اتفاقيات مشاركة العوائد مفتاح نهضة النفط العراقي

الصفقة مع توتال تشكل نموذجا تحتاج بغداد إلى استنساخه مع شركات أخرى لتنشيط القطاع أكثر.
الثلاثاء 2023/07/25
بعد محاولات فاشلة اتضحت الرؤية قليلا!

يكشف قبول السلطات العراقية بتقاسم الإيرادات مع توتال في صفقة ضخمة طال انتظارها أن المسؤولين فهموا أخيرا أن التمسك بالشروط غير المرنة لن يعود بالنفع على صناعة النفط التي تتطلب استثمارات طائلة، في بلد اقتصاده محتاج إلى كل دولار حتى ينهض.

بغداد - يطمح العراق في جذب شركات النفط الأجنبية وخبراتها، ويبدو أنه قد وجد أخيرا طريقة لجعل ممارسة الأعمال التجارية في أراضيه أمرا ترغب المؤسسات به.

ويعتمد اقتصاد العراق على النفط، حيث حددت أحدث تقديرات البنك الدولي أنه يمثل 99 في المئة من صادرات البلاد و42 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وقلل هذا الاعتماد الهائل على العائدات النفطية إلى حد ما من اهتمام القطاع العراقي بكثافة الكربون في عملياته النفطية. لكن شعور شركات النفط الغربية بالضغط البيئي منح القلق المناخي بعض الأهمية، حتى في البلدان الرئيسية المنتجة للنفط مثل العراق.

ومن أهم المشاغل في العراق كونه لا يلتقط سوى حوالي نصف الغاز المصاحب للنفط، مما يعني أنه يشعل كمية كبيرة من هذه المادة التي تؤثر على تماسك الغلاف الجوي.

كما تثير أحكام العقود القلق، حيث اعتبرتها بعض شركات النفط الأجنبية غير مواتية. وتدور الشروط حتى الآن حول سعر ثابت للنفط لكل برميل بعد سداد التكاليف.

الباحثة جوليان جيغر ترى أن موارد العراق تستحق الاستثمار فيها رغم كل الاضطرابات
الباحثة جوليان جيغر ترى أن موارد العراق تستحق الاستثمار فيها رغم كل الاضطرابات

ولا يسمح هذا للشركات النفطية بالاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة، بل وتخسر المزيد إذا ارتفعت التكاليف، كما حدث خلال العامين الماضيين.

وأصبح العراق في أسفل قائمة المشاريع النفطية الجذابة بسبب حروبه وصراعاته الداخلية واضطراباته السياسية والمخاوف بشأن المناخ وشروط العقود غير المواتية.

واشتكت شركات النفط الكبرى من أن شروط عقود خدمات النفط التقليدية في العراق تدفع سعرا ثابتا لكل برميل نفط يتم إنتاجه بعد دفع التكاليف.

وهذا يعني أنها لا تستطيع الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط بينما تتكبد خسائر عند ارتفاع تكاليف الإنتاج، ولذلك تحولت الشركات مثل إكسون موبيل وشل وبي.بي إلى بلدان أخرى بشروط أفضل.

لكن جوليان جيغر الباحثة والكاتبة المخضرمة على منصة “أويل براس” الأميركية لديها اقتناع بأن موارد العراق تستحق الاستثمار فيها رغم كل ذلك.

ويمتلك العراق 145 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة، بما في ذلك عبر الأراضي التي تحكمها حكومة إقليم كردستان. وتشكّل هذه البراميل خامس أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط الخام في العالم.

وكان هذا كافيا لإغراء الشركات الصينية على الأقل، بما في ذلك المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري، التي قبلت الانخراط في قطاع الطاقة في العراق الذي لا يفرض تدقيقا مناخيا كبيرا مثل نظرائه في الغرب.

ونجحت الشركات الصينية وحدها في تأمين 59 في المئة من جميع مشاريع الطاقة خلال الفترة الممتدة من 2018 حتى نهاية 2022. واحتل اليابانيون المرتبة الثانية، حيث لم تنفرهم الشروط التقليدية.

لكن الشركات الأجنبية الأخرى ترددت في محاولة الاستفادة من احتياطيات العراق الوفيرة، مع تراجع الشركات الغربية حتى عن مشاريعها القائمة.

