الرئيس التركي يستبق زيارة بغداد بغارات لطائرات مسيرة

تركيا تريد من هجماتها الجديدة أن تدفع الحكومة العراقية إلى عدم التركيز على قضية الهجمات خلال زيارة أردوغان.
الأحد 2023/07/30
وجود يبقي على الحضور التركي في العراق

بغداد - حدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جانبا مسبقا من جدول أعمال زيارته المرتقبة إلى بغداد بالسماح لقواته بشن هجوم بطائرات مسيرة في شمال العراق، استهدفت عددا من القياديين في حزب العمال الكردستاني، وذلك من أجل إلزام الحكومة العراقية بقبول فكرة أن الضربات التركية داخل العراق حق مسبق لأنقرة.

وتشن تركيا هجمات بالطائرات والمدفعية والصواريخ منذ عدة سنوات، ينطلق بعضها من قواعد تركية داخل الأراضي العراقية، إلا أن أكثرها إثارة للجدل كان الهجوم على منتجع سياحي في مدينة زاخو والذي أدى إلى مقتل تسعة أشخاص بينهم أطفال في يوليو العام الماضي، وهو أمر استدعى انعقاد البرلمان العراقي وعقد اجتماع خاص بحضور وزيريْ الدفاع والخارجية ورئيس أركان الجيش، إلا أن الحكومة اكتفت بالتنديد من دون اتخاذ أيّ إجراء آخر ضد تركيا، التي تنصلت من الهجوم.

وكذلك عندما قصفت تركيا مطار السليمانية في أبريل الماضي عندما كان مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية موجودا في المطار للقاء زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني. وهو أمر دفع الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد إلى مطالبة تركيا بتقديم اعتذار رسمي، وهو ما لم يحصل.

أنقرة تتمسك بشن هجمات داخل العراق، ولن توافق على مطالب بغداد بأن يجري التنسيق معها قبل تنفيذ هذه الهجمات، وذلك على اعتبار أن الضرورات الأمنية هي التي تمنع من التنسيق المسبق

ويقول مراقبون إن تركيا تريد من هجماتها الجديدة أن تدفع الحكومة العراقية إلى عدم التركيز على قضية الهجمات خلال الزيارة المنتظرة لأردوغان إلى بغداد، باعتبار أن تركيا “تكافح الإرهاب”، وأن هذا الموضوع لا يستلزم النقاش بشأنه، حتى وإن كانت هذه الهجمات تتم من دون استشارة الجهات المعنية في بغداد أو إبلاغها المسبق.

وكان جهاز مكافحة الإرهاب في كردستان العراق قال إن أربعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني لقوا حتفهم وأصيب آخر الجمعة في محافظة السليمانية، في غارة تركية بطائرة مسيرة.

وذكر شاهو عثمان رئيس بلدية منطقة شاربازير أن الأشخاص الخمسة كانوا في سيارتهم في المنطقة حين أصابتهم الطائرة المسيرة، وأن السيارة تعرضت للضرب مرتين في غضون عشر دقائق.

وكشفت المخابرات التركية أيضا عن مقتل القيادي في حزب العمال الكردستاني مسعود جلال عثمان الذي كان يحمل الاسم الحركي «زاجروس تشيكدار»، في عملية نفذتها في منطقة سنجار التابعة لمحافظة نينوى في شمال العراق.

ونقلت وكالة الأناضول التركية عن مصادر أمنية أن “عثمان كان ضالعاً في ممارسات التجنيد القسري للشباب في سوريا، كما أنه قام بإعطاء تعليمات لتنفيذ العديد من الهجمات التي استهدفت القوات التركية”.

وتؤكد هذه العمليات للمراقبين أن أنقرة تتمسك بشن هجمات داخل العراق، وأنها لن توافق على مطالب بغداد بأن يجري التنسيق معها قبل تنفيذ هذه الهجمات، وذلك على اعتبار أن الضرورات الأمنية هي التي تمنع من التنسيق المسبق.

oo

وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة العراقية المستمرة بأنها لا تسمح بأيّ نشاطات معادية لتركيا تنطلق من أراضيها، وعلى الرغم من أن حكومة أربيل التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني ترتبط بعلاقات وثيقة مع أجهزة المخابرات التركية وتقدم لها تسهيلات ومعلومات عن النشطاء الأكراد، بمن فيهم غير المسلحين مما يساعدها على تنفيذ اغتيالات لهم، إلا أن تركيا تواصل اتهام العراق بأنه ما يزال يؤوي مجموعات مسلحة تابعة لحزب العمال الكردستاني.

وتقول مصادر حكومية عراقية إن وجود جماعات مسلحة تنتشر في المناطق الجبلية أمر قائم منذ أكثر من نصف قرن، ولا يمكن تنجب حركة المسلحين على أطراف الحدود بسبب الطبيعة الوعرة للمناطق الجبلية. وتركيا نفسها لم تنجح في استئصال شأفة المسلحين الأكراد داخل أراضيها، ولكنها تريد مطاردة فلولهم داخل العراق.

1.5

مليار دولار قيمة التعويضات التي فرضتها المحكمة في باريس ويطالب أردوغان بالتخلي عنها

ويرى مراقبون أن تركيا تتخذ من هذه القضية ذريعة فقط لأجل أن تبقي قواعد لها داخل العراق، وأن تتخذ من وجود مسلحين يتحركون عبر الحدود بين تركيا والعراق وسوريا ذريعة مجردة للتدخلات، وفرض حضور أمني داخل العراق.

وكانت آخر زيارة لأردوغان إلى العراق جرت في مارس 2011، عندما كان في منصب رئيس الوزراء. ومن المنتظر أن يلتقي أردوغان خلال الزيارة مع الرئاسات العراقية الثلاث، ومع القيادات السياسية العراقية أيضا، وذلك لمناقشة 3 ملفات مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تتعلق بمكافحة حزب العمال الكردستاني وملف المياه، وكذلك إعادة تصدير نفط إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي.

وكان من اللافت أن أنقرة لم تعلن عن موعد الزيارة. ويبدو أن الأمر يتصل بسعي تركيا لكي تملي تصوراتها لنتائج الزيارة من قبل أن تتم بالفعل. ولأنها بالنسبة إلى أردوغان ليست على غرار جولته الأخيرة التي شملت الرياض والدوحة وأبوظبي. لأنه ذهب إلى هذه العواصم ليطلب مساعدات واستثمارات، بينما يذهب إلى بغداد ليفرض شروطا ومطالب أمنية واقتصادية.

ويتوقع مراقبون أن يطالب أردوغان بتخلي بغداد عن التعويضات البالغة نحو 1.5 مليار دولار التي فرضتها المحكمة التجارية في باريس على تركيا لتصديرها نفط كردستان من دون موافقة بغداد.

أما بالنسبة إلى إمدادات المياه، فإنه ربما سوف يعرض من جديد إمدادات إضافية لمدة شهر واحد أو شهرين، وذلك على غرار ما فعل عندما قام السوداني بزيارة أنقرة في 21 مارس الماضي. بينما تقول وزارة الموارد المائية العراقية إن “العراق الآن لا يتسلم إلا 35 في المئة من استحقاقه الطبيعي من المياه في دجلة أو الفرات”. مما يجعل إمدادات المياه أعطية من العطايا، وليست استحقاقا طبيعيا أو قانونيا.

5