عدم اليقين يلف اتفاق توريد الحبوب من البحر الأسود

تراقب الأسواق العالمية محاولات الوساطة الدولية تمديد مبادرة تصدير محصول الحبوب من أوكرانيا، والذي يكتنفها الغموض لعدم إصدار روسيا أيّ إشارات ملموسة بشأن إمكانية مواصلة عمليات الشحن من البحر الأسود بعد انتهاء سريان الاتفاق بعد أيام.
لندن- يحبس المحللون والتجار الأنفاس في ظل الضبابية التي تسود أسواق الحبوب وسط مساع مضنية لإنقاذ اتفاقية البحر الأسود والتي يحمل توقفها في طياته تشاؤما بالنظر إلى التركة الثقيلة، التي لا تزال تخلفها تداعيات الحرب.
وتنتهي مدة اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية منتصف ليل الاثنين/الثلاثاء المقبلين، ويعتبر تمديدها ليس فقط لشهرين أو ثلاثة أشهر، وإنما لفترة أطول، أمرا ضروريا للأمن الغذائي العالمي، وجرت مفاوضات متوترة لإقناع روسيا بذلك.
وتهدف مبادرة حبوب البحر الأسود، التي وقّعتها روسيا وأوكرانيا في يوليو العام الماضي برعاية تركيا والأمم المتحدة، إلى التخفيف من خطر المجاعة في العالم من خلال ضمان تسويق المنتجات الزراعية الأوكرانية رغم الحرب.
ويأتي كل ذلك وسط تنامي التحذيرات إن لم تتدارك الحكومات سريعا الخطر الذي قد يبقى قائما حتى مع إضافة مساحات زراعية.
وأعادت الحرب في أوكرانيا وهي من بين أكبر مصدري الحبوب في العالم، خلط الأوراق، فقد خسرت البلاد ربع أراضيها الزراعية، مع تراجع الإنتاج بنسبة 40 في المئة خلال العام الماضي.
ويفاقم استمرار توتر الأوضاع بين أكبر مورّدين للحبوب في العالم من حالة عدم اليقين في الأسواق خلال ما تبقى من 2023 في ظل احتمال عودة الأسعار إلى الارتفاع مجددا وعدم مجازفة المشترين لزيادة الشحنات.
وبعدما أدت تقلبات الإمداد إلى توسيع مكاسب تجارة الحبوب على مدى أشهر، تراجعت الأسعار العالمية إلى مستواها ما قبل النزاع عقب عام من اندلاع الحرب في شرق أوروبا، ما يشكل نقطة توازن هشة في “أجواء حرب باردة”.
ولكن مع ارتفاع الأسعار وتقلبها، خفض مشترو القمح مشترياتهم من الإمدادات المستقبلية، لكن هذا يزيد من تعرضهم لارتفاع الأسعار المحتمل الذي سينتهي به الأمر إلى إثقال كاهل المستهلكين الذين يعانون بالفعل من تضخم أسعار الغذاء.
وكان تجار قد أكدوا قبل فترة أن المشترين بالبلدان المستوردة الرئيسية في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا يجرون عمليات شراء آجلة للإمدادات لتغطية الاحتياجات من شهرين إلى ثلاثة أشهر فقط مقابل عمليات الشراء المعتادة لتغطية فترة تصل إلى ستة أشهر.
وعادة ما يستغرق ارتفاع أسعار الحبوب شهورا حتى يشعر به المستهلكون لأن المطاحن تمتلك المزيد من الإمدادات ويمكنها تحمل التقلبات.
لكن مع انخفاض المخزونات وتراجع عمليات التسليم الآجلة، سيشعر المستهلكون، خاصة في البلدان الفقيرة، بتأثير ارتفاع الأسعار بسرعة أكبر.
وفي الرابع من يوليو الحالي، اعتبرت روسيا أن “ما من سبب” يدعو لتمديد اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية بحجة أن صادراتها من المنتجات الزراعية تواجه عقبات.
ومنذ توقيع الاتفاقية، هددت موسكو بانتظام بالانسحاب منها، منددة بالعقوبات الغربية التي “تمنع الصادرات الزراعية الروسية”.
