حجب المعونة الأميركية إزعاج للقاهرة لا يؤثر على العلاقات

أعضاء بمجلس الشيوخ يطالبون بحجب 320 مليون دولار من المعونات العسكرية.
الاثنين 2023/07/31
علاقات أكبر من أن يؤثر فيها حجب المعونات

يخفف مراقبون من تأثير مطالبة أعضاء بمجلس الشيوخ الأميركي بحجب جزء من المساعدات العسكرية السنوية لمصر بسبب ملفها الحقوقي، إذ أن مصر تعتبر حليفا إستراتيجيا لواشنطن في الشرق الأوسط ومجالات التعاون والعلاقات أكبر من أن تهزها مطالب نيابية.

القاهرة - تحول الحديث عن حجب جزء من المعونة الأميركية المقدمة سنويًا لمصر إلى إزعاج معنوي يستهدف الضغط على بعض الملفات دون أن يؤثر إجمالاً على مستوى العلاقات والتنسيق بين الدولتين في مجالات مختلفة، وبدت كأمر اعتاد عليه الديمقراطيون في الكونغرس الأميركي لإرسال إشارات سياسية حول ملف حقوق الإنسان.

وطالب تسعة أعضاء محسوبين على الحزب الديمقراطي بمجلس الشيوخ إدارة الرئيس جو بايدن قبل أيام بحجب جزء من المساعدات السنوية المقدمة لمصر، وأرجعوا ذلك لمواصلة الضغط على القاهرة ودفعها نحو تحسين سجلها الحقوقي.

ويشير التطرق إلى حجب جزء من المعونة قبل شهرين من موعد إقرارها أن هناك دوائر داخل الحزب الديمقراطي تستهدف إتاحة هامش من المناورة أمام إدارة بايدن للضغط على مصر في ملفات لها علاقة بالملف الحقوقي في وقت أظهرت فيه القاهرة استجابة لمطالب خارجية بشأن الإفراج عن عدد من النشطاء السياسيين والحقوقيين، بينهم محمد الباقر، وباتريك زكي الذي تدخلت الحكومة الإيطالية للإفراج عنه.

ويضع أعضاء الكونغرس في حسابهم أن القاهرة تسعى لتهيئة الأجواء الداخلية لإجراء انتخابات رئاسية قريبا وتريد إطفاء الحرائق في أكثر من ملف يرتبط بالوضع السياسي والاقتصادي والحقوقي، ما يجعل التصعيد يحمل أبعادا ترتبط بالحالة المصرية، ما يحقق مكاسب للديمقراطيين يمكن تسويقها سياسيا في الداخل الأميركي.

أكرم حسام: المساعدات نقطة هامشية في مجمل العلاقات بين البلدين
أكرم حسام: المساعدات نقطة هامشية في مجمل العلاقات بين البلدين

وتزامنت تحركات أعضاء مجلس الشيوخ التي قادها رئيس اللجنة الفرعية لشرق آسيا التابعة للجنة العلاقات الخارجية السيناتور كريس ميرفي، مع توجيه أكثر من 20 منظمة حقوقية ومراكز فكرية نداءات مشابهة طالبت بحجب جزء من المساعدات البالغة 1.3 مليار دولار سنويا.

ولفت أعضاء مجلس الشيوخ في رسالة موجهة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إخفاق الحكومة المصرية في تحقيق تقدم ذي مغزى في التعامل مع المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، وشددوا على ضرورة حجب 320 مليون دولار من المساعدات بسبب نقص التقدم في مجال حقوق الإنسان.

وقال الخبير المصري في الشؤون الدولية أكرم حسام إن المساعدات تعد نقطة هامشية في مجمل العلاقات بين البلدين، وبشكل معتاد يجري توظيفها من قبل الإدارات الديمقراطية للضغط على القاهرة في ملفات بعينها، مع الحرص على أن لا يقود ذلك إلى تحول في توجهات مصر يجعلها تسير في اتجاه مخالف للمصالح الأميركية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن واشنطن حريصة على أن تكون مصر عنصرا للاستقرار في المنطقة ولا تتخذ ضدها إجراءات خشنة قد يترتب عليها إحداث تحول كبير في مسار العلاقات بين البلدين، وتحرص الولايات المتحدة على أن يسير التعاون بشكل طبيعي، والإدارات الديمقراطية تتعامل بأسلوب المسارات المتوازية، وتعمل على تطويرها في سياقات معينة ومتوازنة.

