بمساعيها الحميدة للإسهام في الوصول إلى حل يفضي إلى سلام دائم”، حسبما أفادت وكالة الأنباء السعودية مساء الجمعة. ويرى الخبير في السياسة السعودية في جامعة برمنغهام عمر كريم أنّ الرياض تبنّت “إستراتيجية توازن كلاسيكية” يمكن أن تخفّف من وطأة أي موقف روسي مناهض لاجتماعات جدة.
وتستند السعودية، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، إلى علاقاتها مع الجانبين الأوكراني والروسي، للسعي لأداء دور وسيط في الحرب التي مضى عليها الآن ما يقرب من عام ونصف العام. ويتماشى ذلك مع خطوات دبلوماسية إقليمية شهدت مؤخرًا العمل على إصلاح الخلافات مع قطر وتركيا ثم إيران وسوريا.
وفي مايو الماضي استضافت المملكة زيلينسكي في قمة جامعة الدول العربية في جدة، حيث اتهم بعض القادة العرب بـ”غضّ الطرف” عن أهوال الغزو الروسي.
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد "مجموعة الأزمات الدولية" جوست هيلترمان إنّه "من خلال استضافتها للاجتماع (حول أوكرانيا)، تريد السعودية تعزيز محاولتها لتصبح قوة وسيطة عالمية لديها القدرة على التوسط في النزاعات".
وأضاف أن الرياض "تريد أن تكون في الخندق ذاته مع الهند أو البرازيل، لأن هذه القوى الوسيطة إن عملت كفريق فيمكن أن تأمل في أن يكون لها تأثير على المسرح العالمي كقادة لحركة عدم الانحياز المتجددة".
ومن جهته، رأى المحلل السعودي علي الشهابي أن “هذه المحادثات هي مثال رئيسي على نجاح إستراتيجية السعودية متعددة الأقطاب في الحفاظ على علاقات قوية مع أوكرانيا وروسيا والصين". وأيّدت الرياض قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدين الغزو الروسي وضم موسكو لأراض في شرق أوكرانيا.
لكن في الوقت ذاته، واصلت السعودية التنسيق مع روسيا بشأن سياسة الطاقة ضمن تحالف "أوبك بلس"، بما في ذلك قرارات خفض إنتاج النفط التي تمت الموافقة عليها في أكتوبر الماضي، والتي اعتبرت واشنطن أنها ترقى إلى "الاصطفاف مع روسيا" في الحرب.
وفي سبتمبر الماضي، لعبت الرياض دورا في التوسط في إطلاق سراح مقاتلين أجانب محتجزين في أوكرانيا، بينهم اثنان من الولايات المتحدة وخمسة من بريطانيا. وتقول الرياض إنها لا تزال منفتحة على تأدية دور في الوساطة لإنهاء النزاع. وسبق أن تعهدت المملكة بتقديم 400 مليون دولار لإغاثة أوكرانيا.