تنويع الاقتصاد.. تفاؤل جزائري لا تؤيده الوقائع

عوائد النفط لم تخرج الجزائريين من دائرة الفقر.
السبت 2023/08/05
ملّوا وعودا لم تأت في انتظار رؤية الأفعال

حديث الرئيس الجزائري في احتفالية “جائزة الوسام الشرفي للتصدير” ليس جديدا على الجزائريين الذين سبق أن سمعوا نفس الخطاب يتردد على ألسنة رؤساء سابقين.. هل لدى تبون اليوم ما يقنع به أن الجزائر عازمة، حقا، على تنويع اقتصادها؟

الجزائر - لم ينتظر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون طويلا ليعلن نجاح خطوات اتخذتها حكومته لتحرير الاقتصاد الجزائري من الاعتماد على النفط. جاء ذلك خلال احتفالية “جائزة الوسام الشرفي للتصدير” التي أثنى فيها على من وصفهم بـ”الخلاقين للثروة”؛ أي العاملين في تنويع الاقتصاد والبعد عن الاقتصاد الريعي. ويطرح تفاؤل الرئيس تساؤلات عديدة تتعلق بإمكانية نجاح الجزائر في تجاوز "هيمنة" قطاع المحروقات على الاقتصاد.

ورغم وجود عددٍ من العوامل الدافعة إلى تحقيق هذا الهدف، من قبيل زيادة وتنمية الصادرات غير النفطية، في إطار التحسن المستمر في الميزان التجاري، فضلاً عن التوجه إلى السوق الأفريقية خاصة في غرب القارة، فإن ثمة مؤشرات على صعوبة التخلص من الهيمنة النفطية على الاقتصاد، يأتي في مقدمتها الاعتماد على الاستيراد، إضافة إلى صعوبة التنافس على الصعيد العالمي، بل والإقليمي أيضاً. وفي تقريرها السنوي لعام 2023 الصادر الأسبوع الماضي حول مناخ الاقتصاد والاستثمار في 165 دولة حول العالم، لم تشارك وزارة الخارجية الأميركية الرئيس الجزائري تفاؤله حول الوضع الاقتصادي في الجزائر.

ورأت الخارجية الأميركية أن اقتصاد الجزائر “تسيطر عليه المؤسسات الحكومية، وهو ما يشكل تحديًا للشركات الأميركية”، ولم ينف التقرير وجود "فرص في عدة قطاعات للنمو على المدى الطويل"، وأكد أن المسؤولين الحكوميين في الجزائر يشجعون "بشكل متكرر الشركات الأميركية على الاستثمار في الجزائر، مع التركيز بشكل خاص على الزراعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعدين والطاقة المتجددة والرعاية الصحية".

وبعد عرض لأبرز معالم الاقتصاد الجزائري، تحدث التقرير عن مواجهة المستثمرين الاقتصاديين لـ”مجموعة من التحديات، بما في ذلك الإجراءات الجمركية المعقدة والبيروقراطية المرهقة وصعوبات التحويلات النقدية والمنافسة في الأسعار مع منافسين دوليين". وأضاف التقرير أن الشركات الدولية التي تعمل في الجزائر "تشتكي من أن القوانين واللوائح متغيرة باستمرار، مما يزيد من المخاطر التجارية للمستثمرين الأجانب". وحسب التقرير، تشمل العوائق الأخرى الاندماج الإقليمي المحدود والقيود على الاستيراد التي تعيق فرص الانتفاع من سلاسل الإمداد الدولية.

