ارتفاع فاتورة القمح يقوض جهود مصر لضبط منتجات الغذاء

التوجه المصري يؤكد وجود مشكلات تتعلق بتوفير السيولة الدولارية لاستيراد القمح والبحث عن سبل مختلفة لا تضغط على العملة المحلية.
السبت 2023/07/22
ارتفاع الأسعار يزيد الضغوط على المالية المصرية المتعثرة

القاهرة - تواجه الحكومة المصرية أزمة جديدة بسبب القرار الروسي الأخير بالانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب ضمن مبادرة "البحر الأسود لنقل الحبوب" التي عقدتها مع أوكرانيا، ما يحدث تأثيرا سلبيا على أسعار القمح الذي تعد مصر على رأس الدول المستوردة له في العالم، ويزيد الضغوط على موازنتها الجديدة.

وقال وزير التموين المصري علي المصيلحي، الخميس، إن بلاده تنوي التوقيع على اتفاقية بقرض قيمته 400 مليون دولار على شرائح كل شريحة بقيمة 100 مليون دولار لتمويل مشتريات الحبوب مع صندوق أبوظبي للتنمية.

ويؤكد التوجه المصري على وجود مشكلات تتعلق بتوفير السيولة الدولارية لاستيراد القمح والبحث عن سبل مختلفة لا تضغط على العملة المحلية، في ظل محاولات لضبط قيمتها مقابل الدولار، بما يدعم خطط تأجيل تخفيض قيمة الجنيه مجدداً.

وأخرت الهيئة الحكومية المسؤولة عن شراء الحبوب فتح خطابات اعتماد لسداد واردات قمح بهدف تخفيف الضغوط المالية الناجمة عن نقص العملة الأجنبية. وقد تجد القاهرة نفسها مرغمة على تعديل الخطة بما يضمن توفير احتياطيات من القمح في ظل ارتفاع أسعار الحبوب عقب انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب أخيرا.

نادر نورالدين: فاتورة استيراد القمح ستشهد ارتفاعاً في الأسعار
نادر نورالدين: فاتورة استيراد القمح ستشهد ارتفاعاً في الأسعار

وتعمل الحكومة المصرية على المحافظة على استقرار الأسواق وتخفيف وتيرة الارتفاع المستمر في أسعار سلع أثارت غضبا شعبيا، لكنها دائما تصطدم بمستجدات ومشكلات اقتصادية تجعل السوق مرتبكة بما قاد إلى زيادة التضخم بعد أن سجل المعدل السنوي هذا العام نسبة 35.7 في المئة، وفقًا لتقارير البنك المركزي المصري.

وتحمل الزيادات في أسعار الحبوب بمصر أبعادا سياسية، لأن الحكومة تحاول تهدئة الأجواء الداخلية قبل موعد انتخابات الرئاسة المزمع عقدها مطلع العام المقبل.

وتشكل الزيادات في أسعار السلع الرئيسية، خاصة رغيف الخبز الذي يتأثر بأسعار القمح، أزمة للحكومة لما يترتب على ذلك من نتائج سلبية مع حالة فقدان الثقة بينها وبين المواطنين الذين يرونها مسؤولة بشكل كامل عما آلت إليه أوضاعهم المعيشية.

وحاول وزير التموين علي المصيلحي التخفيف من تبعات الانسحاب الروسي من اتفاق القمح، بإشارته إلى ضعف تأثيره على السوق المصرية، بنسبة تتراوح بين 5 و8 في المئة، لأن القاهرة قامت بتنويع الدول التي تستورد منها مؤخرا، وأبرزها فرنسا وألمانيا ورومانيا وروسيا وأوكرانيا والهند وبلغاريا والولايات المتحدة.

وانسحبت موسكو من “مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب” التي عقدتها مع كييف بوساطة الأمم المتحدة في يوليو 2022 للسماح بتأمين تصدير الحبوب وسط الحرب، وتم تجديد الاتفاق سابقا قبل أن تعلن روسيا عن تعليقه في السابع عشر من يوليو الجاري.

وقال مستشار وزير التموين المصري سابقا نادر نورالدين إن فاتورة استيراد القمح ستشهد ارتفاعاً مع الزيادات المستمرة في أسعاره، وإن هيمنة روسيا وأوكرانيا على ما يقارب  35 في المئة من سوق الحبوب في العالم تجعل التأثير حتميًا على الدول كثيفة الاستهلاك للقمح والحبوب وفي مقدمتها مصر.

