الزجاج المكسور في بلداننا

البيئة المنظمة والنظيفة في المجتمع تعطي الانطباع بأن هناك مراقبة وبالتالي تحد من المخالفات والسلوك الإجرامي أو غير السوي على عكس البيئة المضطربة التي لا تتم مراقبتها والاهتمام بها.
السبت 2023/08/05
خلخلة كيان المجتمع

عندما اصطدمت سيارة بعمود الكهرباء في شارعنا في إحدى المدن الأوروبية، قامت البلدية في اليوم التالي بإصلاحه، رغم الأضرار الطفيفة التي لحقت بالعمود.

فتذكرت كيف أن الشوارع في بلادي مليئة بالنفايات وعلامات المرور المخربة، والأرصفة المتكسرة، والحدائق والساحات العامة المهملة.

إن ذلك يعود إلى نظرية الزجاج المكسور، أو الشباك المكسور. حيث اتفق علماء الاجتماع وعلم الجريمة على أن ترك الزجاج المكسور في أيّ مبنى دون إصلاح يؤدي حتماً إلى تكسر بقية الشبابيك، ومن ثم سرقة ونهب ما تبقى من موجودات البناية.

لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة، بل تشمل أيضاً الأنقاض المتروكة، وتكدس القمامة، والشوارع المظلمة. وقد تكون البداية مشكلة بسيطة يمكن معالجتها إلا أنها تؤدي في النهاية إلى فوضى عامة، وجرائم خطيرة.

علينا أن ندرك جميعا أن إهمال الأخطاء الصغيرة، سواء في البيت أو المدرسة أو الدائرة، سيتطور ليؤدي في النهاية إلى خراب شامل، ليس في البناء والمواد فقط، بل سيطال الإنسان السوي، وبالتالي سيؤدي إلى انحدار المجتمع

إن البيئة المنظمة والنظيفة في المجتمع تعطي الانطباع بأن هناك مراقبة واهتماما، وبالتالي تحد من المخالفات والسلوك الإجرامي أو غير السوي.

وعلى العكس من ذلك البيئة المضطربة، التي لا تتم مراقبتها أو الاهتمام بها، تعطي إشارة واضحة إلى أن السلوك غير الحضاري أو المخالف للنظام لا يكشف عنه، وبالتالي سيكون خارج الاهتمام والعقاب، مثل النوافذ المكسورة، وإهمال النظافة وفوضى المرور.. الخ. وهذه ترسل إشارة إلى انعدام المراقبة والمتابعة، وتعطي الانطباع أن السلوك غير السوي ممكن تقبله، ولا تتم معالجته إلا بشكل ضئيل.

وهنا تبدأ ثقافة المجتمع بالانحدار والتدهور، من خلال الأشخاص الطارئين غير المرغوب فيهم، وسلوكياتهم غير السوية التي لا تلقى الردع أو الإصلاح. فإذا ما ظهر الفساد في دائرة من الدوائر ولم تتم معاقبة الفاسدين والمرتشين، فسيكون هناك انطباع بالتساهل والقبول من قبل السلطات المعنية، مما يدفع إلى التقليد وانتشار الظاهرة السلبية على مستوى الدولة والمجتمع.

وكذلك الشأن بالنسبة إلى النظافة. فإذا ما تركت القمامة في مكان ما لعدة أيام دون رفعها، فإن السكان سيساهمون بزيادتها فتصبح مسألة عادية غير مستهجنة طالما لم تتم معالجتها وإزالتها في وقتها.

هنا يتم خلق نمط سلوكي جديد يساهم في خلخلة كيان المجتمع، ويجعل الناس يشعرون بالإحباط واليأس من قيمة أيّ عمل إصلاحي.

إن البيئة النظيفة والمتحضرة تسهم في تعايش اجتماعي أفضل. فتطبيق نظرية الزجاج المكسور ومعالجة المشاكل منذ بداياتها الصغيرة على جميع المرافق، من دوائر وشوارع ومدارس ومستشفيات، يؤدي إلى بيئة عامة سليمة تحترم الإنسان من خلال الأنظمة والقوانين. والتساهل بالمخالفات في الشوارع والسرقات البسيطة في الدوائر والشركات، يمكن أن تؤدي إلى الفساد العام الذي ينخر الدولة ويخرّب المجتمع.

علينا أن ندرك جميعا أن إهمال الأخطاء الصغيرة، سواء في البيت أو المدرسة أو الدائرة، سيتطور ليؤدي في النهاية إلى خراب شامل، ليس في البناء والمواد فقط، بل سيطال الإنسان السوي، وبالتالي سيؤدي إلى انحدار المجتمع. وهذا ما يحصل ويحصل في بلداننا ومجتمعاتنا مع الأسف.

9