لودريان في مهمة صعبة لتجاوز الشغور الرئاسي في لبنان

المبعوث الفرنسي لا يملك حلولا ولا يزال يبحث عن نقاط التقاء.
الأربعاء 2023/07/26
ما باليد حيلة

لا يعلق اللبنانيون الكثير من الآمال على الزيارة الجديدة للمبعوث الفرنسي إلى لبنان، إذ يرجح محللون أن تنتهي مثل سابقتها دون تحقيق نتائج تذكر أو التوصل إلى توافقات يمكن البناء عليها.

بيروت - بدأ مبعوث الرئيس الفرنسي إلى لبنان جان – إيف لودريان الثلاثاء مهمة جديدة في بيروت، تتخللها مباحثات يعتزم إجراءها مع قوى سياسية بارزة في إطار مساعي بلاده لكسر الجمود الرئاسي المستمر منذ نحو تسعة أشهر.

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله وخصومه. ولا يحظى أي فريق بأكثرية تمكّنه منفردا من إيصال مرشحه إلى المنصب.

واستهل لودريان زيارته التي تستمر حتى الخميس، بلقاء رئيس البرلمان نبيه بري، على أن يلتقي رئيس حكومة تصريف الأعمال وقادة كتل برلمانية الأربعاء.

وإثر اللقاء، لم يدل لودريان بأي تصريح، بينما قال بري، وفق مكتبه الإعلامي، “يمكننا القول إن كوة في جدار الملف الرئاسي قد فتحت”، من دون أي تفاصيل أخرى.

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي في وقت سابق إن لودريان يزور لبنان “لعرض نتائج اجتماع الدوحة ولقاءاته في المملكة العربية السعودية”.

وإثر لقاء في الدوحة في السابع عشر من يوليو، دعا ممثلون للسعودية ومصر وفرنسا والولايات المتحدة وقطر السياسيين اللبنانيين إلى “اتخاذ خطوات فورية لكسر الجمود”.

وقالوا في بيان مشترك “من الأهمية بمكان أن يلتزم أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤوليتهم الدستورية وأن يشرعوا في انتخاب رئيس للبلاد. لقد ناقشنا خيارات محددة في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال”.

لودريان يأمل في إيجاد حلول جزئية تبدأ من مرشح ثالث يعطي لحزب الله ما يريد، ويقدّم للمعارضين بعض ما يريدونه

وسيحاول لودريان، وفق المصدر الدبلوماسي، “التوفيق بين وجهات النظر وتهيئة الظروف الملائمة للتوصل إلى حل توافقي” ينهي الشغور الرئاسي.

ويقول مراقبون إن أقصى ما يمكن لزيارة لودريان الجديدة أن تسعى له هو أن تبحث عن منتصف الطريق بين أطراف الأزمة، سواء لجهة اسم الرئيس أو لجهة الإصلاحات المطلوب تنفيذها.

وتقول أوساط المعارضة اللبنانية، ومن بينها “قوى الإجماع المسيحي” ضد سليمان فرنجية زعيم تيار المردة ومرشح حزب الله للرئاسة، إن لودريان لا يحمل جديدا.

ومن المتوقع أن يبقى لودريان في بيروت من أجل الإشراف على حوار لا يزال من غير المعروف من سيقبل المشاركة فيه أو ما هو جدول أعماله.

ويتمسك حزب الله بوجوب أن يقتصر الحوار على الملف الرئاسي. وهي إشارة إلى أنه لا يريد أن يخرج من هذا الموضوع إلى الإصلاحات التي يتعين على الرئيس ورئيس الحكومة المقبلين أن ينهضا بها.

وانطلاقا من هذا المعطى سيكون التحاور على “الاسم” وليس على “الموضوع”. وإذا انتهى الأمر بالاسم أن يستقر على مرشح ثالث، فإن الضمانة التي يوفرها “الاسم” هي أنه يجب أن يكون مقبولا من حزب الله ولا يتعدى على امتيازاته ولا على سلاحه، ولا على سلطته في مؤسسات الدولة، ومنها حقه في إبطال أي توجه يضر بمصالحه الخاصة.

وأما التحاور على “الموضوع” فإنه شائك، لأنه يتطلب تحديد مسار واضح للإصلاحات المالية والهيكلية والإدارية. وفي هذا الكثير مما يمكن أن يضر بحزب الله.

من المتوقع أن يبقى لودريان في بيروت للإشراف على حوار لا يزال من غير المعروف من سيقبل المشاركة فيه أو ما هو جدول أعماله

ويقول مراقبون إن لودريان لا يحمل حلولا، لا من ناحية “الاسم” ولا من ناحية “الموضوع”. ولكنه يأمل في أن يؤدي اشتداد الأزمة إلى إقناع مختلف الأطراف بوجوب إيجاد حلول جزئية تبدأ من مرشح ثالث يعطي لحزب الله ما يريد، ويقدّم للمعارضين بعض ما يريدونه من إصلاحات.

ويتهم كل فريق الفريق الآخر بمحاولة فرض مرشحه وبتعطيل انتخاب رئيس، فيما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية.

وتعتبر مصادر سياسية أنه من الممكن الحديث عن أن باريس، بوصفها الأكثر قدرة على التحاور مع مختلف الأفرقاء، نظرا إلى أنها الدولة الغربية الوحيدة التي لديها قنوات اتصال مباشرة مع حزب الله، يمكن لها أن تلعب دور المسهّل، لكن في المقابل نجاحها يتطلب تعاون مختلف الأفرقاء معها، سواء كانوا محليين أو خارجيين، الأمر الذي لا يزال يحتاج إلى المزيد من البحث، طالما لم تظهر أيّ مؤشرات على اقتناعهم بالذهاب إلى تقديم تنازلات نوعية.

ومنذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية فيما يشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي يساعد لبنان على النهوض من مأزقه الاقتصادي المزمن.

وبينما يبدو الملف اللبناني غائبًا عن الاهتمام الدولي وحتى الإقليمي، تقود فرنسا، بلا جدوى، منذ أشهر حراكا لتسريع انتخاب رئيس.

وإثر تعيينه في السابع من يونيو مبعوثا خاصا للبنان، للمساعدة في إيجاد حلّ “توافقي وفعّال” للأزمات اللبنانية المتتالية، زار لودريان لبنان للمرة الأولى خلال الشهر نفسه. وحذر حينها من أنّ “الوقت لا يعمل لصالح لبنان”.

وسبق للمسؤول الفرنسي أن زار لبنان مرارا خلال توليه حقيبة الخارجية، في إطار جهود فرنسية لدعم لبنان على تجاوز أزماته. ولطالما حذر في تصريحاته من “إهمال” القوى السياسية، حتى أنه اتهمها قبل عامين بـ”قيادة البلد إلى الموت”. ووصف لبنان بأنه “سفينة تايتانيك من دون الأوركسترا”.

ويزيد الشغور الرئاسي الحالي في لبنان الوضع الاقتصادي سوءا في بلاد تشهد منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ 1850.

2