وأوضح في تصريح لـ"العرب" أن "تنويع مصادر استيراد القمح يضاعف فاتورة الاستيراد لانخفاض أسعاره في روسيا وأوكرانيا، وأن انسحاب موسكو يضاعف الضغط على دول لديها فائض في إنتاج القمح، أبرزها فرنسا والولايات المتحدة، ويؤدي ذلك إلى زيادة أسعار الغذاء، لأن العالم لا يواجه أزمة شح في القمح أو الحبوب، لكن الأزمة تتمثل في ارتفاع الأسعار عندما تنشب مشكلات تحمل أبعادا سياسية".

وتوقع نورالدين ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والفول والعدس وغيرها من الأغذية ذات الارتباط المباشر بالحبوب دون أن تكون لدى مصر أزمة في توفير هذه السلع مع وجود احتياطي من الحبوب تكفي ستة أشهر، مقللاً من إمكانية الاستيراد بالعملات المحلية كما كانت تعول الحكومة عقب إعلان الهند عدم وجود فائض تصديري لديها هذا العام نتيجة أزمة الغذاء العالمية واستمرار الحرب الروسية – الأوكرانية.

وتعتمد الكثير من الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على حبوب دول البحر الأسود، ما يجعل إمداداتها الغذائية عرضة للمخاطر الناجمة عن الحرب الروسية – الأوكرانية، وأدى ارتفاع تكاليف الغذاء إلى عدم قدرة الناس على التحمّل ووصولهم إلى حافة الانهيار المادي، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

حسين أبوصدام: اتخاذ الحكومة خطوات استباقية يخفف من حدة الأزمة
حسين أبوصدام: اتخاذ الحكومة خطوات استباقية يخفف من حدة الأزمة

واستوردت مصر خلال الفترة بين يناير ونوفمبر 2022 قمحاً بـ3.9 مليار دولار، مقابل 3.18 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2021 بارتفاع قدره 724 مليوناً و417 ألف دولار، من إجمالي فاتورة واردات البلاد البالغة 88 مليار دولار أميركي، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وهذا الرقم مرشح للزيادة قريبا بعد أن أظهرت تقديرات وزارة الزراعة الأميركية أن مصر ستشهد ارتفاعاً في واردات القمح وتنامياً في الاستهلاك في العام المالي 2023 – 2024، مع استمرار توافد اللاجئين إليها من دول مختلفة، خاصة مع استمرار الحرب في السودان وارتفاع أسعار الحبوب عالميا.

وأكد نقيب المزارعين المصريين حسين أبوصدام أن اتخاذ الحكومة المصرية خطوات استباقية بشأن تنويع مصادر استيراد القمح يخفف من حدة الأزمة الراهنة. كما أن وجود ما يقرب من 56 في المئة من كمية القمح المستهلكة سنويًا بالداخل، مع توريد القمح المحلي إلى الحكومة والتجار، يسهم في تأجيل الضغط على الموازنة العامة لأن الأزمة الراهنة تأتي في موسم توريد القمح وبعد أن تسلمت الحكومة نحو 90 في المئة تقريبًا من حصتها، والأمر ذاته بالنسبة إلى التجار، ما يجعل احتياطي القمح مطمئنا.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة ارتاحت أولاً بشأن توفير القمح الذي تحتاجه لتوفير الخبز المدعم، لكن التأثير السلبي ينصب على أسعار غالبية المواد الغذائية التي تعتمد على القمح والزيوت، وعلى الحكومة زيادة فاتورة الاستيراد لضمان توافرهما، وأن توالي ارتفاعات الأسعار جعل المواطنين يتقبلون التقلب المستمر.

وتنتج مصر سنوياً 100 مليار رغيف خبز، بمعدل 275 مليون رغيف يومياً بسعر مدعم، ورفعت الدولة مخصصات دعم السلع التموينية لتصل إلى 90 مليار جنيه (نحو 3 مليارات دولار) في الموازنة الحالية، بغية توفير رغيف الخبز والسلع الأساسية.

وتوقع تقرير لوزارة الزراعة الأميركية مواجهة مصر تحديات على مستوى إنتاج واستهلاك القمح، وبقاءها أكبر مستورد عالمي للقمح في الموسم المقبل، بإجمالي واردات يسجل 12 مليون طن بدلاً من 11 مليوناً.

2