النحالون في العراق يقاومون الجفاف للحفاظ على صناعة العسل

انحسار مياه نهري دجلة والفرات دفع المربّين إلى نقل مناحلهم إلى أماكن أقرب إلى مصادر المياه.
الاثنين 2023/07/17
إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان!

يكافح العسل العراقي للحفاظ على مكانته رغم المطبات الكثيرة التي تواجه معظم النحالين، ليس بسبب التكاليف أو زيادة أسعار البيع في الأسواق، ولكن جراء قسوة الجفاف الذي يهدد استدامة خلايا النحل، وبالتالي تقلص مستويات الإنتاج المعتادة.

الرغيلة (العراق) - تتعالى استغاثات مربّي النحل في العراق محذرة من الصعوبات التي تعترض نشاط إنتاج العسل، وهم يطالبون في كل مرة تشتد فيها التحديات بتفكيك العقبات أمامه باعتبار أنه يشكل المصدر الوحيد للدخل للكثير من الأسر في الأرياف.

ودفع انحسار مياه نهري دجلة والفرات المربّين إلى نقل مناحلهم إلى أماكن أقرب إلى مصادر المياه، وفي غضون ذلك أدت قلة الأزهار بسبب الجفاف إلى تناقص أعداد النحل المنتج للعسل حتى بات المستورد يهيمن على الأسواق المحلية.

ويبدو محمد العلياوي واحدا من النحالين المنتشرين في مختلف مناطق البلاد الذين وجدوا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه بسبب تغير المناخ وتأثيراته على هذا القطاع المهم للكثيرين.

محمد العلياوي: ما لم ننقل النحل حيث درجة حرارة معقولة فسوف يُنهك
محمد العلياوي: إذا لم ننقل النحل إلى درجة حرارة معقولة فسوف يُنهك

وفي صبيحة أحد أيام يوليو الجاري، تفقد العلياوي مع أعضاء من فريقه، مرتدين عدّة للحماية ومغطّين وجوههم، خلايا النحل في الرغيلة التابعة لمحافظة بابل جنوب البلاد.

وعند أقدام أشجار النخيل الفارهة، يرفع العلياوي الغطاء عن إحدى خلايا النحل المزدحمة التي يهتمّ بها في منطقة ريفية في وسط العراق، حيث أثّر الجفاف وارتفاع درجات الحرارة على إنتاج العسل.

ووزّعت الشركة التي يعمل بها العلياوي في محافظة بابل العشرات من خلايا النحل على موقعين. ووسط البساتين العطشى في قرية الرغيلة، صفّ نحو 40 صندوقا خشبياً قرب حقول الشمام والبطيخ التي تنازع تحت شمس حارقة وفي أرض متشققة.

وللإفلات من درجات الحرارة الصيفية التي تناهز الخمسين مئوية، غيّر العلياوي موقع أغلب خلاياه لإنتاج العسل خلال الصيف.

وقام بنقل سبعة مواقع إلى جبال كردستان العراق في الشمال، حيث ينعم النحل بطقس لطيف وخضرة وفيرة، تُعدّ مصدرا هاما للرحيق وحبوب اللقاح.

ويشرح العلياوي وهو نائب رئيس جمعية النحالين بالنجف لوكالة فرانس برس ذلك، قائلا إنه “ما لم ننقل النحل فسوف يُنهك”، مشيراً إلى أن الحرارة المثالية للنحلة تتراوح بين 30 و35 درجة مئوية.

ويضيف مربّي النحل البالغ 43 عاما والذي يعمل في هذا القطاع منذ العام 1995، أن “الجفاف” كان له وقع مباشر على النحل الذي يتأثر بالغطاء النباتي “فإذا توفرت المياه سوف تكون هناك زراعة وغطاء نباتي”.

