تونس تسعى لتجاوز أزمة المهاجرين بزيادة عدد الطلاب الأفارقة في جامعاتها

تسعى تونس إلى تعزيز موقعها أفريقيا كوجهة جامعية على المستوى الإقليمي، من خلال استقطاب الطلاب القادمين من باقي دول القارة، وهو ما دفع السلطات للعمل على زيادة أعداد الطلاب في الجامعات التونسية.
تونس - تدرك تونس أن الأزمة التي تشهدها البلاد مع المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة وسط اتهامات بممارسات عنصرية، ستؤثر على علاقتها مع الدول الأفريقية لذلك تحاول تجاوز التوتر الذي حدث من خلال زيادة عدد مقاعد الطلاب الأفارقة في جامعاتها.
ويأتي ذلك في ظلّ الجدل القائم في البلاد منذ أشهر بشأن التدفق الكبير لمهاجري تلك الدول على البلاد، في مسعى للعبور إلى الأراضي الإيطالية وسط شكاوى من “انتهاكات وممارسات عنصرية” طالتهم.
وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي في تونس منصف بوكثير “انفتاح تونس على العمل مع جميع شركائها لتوظيف تجربتها وقدراتها في إطار التضامن الأفريقي في تكوين رأس المال البشري وضرورة اعتماد نهج أكثر توازنا لحركية المهارات بين الشمال والجنوب، إزاء ما تواجهه أفريقيا من تحديات كبرى كضعف الموارد وهجرة العقول والمنافسة الشرسة لاستقطاب المواهب”.
وأضاف في كلمة له خلال مشاركته في قمة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية حول رأس المال البشري، التي انعقدت بالعاصمة التنزانية دار السلام يومي 25 و26 يوليو الجاري، أن “تونس أقرت في هذا السياق، الزيادة في عدد المقاعد الدراسية المخصصة لكافة الدول الأفريقية جنوب الصحراء، بعنوان السنة الجامعية المقبلة، بنسبة 25 في المئة مقارنة بالسنة الجامعية الماضة”.
ولفت بوكثير إلى أن “تونس كانت سباقة لتوفر فرص تكوين ومنح دراسية وبرامج مساعدة فنية لأكثر من 40 دولة أفريقية، مخصصة أكثر من ألف منحة ومقعد دراسي مجاني سنويا لفائدة الطلبة الأفارقة”.
وتعد تونس وجهة جامعية على المستوى الإقليمي بفضل جامعاتها المعترف بها دوليا وبنيتها التحتية الحديثة فضلا عن نوعية الحياة الجيدة بها وكلفتها المعقولة.
ويدرس في الجامعات التونسية الخاصة ما يزيد عن 8 آلاف طالب وطالبة من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وهو ما يمثل تقريبا 15 في المئة من مجموع الطلبة، وسعت الجامعات الخاصة خلال السنوات الماضية إلى المزيد من استقطاب الطلاب الأفارقة.
وأقرت الحكومة التونسية إحداث الوكالة التونسية للطلبة الدوليين كهيكل تنفيذي للدبلوماسية المعرفية لترافق الطلبة الدوليين من مشروع الدراسة بتونس إلى ما بعد التخرج وتؤطر المؤسسات الجامعية في برامج الإحاطة بالطلبة الدوليين، مما سيعزز مكانة تونس كوجهة جامعية دولية متميزة في المنطقة، ويحقق موارد إضافية للمجموعة الوطنية.
وأوضح الوزير أن “تونس قد اختارت نهج الاستثمار المتواصل في رأس المال البشري ولم تحد أبدا عن هذه الأولوية ولا تزال تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث التمويل الحكومي لكل تلميذ في التعليم الثانوي كنسبة من نصيب الفرد من الناتج المحلي الخام”، لافتا إلى أن “السنوات الخمس الأخيرة شهدت ارتفاع الإنفاق على التعليم العالي بـ37 في المئة وارتفاع نسبة الإنفاق على كل خريج جامعي بـ50 في المئة وهو ما يعكس مواصلة الحكومة التونسية الاستثمار في التعليم العالي رغم تحديات المالية العمومية.
