موديز تمنح إيقاع التنمية في العراق تقييما سلبيا

بطء تنفيذ الإصلاحات والتدابير غير الواقعية يعيقان طموحات تسريع وتيرة تنويع الاقتصاد.
الجمعة 2023/07/21
تعبيد طريق تنويع الدخل ليس سهلا كما تتصور!

غلبت التقديرات السلبية على أحدث تقييم لوكالة موديز للتصنيف الائتماني بشأن إدارة العراق لملف التنمية، رغم أن البلد الذي يعتمد بشكل مفرط على عوائد النفط يحاول تثبيت أسس تنمية مستدامة تقطع مع سياسات استمرت لعقدين دون تحقيق تقدم ملموس.

بغداد - غيرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية للعراق استنادا إلى الالتزامات المشكوك في نوعيتها من قبل الحكومة، وهو ما يمكن أن يقوض الثقة في اقتصاد البلد النفطي ويفاقم متاعبه المالية.

وخفضت الوكالة في ورقة بحثية تقدم تحليلا سنويا للجدارة الائتمانية للعراق نشرتها على منصتها الإلكترونية الأربعاء الماضي القوة الاقتصادية للبلاد بمقدار نقطتين إلى درجة بي.أي 2 من مستوى بي.أي.أي 3.

وتعتبر الالتزامات في التصنيف بي.أي.أي بدرجاته الثلاث ذات نوعية ائتمانية متوسطة وتحمل مستوى متوسطا من المخاطر ولا يعتمد عليها.

وقال معدو التحليل إن “هذا التقييم يوازن حجم الاقتصاد ووفرة الموارد الطبيعية مع عدم استقرار واضطراب النمو الاقتصادي، وضعف البنية الأساسية وافتقاد الاقتصاد إلى التنوع”.

وأكدوا أن خفض التصنيف يعكس الأضرار التي لحقت بقدرة البلاد الإنتاجية وبنيتها الأساسية عبر سنوات من الصراعات المسلحة، التي أضعفت القدرة التنافسية ومرونة الاقتصاد، وأعاقت قدرته على النمو بوتيرة أسرع، وعرقلت التنويع خارج قطاع النفط والغاز.

ومع أن عوائد النفط توفر حاليا فرصة لكي تنفذ الحكومة أجندتها الإصلاحية بالنظر إلى سياسة تحالف أوبك+ لإبقاء الأسعار مرتفعة، لكن بغداد قد تجد نفسها في وضع صعب إذا قلّت الإيرادات، ما يتطلب وضع خطط استباقية واضحة المعالم لتفادي المشاكل.

وكالة موديز: خفض التصنيف إلى بي.أي 2 يعكس ضعف تنافسية العراق
وكالة موديز: خفض التصنيف إلى بي.أي 2 يعكس ضعف تنافسية العراق

ويعاني العراق من استشراء الفساد الذي أدى إلى سرقة أموال ضخمة من البلاد كان من المفترض أن تنفق على تطوير البنى التحتية والخدمات. وقد تبوّأ صدارة الدول الأكثر فسادا في العالم في كثير من المرات منذ الغزو الأميركي في عام 2003.

ويعتمد البلد كثيرا على صادراته النفطية ويحاول استغلال ثروات الغاز أيضا مع تواصل التحديات الاقتصادية والصراعات السياسية، مما أوجد حاجة ماسّة إلى ضخّ استثمارات كبيرة في بنية البلاد التحتية.

ويبقى العراق ثاني أكبر منتج للنفط في دول أوبك، ويوفر إنتاجه نحو 90 في المئة من دخل البلاد. وقد صدّر العام الماضي أكثر من 1.2 مليار برميل، أي بمتوسط يقدّر بحوالي 3.3 مليون برميل يوميا.

وتجاوزت عائدات البلاد من النفط 115 مليار دولار سنة 2022 مع ارتفاع أسعار النفط والطلب العالمي. وكان هذا المستوى الأعلى خلال أربع سنوات إثر انخفاض الطلب أثناء أزمة الجائحة حين لم تتجاوز العائدات النفطية العراقية 42 مليار دولار.

وأحد أسباب تقييم موديز السلبي هو اعتماد الاقتصاد العراقي بشكل كثيف على القطاع النفطي، الذي شكّل 45 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الاسمي في عام 2021.