واردات أبرز الدول منذ إعلان الاتفاقية
- 7.75 مليون طن اشترتها الصين
- 5.6 مليون طن اشترتها إسبانيا
- 3.1 مليون طن اشترتها تركيا
ومساء الثلاثاء الماضي، شنت روسيا سلسلة من الهجمات بمسيّرات على محطة للحبوب في منطقة أوديسا جنوب أوكرانيا، التي تضمّ ثلاثة موانئ رئيسية لتصدير الحبوب والتي تشمل القمح والذرة وعباد الشمس.
وأكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي انخرط شخصيا العام الماضي في المفاوضات لتوقيع الاتفاقية، أن المحادثات لتمديدها “تتواصل”.
وقال الجمعة إن نظيره الروسي فلاديمير بوتين “يتفق معه” بشأن تمديد اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.
والأربعاء الماضي، أكّد أردوغان أن نظيره الأوكراني فولوديمير “زيلينسكي يرغب بذلك ولدى بوتين اقتراحات. نعمل على حل يأخذ هذه الاقتراحات في الاعتبار”.
ولكن ما يجعل الوضع ملتبسا أكثر هو تأكيد بوتين الخميس الماضي بأن الاتفاقية عجزت عن تلبية المطالب الروسية.
وقال في مقابلة متلفزة “أودّ أن أشدّد على أن شيئًا لم يحدث أبدًا. العمل أحادي الجانب”، مضيفا “سنفكّر في ما يمكننا فعله، لدينا بضعة أيام متبقية”.
وفي إطار هذه المفاوضات أيضا، ينشط الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أجل حلحلة هذه المشكلة قبل أن تتفاقم وقد لا تجد طريقا إلى الحل.
وقال الناطق باسمه إنه “يريد إزالة العوائق أمام تصدير الأسمدة الروسية”، وهو الشقّ الآخر من الاتفاقية، التي ندد بوتين بعدم الامتثال لها من خلال “إزالة العقبات أمام المعاملات المالية للبنك الزراعي الروسي”.
ووجّه غوتيريش الثلاثاء الماضي رسالة بهذا الشأن إلى بوتين. وكانت هذه الاتفاقية محور اجتماع بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يومَي الخميس والجمعة الماضيين قرب بروكسل.
ودرس الأوروبيون مقترحا للبنك الزراعي الروسي لإنشاء شركة فرعية تتيح له إعادة الاتصال بالشبكة المالية العالمية (سويفت) كوسيلة لترضية موسكو.
ومن خلال ضمان سلامة حركة الشحن في البحر الأسود لدى مغادرتها الموانئ الأوكرانية، أتاحت الاتفاقية، التي تفرض تفتيش السفن من الأطراف الأربعة الموقّعة، تصدير 33 مليون طنّ منذ دخولها حيز التنفيذ مطلع أغسطس 2022 معظمها من القمح والذرة.
والاتفاقية الهادفة إلى منع ارتفاع الأسعار والجوع في الدول الأكثر هشاشة من خلال تسويق منتجات أوكرانية، عادت بالنفع على 45 دولة مستوردة.
وفي صدارة تلك الدول تتموقع الصين بتوريد حوالي 7.75 مليون طن ثم إسبانيا بحوالي 5.6 مليون طن لتأتي تركيا في المركز الثالث بواقع 3.1 مليون طن، وفق مركز التنسيق المشترك بين أطراف الاتفاقية والذي يقع مقرّه في إسطنبول.
وبموجب الاتفاقية أيضا تمكّن برنامج الأغذية العالمي من توفير حوالي 725 ألف طن من القمح للدول التي تمر بأزمة مثل أفغانستان وإثيوبيا وكينيا والصومال والسودان واليمن.
وتشدّد الأمم المتحدة على أن حرمان العالم من الحبوب الأوكرانية “سيؤثر على حياة الملايين في المجتمعات الأكثر فقرًا”.
ومنذ مطلع يوليو الحالي، تبدو حركة السفن خفيفة جدا، حيث غادرت سبع سفن شحن فقط ميناءي أوديسا وتشورنومورسك الأوكرانيين بعد التفتيش، وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن مركز التنسيق المشترك.
وللمقارنة، كان هذا الرقم هو المعدّل اليومي الذي كان يُسجّل في شهر أكتوبر الماضي حين كانت أكثر من 130 سفينة شحن تنتظر عند مدخل مضيق البوسفور لتخضع للتفتيش لإكمال طريقها. وتتهم كييف بانتظام المفتشين الروس بتعمّد إبطاء الإجراءات.