وتزامنت مطالب أعضاء في الكونغرس مع زيارة قام بها قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا إلى مصر، زار فيها معبر رفح الحدودي في شمال سيناء المحاذي لقطاع غزة الفلسطيني، وتطرق إلى “تحسين الأمن على الحدود بين مصر غزة مع التأكيد على أهمية معبر رفح الحدودي”.

وأعلنت القيادة المركزية الأميركية “سينتكوم” أنّ مصر والولايات المتحدة تستعدان لمناورات هي الأكبر من نوعها منذ سنوات، ومن المقرر أن يشارك فيها 7 آلاف عسكري من 33 دولة، ما يشي أن التعاون العسكري يأخذ في التصاعد في وقت جرى فيه الحديث عن حجب جزء من المساعدات. وتعبّر العلاقات العسكرية بين البلدين عن الجانب المتين بينهما، والذي لم يتأثر خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بحجب فعلي لجزء من المساعدات لمصر.

وذكر أكرم حسام لـ"العرب" أن الديمقراطيين يحرصون على إيجاد مناطق رمادية في علاقاتهم الخارجية مع الدول المهمة لهم، تسهّل عليهم المراوغة وقد يكون هناك قرار بحجب جزء من المعونة، لكن ذلك لن يؤثر على التنسيق العسكري بين البلدين، والذي أصبح هو الركيزة التي تستند عليها العلاقات الإستراتيجية بينهما.

وتبقي الولايات المتحدة العديد من الدول إلى جانبها ضمن تكتل دولي تقوده في مواجهة تنامي النفوذ الروسي، وتدرك أن القاهرة لديها علاقات جيدة مع موسكو، ولذلك لن تتبنى خطوات تقودهما لتطويرها بما ينعكس سلبا على المصالح الأميركية. وتعلم واشنطن أن حجب جزء من المعونة السنوية لن تكون له تأثيرات قوية على الاقتصاد المصري أو الدعم العسكري الموجه للجيش المصري.

وأوضح رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان أيمن عقيل أن توظيف الملف الحقوقي كأداة للضغط الغربي على بعض الدول أمر معتاد، ولدى حكومات مختلفة قدرة على التعامل معه، وأفقده التسييس جزءاً من الزخم الذي حظي به من قبل، وبالنظر إلى التوجهات الأميركية فإنها تطال غالبا المعونة الاقتصادية وتبتعد عن الجزء الأكبر المخصص للمساعدات العسكرية التي تدرك أهمية استمرارها.

أيمن عقيل: توظيف الملف الحقوقي كأداة للضغط أمر معتاد
أيمن عقيل: توظيف الملف الحقوقي كأداة للضغط أمر معتاد

واستخدام المعونة كأداة للضغط على مصر لتحقيق إصلاحات حقوقية بدأ عام 2007 عندما حث رئيس مركز ابن خلدون بالقاهرة الدكتور سعدالدين إبراهيم واشنطن لتوظيف المساعدات لتحسين السجل الحقوقي بمصر، ومنذ ذلك الحين لم تحدث قطيعة مع القاهرة وتتزايد وتيرة الضغوط وتتراجع وفقا لحساسية الملفات المفتوحة وطبيعة الأوضاع السياسية والأمنية في مصر.

وقال عقيل لـ"العرب" إن المنظمات الحقوقية هي الأكثر استفادة من حجب جزء من المساعدات، حيث وجه بعضه لدعم منظمات حقوقية عاملة في مصر، وهو ما قاد إلى تزايد عددها بشكل كبير وحصلت على تمويلات سابقا، لكن الوضع تراجع مع تضييق الخناق في مصر على التمويلات الأجنبية للمنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية.

وتضع الحكومة المصرية قرارات الحجب في إطارها وتعمل على الفصل بين تطورات الملف الحقوقي وبين جوهر العلاقات، وهو ما يحدث أيضَا مع دولة مثل فرنسا تعمل على تقديم تقارير شديدة اللهجة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان ويتم تسويقها دوليا من دون أن تنعكس على العلاقات السياسية مع مصر.

وقرر الكونغرس من قبل حجب ما يقرب من 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية الموجهة لمصر بزعم الضغط عليها لإحداث تطور في مجال الحقوق، لكن لوزارة الخارجية الأميركية الحق في أن تتجاوز ذلك لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

2