بغضّ النظر عن طموحات الرئيس الجزائري تظل الآفاق الاقتصادية للجزائر متأثرة بالتقلبات التي تنتاب قطاع المحروقات
◙ بغضّ النظر عن طموحات الرئيس الجزائري تظل الآفاق الاقتصادية للجزائر متأثرة بالتقلبات التي تنتاب قطاع المحروقات

ويشارك خبراء اقتصاديون الرأي مع ما جاء في تقرير الخارجية الأميركية، ويتحدثون عن عوائق عديدة تحد من قدرة الحكومة الجزائرية على الاعتماد على الصادرات غير النفطية؛ منها: تأثر الاقتصاد الكلي بصعود وهبوط أسعار النفط: فرغم التراكم في احتياط الصرف الأجنبي، الذي وصل إلى 61.7 مليار دولار أميركي بحسب تقرير البنك الدولي المخصص لـ”رصد الوضع الاقتصادي للجزائر"، بما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز قدرة الاقتصاد الجزائري على الصمود في وجه الصدمات الخارجية، ورغم ذلك فإنّ توازنات الاقتصاد الكلي تظل متأثرة بالتذبذب في أسعار النفط العالمية.

ويبدو أن الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات أمامها طريق طويل لتتمكن الجزائر من الخروج من تبعية اقتصادها إلى هذا القطاع. وبسبب الافتقار إلى التنويع الاقتصادي خلال العقود السابقة، لا يزال اقتصاد الجزائر يعتمد بشكل كبير على عائدات المحروقات التي تبلغ نسبة تتجاوز 93 في المئة من الصادرات الوطنية.

إشكالية الفقر الاعتماد الطويل على الاستيراد: الجزائر التي تزخر بموارد طبيعية هائلة “لم تستطع بعد الخروج من دائرة الدول الفقيرة”، وذلك بحسب تقرير نشره موقع “وورلد كرانش” في 8 يونيو الماضي، مقارنة بجاريها المغرب وتونس. وأشار التقرير إلى تسجيل الجزائر أدنى مستوى لدخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وذلك خلال عام 2021، ضمن البلدان المغاربية الثلاثة “قبل أن يرتفع مجدداً في العام التالي (2022)، بسبب ارتفاع استثنائي وجيز في أسعار المحروقات".

وكما يؤكد التقرير، فإن "ثروة الجزائر الهائلة من الموارد الطبيعية لم تعد كافية لإخفاء تخلف اقتصاد البلد عن الجيران المغاربيين"، وبالتالي يبدو أن نقص الخبرة الإنتاجية التي تحتاج إلى سنوات طويلة، فضلاً عن الاتكال الطويل على الاستيراد في مجالات كثيرة، ولاسيما المواد الاستهلاكية، يُصعِّب مسعى الحكومة الجزائرية على المدى القصير.

بل وبحسب آخر التصنيفات التي نشرها البنك الأفريقي للتنمية في نوفمبر 2022، جاءت الجزائر في المرتبة 11 من حيث التصنيع، في حين احتل المغرب وتونس اللذان لا يمتلكان نفس إمكاناتها من الموارد الطبيعية المرتبة الثانية والرابعة على التوالي.

صعوبة التنافس على المستوى الدولي والإقليمي: رغم أن رسم خطة لدعم الصادرات الجزائرية خارج المحروقات هو "شيء إيجابي يجب التنويه به"، ورغم التفاؤل الذي أبداه الرئيس الجزائري في الحديث عن إمكانية خروج اقتصاد بلاده من إشكالية الاعتماد على قطاع المحروقات إلا أن الواقع يُشير، بحسب عدد من الاقتصاديين الجزائريين، إلى أن هذه المؤسسات التي تم تكريمها في احتفالية “جائزة الوسام الشرفي للتصدير" وساهمت في الدفع بأرقام التصدير خارج المحروقات، ما تزال تُعد على أصابع اليد.

وبغض النظر عن طموحات الرئيس الجزائري، تظل الآفاق الاقتصادية للجزائر متأثرة بالتقلبات التي تنتاب قطاع المحروقات، وهو ما يعني أن تنمية الصادرات خارج قطاع المحروقات أمامها طريق طويل وسنوات عديدة قبل أن يتمكن فيها المنتج الجزائري من القدرة على المنافسة الإقليمية، ومن ثم العالمية. هذا بافتراض أن المسؤولين في الجزائر توقفوا قليلا لإعادة النظر في سياساتهم، وفي علاقاتهم الدولية، خاصة مع دول الجوار.

10