وأكد أنه يتم اليوم توجيه الاستثمارات أكثر فأكثر إلى برامج جودة التكوين ودعم القدرة التشغيلية والتشجيع على الإنتاج العلمي وكذلك الخدمات الجامعية الموجهة إلى الطلبة من سكن وإطعام ومنح والتي تمثل أكثر من 20 في المئة من ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وينتفع بها أكثر من نصف الطلبة.
كما أشار إلى أن الحكومة التونسية تدرك التحديات المرتبطة بالابتكار حيث تم في برامجها، ضمن مخطط التنمية 2023 - 2025 ورؤية تونس 2035، إيلاء اهتمام خاص بدور المنظومة التونسية للتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي والتجديد كقاطرة لاقتصاد المعرفة في تونس وإسهامها في تحسين مناخ الابتكار بشكل مستدام وتحويل تونس إلى مركز دولي للابتكار.
وبحث الوزير على هامش مشاركته في القمة مع عدد من الوزراء الأفارقة والمسؤولين السامين بمنظمات دولية وإقليمية، مثل البنك الدولي والاتحاد الأفريقي، سبل دعم التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف لتكوين رأس المال البشري.
ويتميز التعاون بين تونس ودول أفريقيا جنوب الصحراء في مجال التعليم العالي والبحث العلمي بوجود إطار قانوني شامل وبرامج تعليم مشتركة ومتعدّدة وعروض دعم مقدّمة من جانب واحد لفائدة هذه الدّول.
وأبرمت تونس مع هذه الدول 37 اتفاقية تعاون في مجال التّعليم العالي والبحث العلمي. ويُبرِز الجيل الجديد من هذه الاتّفاقيات تنوّع الخدمات المقّدمة من قبل تونس في هذا المجال والطلب المتزايد من الشركاء الأفارقة على الوجهة الجامعية التّونسية.
وبلغ عدد الطّلبة الدّوليين بالجامعات التونسية العامة والخاصة، سنة 2021، 9000 طالب معظمهم من البلدان الأفريقية.
وفي وقت سابق كشف محمد دمق، رئيس الجامعة الوطنية للتعليم العالي الخاص، أن معدل الإنفاق السنوي للطالب الأفريقي يقدر بأكثر من 8 آلاف دولار، مؤكدا “غياب أي جهد رسمي من أجل مساعدة الجامعات الخاصة على تعزيز تدفق الطلاب الأفارقة على الجامعات التونسية بينما تبذل دول أخرى جهودا كبيرة من أجل كسب رهان هذه السوق”.
إقرأ أيضا:
وقال دمق في تصريح إعلامي “نحن قلقون من تداعيات تنامي العنصرية على تدفق الطلاب الأفارقة على الجامعات التونسية الخاصة”، مشيرا إلى أن “عددهم تراجع فعلا من 12 ألف طالب سنة 2013 إلى 8 آلاف طالب فقط حاليا”.
وتابع دمق “الجامعات التونسية الخاصة قادرة على استيعاب بين 80 و100 ألف طالب من دول أفريقية، يختارون تونس كوجهة لهم على خلفية توفر وتنوع التخصصات وباعتبار تقديم الجامعات التونسية الخاصة للدروس باللغة الفرنسية والإنجليزية على حد السواء”.
وواجهت السلطات في تونس انتقادات من منظمات حقوقية دولية من بينها “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” بشأن القيود المفروضة على حقوق المهاجرين غير النظاميين.
وتنفي تونس وجود انتهاكات ممنهجة، وتقول الحكومة إنها ترحب بالإقامة القانونية للمهاجرين.
وبخلاف عدد المقاعد المخصصة في الجامعات الحكومية، يجتذب قطاع التعليم الجامعي الخاص في تونس الآلاف من طلبة أفريقيا جنوب الصحراء.
ويشكو ممثلون لهؤلاء الطلبة من البيروقراطية في تسوية الوضعيات المرتبطة بتجديد الإقامة وعقود التدريب في الشركات أو الحق في العمل والاستقرار في تونس.