عندما يغني الجمهور

الغناء المنفرد قد يظهر منه بعض النشاز خصوصا إذا كان صاحبه غير متمكن من تقنيات الأداء، أما الغناء الجماعي فسيبدو سليما بحيث يتجاوز وبصورة تلقائية نشاز الأقلية بصحة أداء الأغلبية.
الأحد 2023/07/16
بودشار يرفع شعار "الكورال هو أنتم"

يقبل الآلاف من عشاق الفن والباحثين عن مساحة للبهجة والمرح والانطلاق على اقتطاع تذاكر تتيح لهم فرصة المشاركة بالغناء الجماعي أمام فرقة موسيقية يقودها مايسترو عاشق وبجنون للموسيقى وللتراث المغربي والعربي، هو أمين بودشار ابن المحمدية الذي درس الرياضيات بالتوازي مع الموسيقى، وفي العام 2014 تخرج من باريس بشهادة في هندسة الإحصاء، لكن ولعه بالفن جعله يبحث عن مسار مختلف، وبروح تأسيسية لظاهرة غير مسبوقة في عالم الحفلات والمهرجانات والتظاهرات الجماهيرية الواسعة.

في العام 2018 أنشأ بودشار فرقة “ميزان” وجمع فيها عددا من الموسيقيين الهواة، وأغلبهم من الكفاءات العلمية والوظيفية ومن الباحثين عن متعة العزف على إيقاع الحياة بكثير من الحب، وقد حقق نجاحا مهما جعل اسمه يطفو فوق السطح، لكن ظروف الحجز الصحي بسبب انتشار فايروس كورونا لمدة عامين تقريبا أدت إلى تراجع المشروع.

في العام 2022 عاد بودشار من خلال فرقته الجديدة التي انتدب فيها موسيقيين من المحترفين ممن يقول إنهم يعرفون آلاتهم كما يعرفون أبناءهم، ويبلغ عددهم حوالي 50 عازفا موزعين بين المغرب وفرنسا لتأمين العروض على الضفتين.

قبل حوالي عام، كانت فاتحة تجربة بودشار المثيرة للجدل من باريس، عندما قاد الفرقة على الركح وترك للجمهور مهمة الغناء. تولى الجمهور مهمة الأداء، ومنح لنفسه النجومية التي يستحقها والتي كان يضفيها على غيره. نجحت الفكرة ووجدت صدى واسعا في المغرب وفرنسا وخاصة لدى المغاربة الذين تعزف لهم الفرقة كلاسيكيات الغناء المغربي والعربي مثل “سولت عليك العود والناي” و”العيون عينية”، و”نداء الحسن”، و”خليلي”، و”داك الغافل”، و”بنت بلادي”، و”زيديني عشقا”، و”بتونس بيك”، و”غني لي شوي”، و”جانا الهوى”.

يرفع بودشار شعار “الكورال هو أنتم” في إشارة إلى الجمهور الواسع الذي التقى به في يونيو الماضي في حفلات الرباط وفاس ووجدة ويستعد لملاقاته في مدن أخرى، ويعتبر أن تجربته الخاصة تنفرد بتمكينها الجمهور الواسع من التعبير عن نفسه بصوت عال لا حدود له، وهو ما حصل فعلا، ليتفاجأ الملاحظون بأن تلقائية الأداء لدى الجمهور تحولت إلى لوحة جمالية راقية ومتناسقة وخالية من النشاز الذي قد نجده لدى النجوم المعتمدين من مؤسسات الإنتاج ووسائل الإعلام.

الغناء المنفرد قد يظهر منه بعض النشاز خصوصا إذا كان صاحبه غير متمكن من تقنيات الأداء، أما الغناء الجماعي فسيبدو سليما بحيث يتجاوز وبصورة تلقائية نشاز الأقلية بصحة أداء الأغلبية، وهذا ما أثبتته تجربة بودشار التي أرجح أن تنتشر على نطاق واسع وأن يتأثر بها الكثير من الموسيقيين في منطقتنا العربية في تأسيس فرق تعزف لتترك للجمهور مهمة الغناء.

18