وكانت شركة إكسون موبيل النفطية الأميركية مثالا على ذلك، حيث خفضت عملياتها في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية.

30

في المئة نسبة تقليص العراقيين من حصة بلدهم بينما استحوذت "توتال" على 45 في المئة وشركة قطر للطاقة على حصة 25 في المئة

ورغم الأزمات التي واجهها العراق، والشكوك في تقدم المشاريع، وحتى العمليات كثيفة الكربون التي تشعل نصف الغاز المصاحب، كان تغيير الجانب المالي للمشاريع يفي بالمطلوب.

ووقعت شركة توتال أنيرجيز خلال الشهر الحالي صفقة نفط ضخمة بقيمة 27 مليار دولار مع العراق بعد أن عرضت البلاد شروطا أكثر جاذبية جعلت بقية العوائق تبدو مقبولة. وتشمل الفوائد تقاسم العائدات وضمان التقاط المزيد من الغاز المصاحب.

وظلت الصفقة صعبة بالنسبة إلى توتال، حيث انطلقت مفاوضاتها منذ سنوات دون أن تتكلل بالنجاح. وكان من المقرر توقيع هذا النوع الجديد من الصفقات في الأصل في عام 2021، لكنه واجه تأخيرات بسبب خلافات بين السياسيين العراقيين حول الشروط.

وبسبب الحاجة إلى تطوير مشاريع الطاقة وتحقيق منافع من ورائها كان على العراق في النهاية العودة إلى طاولة المفاوضات عدة مرات لاقتراح شروط أكثر جاذبية.

وعقب ماراثون شاق تم الانتهاء من الصفقة أخيرا في أبريل الماضي عندما وافقت بغداد على الحصول على حصة أصغر من 40 في المئة التي طالب بها في البداية.

وقبل العراقيون في النهاية تقليص حصة بلدهم في المشاريع الأربعة المزمعة إلى 30 في المئة فقط، بينما استحوذت توتال على 45 في المئة وشركة قطر للطاقة على حصة 25 في المئة.

ويشمل العرض بندا لإقامة منشآت تلتقط الغاز المصاحب الذي يتواصل حرقه حاليا في ثلاثة حقول نفطية. وستسمح الصفقة لشركة توتال بالحصول على جزء من عائدات حقل نفط أرطاوي واستخدامها للمساعدة في تمويل ثلاثة مشاريع أخرى.

شروط العقود تدور حتى الآن حول سعر ثابت للنفط لكل برميل بعد سداد التكاليف، ما يجعل الشركات في عزوف

وحدد مخطط تقاسم الإيرادات لتكون 25 في المئة من عائدات كل برميل للعراق، و75 في المئة للشركاء. وشهدت الشروط تحسنا ملحوظا، ويمكن أن تجذب شركات نفط أجنبية أخرى إلى العراق الراغب في توسيع إنتاجه النفطي وإنهاء اعتماده على الغاز الإيراني.

ويقول المسؤولون العراقيون إن الصفقة الجديدة تهدف إلى السماح لشركة توتال بالحصول على جزء من عائدات حقل أرطاوي النفطي في منطقة البصرة الغنية بالنفط واستخدامها لتمويل ثلاثة مشاريع أخرى.

أما الشركة الفرنسية فأكدت أن الصفقة “تختلف عن عقود الخدمات الفنية السابقة من حيث مستوى تقاسم المخاطر والأرباح الناتجة بين الحكومة والمستثمرين”.

بالإضافة إلى زيادة الإنتاج في حقل أرطاوي، تشمل الصفقة محطة طاقة شمسية بقدرة واحد غيغاواط، ومنشأة لمعالجة 600 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا، ومشروع حفر بحري أساسي لدعم إنتاج النفط في جنوب العراق.

وذكرت توتال أنها ستستثمر في جميع المشاريع الأربعة في وقت واحد، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل محطة الطاقة الشمسية بنهاية عام 2025 ويبدأ استخراج الغاز في عام 2027. وأكدت أن عائدات حقل أرطاوي “تسمح لنا بشكل أساسي بتمويل مشاريع أخرى”.

وقال مسؤول نفطي عراقي وشركة توتال لرويترز إن “بناء الصفقة استند إلى محفظة تراخيص النفط والغاز العراقية في 2018 والتي منحت للمرة الأولى المتعاقدين المحتملين حصة من الإيرادات وليس رسومًا ثابتة للبرميل”.

10