برلمان الكويت يقر قانون مفوضية الانتخابات رغم التحذيرات من بنود تهدد مدنية الدولة

القانون ينزع عن المواطنين غير الملتزمين بالشريعة الإسلامية الحق في الترشح والانتخاب.
الأربعاء 2023/08/02
انتكاسة للحقوق السياسية في الكويت

يثير قانون مفوضية الانتخابات الذي جرت المصادقة عليه الثلاثاء في مداولة ثانية جدلا واسعا في الكويت، بين مؤيدين يرون فيه نقلة نوعية في مسار تصحيح العملية الانتخابية وآخرين يحذرون من أن بعض بنوده تشكل تهديدا حقيقيا للدولة المدنية.

الكويت - صادق مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) الثلاثاء على مشروع قانون لإنشاء مفوضية عليا للانتخابات، على الرغم من تحفظات واسعة على بعض البنود المثيرة للجدل في القانون، والتي يقول معارضوها إنها تستهدف مدنية الدولة.

ويرى نشطاء أن مسارعة نواب المجلس الذي يسيطر عليه الإسلاميون إلى تمرير المشروع، بدون الاهتمام بالأصوات المتململة حتى من داخل المجلس نفسه والمنادية بإجراء تعديلات ترفع اللبس عن بعض البنود ولاسيما المادة السادسة عشرة من القانون، تشي بوجود نوايا سيئة.

وكانت حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح قدمت في وقت سابق من الشهر الجاري مشروع قانون لإنشاء مفوضية للانتخابات، إلى مجلس الأمة، وهدف هذا القانون في جوهره إلى تصويب العملية الانتخابية، التي تعرضت إلى التشكيك والإبطال في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية، وآخرها قرار المحكمة الدستورية في مارس الماضي بإبطال الانتخابات التشريعية للعام 2022.

وقد لاقى مشروع القانون تفاعلا إيجابيا، لاسيما حيال بعض البنود، ومنها تلك المتعلقة بفتح المجال أمام من أدينوا بجرائم منها المساس بالذات الأميرية للترشح للانتخابات “بعد رد اعتبارهم”، لكن ذلك لم يمنع من وجود بنود شكلت صدمة بالنسبة للكثيرين على غرار الفقرة الثانية من المادة السادسة عشرة والتي نصت على وجوب التزام المرأة بقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية كشرط للترشح والانتخاب.

واعتبر نشطاء سياسيون وحقوقيون أن هذه الفقرة تشكل ردة خطيرة على مكاسب المرأة الكويتية، وهي تستهدف تحجيم حضور الكويتيات في الحياة السياسية، منتقدين حكومة الشيخ أحمد النواف التي يرون أنها مستعدة لفعل أي شيء من أجل استرضاء النواب الإسلاميين.

جنان بوشهري: عبث سياسي بالشريعة الإسلامية وأحكامها وفتاواها
جنان بوشهري: عبث سياسي بالشريعة الإسلامية وأحكامها وفتاواها

وفي محاولة التفافية على ردود الفعل الرافضة للمادة السادسة عشرة والمطالبة بحذفها، عمدت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة إلى إدخال تعديل يقضي بعدم حصرية مسألة الرضوخ لأحكام الشريعة في المرأة، بل وتشمل أيضا الرجل.

وقال نشطاء لصحيفة "القبس" المحلية إن هذا التعديل الجديد "زاد الطين بلة"، ويضر بالعملية الانتخابية، ويجعلها رهينة الفتاوى الحكومية للشريعة الإسلامية، وإن كانت على المرأة سابقا فقط، فالتعديل الجديد عقّد الأمور، وجعل أحكام الشريعة "المجهولة" شرطا على كل ناخب وناخبة. وقالوا “إن الدستور يكفل العدالة والمساواة وممارسة الحقوق بلا شروط أو قيود".

ولفتوا إلى أن التعديل الأخير للمادة 16 هو تعديل غامض، متسائلين “من يحدد الضوابط الشرعية؟ وفي حال رغب أي من المواطنين من الطائفة المسيحية خوض الانتخابات، فماذا سيعمل؟". واعتبروا ما يقوم به بعض النواب ما هو إلا حالة "ترقيع" ومعاداة للدولة المدنية. وأوضح النشطاء أن التعديل يتناقض والحريات ويتنافى مع مبادئ الدولة المدنية، لذلك فالمفترض أن تكون ممارسة الحق الانتخابي بلا شرط أو قيد ومفتوحة للجميع. وعبرت النائب جنان بوشهري بدورها عن رفضها للتعديل على المادة 16، مؤكدة أن ما يحدث مواءمة سياسية وتهديد للدولة المدنية.