ويتوقع خبراء الوكالة ألا تتمكن البلاد من العودة إلى مستويات الناتج الاقتصادي التي كانت سائدة قبل الجائحة قبل عام 2024، وذلك رغم تعافي الاقتصاد حاليا.

ويمتلك العراق واحدا من أكبر الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإجمالي ناتج محلي اسمي بلغ 264 مليار دولار في عام 2022.

وقالت موديز إنَّ نمو الاقتصاد العراقي شديد الحساسية لإنتاج وأسعار النفط، متوقِّعة أن يتراجع تراجعاً حادا في 2023.

وبينما تقدّر الوكالة نمو الاقتصاد العراقي في العام الماضي بنسبة 8.1 في المئة، مدعوما بزيادة إنتاج النفط الخام بنسبة 12.7 في المئة إلى نحو 4.5 مليون برميل يومياً؛ فإنَّها تتوقع أن ينمو الاقتصاد بوتيرة أبطأ في العامين الحالي والمقبل.

وتستند الوكالة في تقييمها على تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بالعراق إلى أقل من اثنين في المئة هذا العام رغم إمكانية انتعاش القطاع غير النفطي مدعوما بالإنفاق العام حتى عام 2024.

وبدأ البلد بتخفيض طوعي لإنتاجه من النفط بواقع 211 ألف برميل يوميا اعتبارا من مايو الماضي حتى نهاية عام 2024، وفقاً لاتفاقات منظمة أوبك في أبريل ومايو الماضيين.

وكذلك تعطلت صادرات البلاد من النفط في الربع الثاني من العام الجاري بسبب تعطل خط أنابيب بين كركوك وميناء جيهان الذي كان ينقل صادرات حقول النفط من شمال العراق إلى تركيا.

ومنذ فترة يتعرض العراق لضغوط متزايدة من المؤسسات المالية الدولية المانحة لتنويع اقتصاده بعيدا عن النفط والاستعداد بشكل أكبر للتحول الأخضر العالمي.

وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر المسؤولين العراقيين في مايو الماضي من “الاعتماد على الإيرادات النفطية”، داعيا بغداد إلى “وضع سياسة للمالية العامة أكثر تشديدًا”.

وقال الصندوق في مذكرة إن “زيادة فاتورة رواتب القطاع العام ستسهم في تصاعد العجز والضغط المالي ما لم تحدث زيادة كبيرة في أسعار النفط”.

◙ 2 في المئة معدل نمو الاقتصاد العراقي هذا العام قياسا بنحو 8.1 في المئة خلال العام الماضي

ومع ذلك فاجأ العراق المتابعين باعتماد موازنة أهداف لثلاثة أعوام لأول مرة في تاريخه بدعم من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، رغم أن هذه الخطوة تنطوي على سلاح ذي حدين قد يأتي بنتائج عكسية بالنظر إلى الاعتماد الشديد على إيرادات النفط.

وأقر البرلمان في يونيو الماضي بعد مداولات طويلة مع الحكومة امتدت لأشهر ميزانية تتضمن مزيدا من النفقات والاستثمارات كنتيجة مباشرة للزيادة في عائدات النفط التي تشكل 90 في المئة من إيرادات البلاد.

ويرى الخبراء أن الميزانيات متعددة السنوات يمكن أن تضمن التمويل الكافي للمشاريع والبرامج طويلة الأجل مع تجنب الاضطرابات بسبب دورات الميزانية السنوية، وفي الوقت ذاته تكون الميزانية مرنة أمام أي طارئ إذ يمكن تعديلها.

ويبلغ حجم الميزانية السنوية 198.9 تريليون دينار (153 مليار دولار) لكل عام تشمل إنفاقا قياسيا على فاتورة أجور حكومية متزايدة ومشاريع تنمية تهدف إلى تحسين الخدمات وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرها الإهمال والحرب.

ووفقا لمشرعين ووثيقة الميزانية، يقدر العجز السنوي المتوقع بنحو 49 مليار دولار، وهو مستوى مرتفع على نحو قياسي، ويبلغ أكثر من مثلي آخر عجز موازنة مسجل في 2021.

وتقول الحكومة إن الميزانية تستند إلى سعر نفط 70 دولارا للبرميل لتحقيق عوائد بقيمة 103.4 مليار دولار، وتوقعات بتصدير 3.5 مليون برميل نفط يوميا، منها 400 ألف برميل يوميا من إقليم كردستان.

10