هاشم الزهيري: عاما بعد عام نشهد فرقا نحو الأفضل في الإنتاج والعمل مستمر
هاشم الزهيري: عاما بعد عام نشهد فرقا نحو الأفضل في الإنتاج والعمل مستمر

وليجد النحل حاليا النبات للتلقيح عليه قطع مسافات أطول من المعتاد “أربعة أو خمسة كيلومترات”، وفق العلياوي، فيما كان عليه في السابق اجتياز مئات الأمتار فقط.

ويضيف العلياوي وهو مدير مناحل لدى شركة خاصة أنّ ذلك يؤثر على عمر النحلة المتوقع، فـ”النحلة الشغالة بالظروف الجيدة تعيش ستين يوما، لكن في هذه الظروف تعيش عشرين يوما”.

ونتيجة لذلك، وفي حين كانت خلية النحل الواحدة تنتج قبل أكثر من عقدين من الزمن بين 20 و25 كيلوغراماً من العسل، لا يتخطى إنتاجها اليوم الخمسة كيلوغرامات.

ويستخدم النحالون مدخنة لتهدئة النحل، ثم يرفعون الأغطية ويُخرجون إطارات. وعلى الخلايا الشمعية، تجمّعت “النحلات العاملة” حول الملكة الأكبر حجماً بشكل ملحوظ.

ويُعتبر العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً ببعض آثار التغير المناخي وفق الأمم المتحدة، وهو يشهد للعام الرابع على التوالي موجة جفاف قاسية وفق السلطات.

ويعود ذلك إلى تراجع الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والتصحر، لكنّ السلطات تعزو الوضع خصوصا إلى بناء تركيا وإيران المجاورتين سدوداً على نهري دجلة والفرات، ما أدّى إلى تراجع حادّ بمنسوب المياه في الأنهار على الأراضي العراقية.

وعلى الرغم من ذلك، يبدي هاشم الزهيري مدير قسم النحل في دائرة وقاية المزروعات بوزارة الزراعة تفاؤلا بوضع إنتاج العسل في البلاد.

ويقول لفرانس برس إنه في العام 2022 بلغت كمية إنتاج العسل في العراق باستثناء إقليم كردستان 870 طنا، مقابل 700 طن في العام 2021. ويضيف “عاما بعد عام نشهد فرقاً نحو الأفضل، والعمل مستمر”.

وفي العام نفسه بلغ إنتاج العسل في إقليم كردستان 850 طنا. وأعدّ الزهيري دراسة بشأن إيجابيات نقل بعض الخلايا من وسط العراق وجنوبه نحو كردستان، وكذلك نقل خلايا من الشمال إلى الوسط والجنوب “بحسب الحاجة”.

Thumbnail

ويدعو الزهيري كذلك مربّي النحل إلى اتخاذ التدابير الوقائية الضرورية مثل وضع “غطاء من قصب” على خلايا النحل، ووضعها في ظلّ الأشجار وقرب مصدر للمياه.

وبدأت زينب المعموري بتربية النحل قبل ثلاثين عاما، حين كان زوجها يمارس ذلك كهواية. لكنها باتت اليوم تملك 250 خلية.

وتشرح المرأة الخمسينية لفرانس برس أن “النحل يتأثر بارتفاع درجات الحرارة، إذ تتوقف الملكة عن وضع البيض”.

وفي بلد يشهد عواصف ترابية باستمرار، تؤكد المعموري أنه حين “تأتي عاصفة ترابية ويكون النحل في الخارج، فإن نصف النحلات لا تعود”.

وعلى الرغم من أن مربية النحل تمارس مهنة لا يزال يهيمن عليها الرجال، لكنها تبقي شعفها حيا. وقد أدارت سابقاً لجنة المرأة في اتحاد النحالين العرب.

وتحت مظلة في فناء منزلها في بابل، تحتفظ المعموري بنحو أربعين خلية نحل. وفيما حمت نفسها من النحل الذي يحوم حولها، وبواسطة سكين المطبخ تقطع قطعة كبيرة من الشمع المشبع بالعسل الحلو لتتذوق طعمه اللذيذ.

11