وأوضحت بوشهري "لا يختلف أي مواطن ومواطنة على أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع، وهو نص دستوري أقسمنا على احترامه، لكنني لم أجد إجابة على ما هي الأحكام التي فرضت بالأمس على المرأة واليوم على الرجل والمرأة سوى أنها 'مواءمة سياسية'، وهذا عبث سياسي بالشريعة وأحكامها وفتاواها".

وإلى جانب بوشهري فقد أعلن ثمانية نواب عن رفضهم الفقرة الثانية من المادة السادسة عشرة، بينهم رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم والنائب مهلهل المضف والنائب بدر الملا والنائب حمد المدلج.

وحذر الكاتب الصحافي أحمد الصراف من خطورة المادة السادسة عشرة، مشيرا إلى أن التعديل الأخير عبثي ولا يتسق مع مبادئ الدستور، ويتنافى مع مبادئ الدولة المدنية. وذكر الصراف أن التعديل سيفتح خلافا وسيخلق إرباكا قضائيا وسياسيا مستقبلا.

ودعت الحقوقية عذراء الرفاعي إلى ضرورة مراجعة التعديل في قانون المفوضية، لأنه سيفتح باب التلاعب بالألفاظ مستقبلا. واعتبرت أن القانون أتاح إصدار لائحة تنفيذية وهي متغيرة وليست ثابتة، وهي ستكون تحت رحمة من سيشرف على إصدارها وبالتالي ليس من المستبعد فرض الحجاب على المرأة كشرط للانتخاب والترشح مستقبلا.

ويرى متابعون أنه من غير المنتظر إعادة النظر في المادة المثيرة للجدل، بعد المصادقة عليها في مداولة ثانية في مجلس الأمة، لافتين إلى أن هذه المادة تدق ناقوس الخطر حول تنامي نفوذ الإسلاميين في الدولة الخليجية.

ويشير المراقبون إلى أنه رغم القلق الذي تثيره المادة السادسة عشرة، لكن ذلك لا يعني عدم تحقيق جملة من المكاسب في قانون مفوضية الانتخابات، ومنها إنهاء قانون المسيء الذي شكل استهدافا للحريات والحقوق السياسية.

◙ مسارعة نواب المجلس الذي يسيطر عليه الإسلاميون إلى تمرير المشروع ترفع اللبس عن بعض البنود ولاسيما المادة السادسة عشرة من القانون التي تشي بوجود نوايا سيئة

وشهدت السنوات الماضية حرمان عدد من النواب السابقين والنشطاء السياسيين من الترشح للانتخابات بسبب إدانتهم بالمساس بالذات الأميرية أو ما عرف بقضية اقتحام مجلس الأمة، حتى أولئك الذين صدر بحقهم عفو أميري.

ويتضمن القانون الحق في رد الاعتبار لمن حرم من الانتخابات لأنه سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو في جريمة مخلة بالشرف أو بالأمانة أو في جريمة المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الذات الأميرية، بحيث لا يكون حرمانه من حقه الانتخابي أبديا.

وقال خالد المونس، رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة التي أعدت القانون بعد التصويت، "اليوم نقولها بشكل رسمي: انتهت حقبة الإعدام السياسي بإعلان وفاة قانون المسيء".

ويقول المراقبون إن البند الأهم في القانون هو تشكيل مفوضية تعنى بالإشراف على العملية الانتخابية، والتي كانت موزعة على عدة أجهزة لاسيما وزارة الداخلية المعنية بفتح باب الترشح وتنظيم مجريات الاستحقاق الانتخابي.

وستتكون المفوضية من خمسة قضاة كويتيين، ولها أمانة عامة ومقر وتختص بإعداد جدول الانتخابات والإعداد لها بجميع مراحلها حتى الفرز وإعلان النتائج. ويعد هذا القانون هو الأول من نوعه بالبلاد، وأبرز تعاون إيجابي بين الحكومة ومجلس الأمة بعد خلافات لشهور، ولاقى إشادة حكومية، بحسب إعلام محلي.

وأكد وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة عيسى الكندري أن "إقرار قانون إنشاء المفوضية العامة للانتخابات جاء بفضل التنسيق والتعاون الإيجابي بين المجلس والحكومة"، معربا عن "أمله في استمرار هذا التعاون".

 

اقرأ أيضا:

           • نثق بأدائك.. فكن أول الناظرين للمصحلة العليا

3