السوداني يوجه بإعادة مسودة جديدة لمشروع قانون العفو العام

بغداد - قرّرت الحكومة العراقية مساء الثلاثاء إعداد مسودة جديدة لمشروع قانون العفو العام الذي يمثل أحد أبرز مطالب القوى السياسية السنّية، وفقا للاتفاق السياسي الذي شُكّلت على أساسه حكومة محمد شياع السوداني، قبل إحالتها إلى البرلمان وعرضه على التصويت، في خطوة تعيد القانون إلى الواجهة مجددا.
واتخذت الحكومة خلال جلسة برئاسة السوداني، ليل الثلاثاء، قرارا بتكليف "الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإعداد مسودة مشروع تعديل قانون العفو العام، باعتماد النص الذي صوت عليه مجلس النواب في 27 أكتوبر الماضي (خلال التصويت على البرنامج الحكومي) الذي ورد في المنهاج المذكور آنفاً، ضمن المحور التشريعي".
وبحسب البيان فإن النص أكد على "إجراء مراجعة قانونية لقانون العفو العام، بهدف تعريف جريمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية، لتشمل كل من ثبت بأنه (عمل في التنظيمات الإرهابية أو قام بتجنيد العناصر لها أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي أو وُجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية)".
على الرغم من أن هذا القانون سبق وأن تمت الإشارة إليه في الاتفاق السياسي الذي جرى التوصل إليه في الخريف الماضي، إلا أنه يلقى معارضة شديدة لإقراره من القوى الشيعية الموالية لإيران.
وكان السوداني قد أجل في نهاية الشهر الماضي النظر في مشروع القانون، في خطوة عدها مراقبون أنها جاءت استجابة لضغوط من قوى في الإطار وفصائل مسلحة تدفع باتجاه تعطيل تمريره.
ولطالما رفضت القوى الشيعية الموالية لإيران والمتحكمة في المشهد السياسي العراقي على مدى سنوات تمرير قانون العفو بذريعة أن من بين المستفيدين منه عناصر إرهابية رغم أن القوى السنية أبدت مرونة كبيرة في التعاطي مع من سيشملهم القانون.
وقد تراجعت القوى الولائية عن موقفها العام الماضي تحت ضغط الحاجة إلى التوصل إلى اتفاق مع تحالف السيادة، الممثل السياسي للسنة في العراق، ووافقت تلك القوى على التعهد بتمرير القانون في الاتفاق السياسي الذي تم إبرامه في الخريف الماضي والذي تم بموجبه إنهاء أزمة سياسية استمرت لعام في العراق.
وبمجرد تشكيل حكومة السوداني وتحقيق قدر من الاستقرار السياسي، أظهرت القوى الولائية مؤشرات عن رغبتها في التنصل من الاتفاق المبرم مع المكون السني الذي يجد نفسه اليوم في موقف ضعف حيث أنه لا يملك أيا من أوراق الضغط التي تجبر الطرف المقابل على الخضوع.
وتشكل مسألة العفو العام عقدة بالنسبة إلى الأحزاب السنية التي وعدت ناخبيها بإطلاق سراح عشرات الآلاف ممن اعتقلوا وحوكموا خلال الحرب الطائفية التي شنتها الجماعات الشيعية المسلحة في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين.
وخلال السنوات الماضية، زُجّ بالآلاف من العراقيين داخل السجون، بناء على اعترافات انتُزعت منهم تحت التعذيب ومحاكمات غير أصولية، أو بسبب "التهم الكيدية" من قبل من يعملون "مخبرين سريين"، إذ اندرجت أغلب تلك القضايا التي أثيرت ضدهم تحت سقف العداوات الشخصية والتصفيات السياسية.
وأكد تحالف "العزم" بزعامة السياسي العراقي خميس الخنجر الثلاثاء، أن شعاره هو إقرار العفو العام وانصاف المظلوم وعدم التسامح مع الإرهاب.
وذكر التحالف في بيان أن حرصه على إقرار قانون العفو العام، وعلى "العمل بجدية ومتابعة مستمرة وحثيثة لكل ما من شأنه تحقيق مصلحة الوطن والمواطن".
وأضاف "حرصنا على إنصاف الأبرياء وعملنا على إخراجهم من السجون بقدر حرصنا على القصاص من الإرهابيين والمجرمين الذين عاثوا في الأرض فسادا وإفسادا".
وعقد تحالف "إدارة الدولة" الذي يضم تحالف "الإطار التنسيقي"، والكرد وتحالف "السيادة"، خلال الأيام الأخيرة اجتماعا ناقش فيه القانون، وإمكانية إقراراه خلال الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات المحلية المقررة في نهاية العام الجاري.
وقال النائب أحمد الموسوي عن تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، الأربعاء الماضي إن "أي اتفاق حدث في ائتلاف إدارة الدولة قبل تشكيل الحكومة كان نهاية لأي فقرة يكون تطبيقها على حساب الدستور والقانون العراقي".
وأضاف في تصريح لوكالة شفق نيوز" الكردية العراقية "اذا كانت مواد وفقرات قانون العفو العام وفق الدستور لا إشكال بإقراره، إلا أن الخوف من إقرار قانون يقضي بخروج الإرهابيين ومن تلطخت أيديهم بدماء الشعب العراقي وتسبب في سقوط المدن بيد التنظيمات الإرهابية".
وتابع أن "مجلس النواب لا يسمح بإقرار قانون العفو العام وفق الصيغة السياسية من أجل إرضاء كتلة أو شخصية سياسية وإخراج الإرهابيين من السجون"، لافتاً إلى أن "العفو العام يمكن النظر إليه إن تضمن فقط إخراج الأبرياء من السجون وخصوصاً أن هناك بعض السجناء من الشباب اعتقلوا بسبب المخبر السري والعداوة الشخصية".
ويعود الجدل بشأن قانون العفو العام إلى سنة 2016، حيث صادق البرلمان العراقي بنهاية أغسطس من ذلك العام على القانون بعد خلافات سياسية انتهت بحذف عدد من بنود القانون والفقرات المتعلقة بمراجعة ملف المحكومين وظروف محاكمتهم.
وتم إدخال تعديلات على قانون العفو في نوفمبر 2017، بعد طلب تقدمت به قوى تنضوي حاليا ضمن الإطار التنسيقي. وتضمنت أبرز التعديلات شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي بالعفو، بالإضافة إلى شموله مَن يتم تسديد ما بذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.
وجرى حينها التنصيص على فقرة تمنع العفو عن جميع من أدينوا وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد بعد العاشر من يونيو 2014، وهو تاريخ سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل شمالي البلاد. كما عُدِّلَت الفقرة الخامسة في المادة الثالثة من القانون، والخاصة باستثناء جرائم الخطف والاغتصاب من إجراءات العفو.
ومُنح من أمضى ثلث مدة محكوميته بجرائم التزوير إمكانية العفو، مع استبدال ما بقي من فترة سجنه بواقع 50 ألف دينار (نحو 33 دولاراً) عن اليوم الواحد.
ورغم التعديلات التي مرت على القانون إلا أن القوى الموالية لإيران لا تزال تتحفظ عليه، في موقف لا يخلو من حسابات سياسية في علاقة بلعبة المساومات بينها والقوى السياسية السنية.