عباس يسعى يائسا لإنقاذ ما تبقى من سلطته في جنين

سعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من خلال زيارة نادرة إلى مخيم جنين للاجئين الذي شهد اضطرابات عنيفة قبل أيام، إلى الإيهام بأن سلطته لا تزال قوية وممسكة بزمام الأمور داخل المخيم، لكن الوضع على أرض الواقع ليس كذلك.
رام الله - وصف محللون زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس النادرة إلى مخيم جنين بالاستعراضية؛ إذ أنه يريد أن يبدو هو وسلطته الفلسطينية مسيطريْن بقوة على جنين، فيما تآكلت شعبيته وتزايدت النداءات المطالبة برحيله فورا.
ويشير المحللون إلى أن زيارة عباس خارج المقاطعة لن تفعل الكثير لإعادة موضعة السلطة الفلسطينية في ضوء أزمة الشرعية المتفاقمة التي تواجهها وصعود الجماعات الفلسطينية المسلحة وارتخاء القبضة الأمنية في جنين.
وزار الرئيس الفلسطيني مدينة جنين بالضفة الغربية الأربعاء بعد مرور أيام على إبعاد ثلاثة مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية من جنازة وسط غضب الحشود المشاركة من رد فعل السلطة على هجوم إسرائيلي قبل أيام.
غضب الحشود كشف أن السلطة الفلسطينية لا تحظى بشعبية وسلط الضوء على اتساع هوة الخلافات بين الفصائل
وكشف غضب الحشود، خلال جنازة المقاتلين الذين لاقوا حتفهم في عملية إسرائيلية استمرت يومين، أن السلطة الفلسطينية لا تحظى بشعبية وسلط الضوء على اتساع هوة الخلافات بين الفصائل الفلسطينية.
وطُرد الثلاثة وهم أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح التي يتزعمها عباس عندما أبدى الآلاف من المشاركين غضبهم تجاههم ورددوا هتاف “بره.. بره”.
ودفع المشيعون الغاضبون مسؤولين كبارا في حركة فتح إلى مغادرة المخيم، ومن بينهم نائب رئيس الحركة القيادي البارز محمود العالول، في خطوة أثارت جدلا واتهمت فتح حركة حماس الإسلامية بالوقوف وراء ذلك. وزار عباس (87 عاما)، الذي يرفض الضغوط للتنحي، المقبرة التي أقيمت فيها الجنازة، عند مدخل مخيم جنين للاجئين.
وبينما أحاط به حرسه الرئاسي الخاص، خاطب عباس الحشود على أطراف المخيم، حيث يشهد حطام الشوارع والمباني المحترقة على أكبر عملية إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة منذ 20 عاما.
وقال عباس “مخيم جنين البطل الذي صمد في وجه العدوان والذي قدم التضحيات والشهداء والجرحى وكل ما لديه في سبيل الوطن، هذا هو مخيم جنين، ولا ننسى نابلس جبل النار ومخيماتها، ولا ننسى القدس العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني”. وأضاف للحشود أن المخيم ستتم إعادة بنائه.
ووصف عباس المخيم الواقع في الضفة الغربية بأنه “أيقونة للنضال والصمود والتحدي”، مؤكدا “جئنا لنقول إننا سلطة واحدة، دولة واحدة، قانون واحد، وأمن واستقرار واحد، وسنقطع اليد التي ستعبث بوحدة شعبنا وأمنه”. وجدد عباس تأكيده على أن “القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية”.
وبالرغم من أن عباس ندد بالهجوم الإسرائيلي على جنين وأعلن تعليق اتفاقية تعاون أمني مع إسرائيل، يشعر العديد من الفلسطينيين بأن موقفه كان ضعيفا بشكل ميؤوس منه مع انتشار العنف في أنحاء الضفة الغربية.
وقال جمال حويل، أحد قادة حركة فتح، في مخيم جنين “الرئيس جاء إلى هنا إلى المقاومة، إلى كتيبة جنين ليقول لا كبيرة للاحتلال ولتأكيد أننا نقاوم وفق معايير القانون الدولي”. وكتيبة جنين هي الجماعة المسلحة التي استهدفها الجيش الإسرائيلي في عمليته العسكرية الأخيرة.
وعلى مدى أكثر من عام أصبحت التوغلات الإسرائيلية في مدن مثل جنين ونابلس شيئا معتادا. وقُتل مئات الفلسطينيين، معظمهم من المقاتلين ولكنْ بينهم مدنيون كثيرون أيضا، بينما أسفرت سلسلة من الهجمات الفلسطينية عن مقتل العشرات من الإسرائيليين.
وتمارس السلطة الفلسطينية، التي تأسست بعد اتفاقات أوسلو للسلام قبل ثلاثة عقود، حكما محدودا على أجزاء من الضفة الغربية، بما في ذلك جنين، لكنها عاجزة عن وقف المداهمات الإسرائيلية أو السيطرة على الجماعات المسلحة.
وتم نشر قوات أمن تابعة للسلطة الفلسطينية، بمن في ذلك أفراد من وحدة الحرس الرئاسي التابع لعباس، بأعداد كبيرة في جنين بعد نشوب التوترات مع الفصائل الأخرى خلال الجنازة في الأسبوع الماضي.
وهناك خلافات منذ فترة طويلة بين حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة وحركة الجهاد الإسلامي المدعومة من إيران من جهة وبين السلطة الفلسطينية من جهة أخرى، لكن عباس يواجه أيضا انتقادات متزايدة من داخل منظمته فتح التي لها أيضا جناح مسلح نشط في جنين.
وتكمن مشكلة السلطة الفلسطينية التي أنشئت عام 1994 في افتقارها إلى الشرعية. فقد وعدت شعبها بأن الدبلوماسية وجهود التعاون مع إسرائيل من شأنهما أن تؤديا إلى إنهاء الاحتلال وتحسين مستوى معيشة الفلسطينيين. ولكن منذ الانتفاضة الثانية فقدَ هذا الوعد كل مصداقيته حيث تضاءلت فرص التوصل إلى اتفاق سلام، وطغى الصراع على العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية بدلاً من التعاون. ولا يعود ضعف شرعية السلطة الفلسطينية إلى فشل عملية السلام فحسب، بل يُعزى أيضاً إلى الطريقة المؤسفة التي حكمت بها السلطة وأدت إلى تراجع مكانتها تراجعا كبيرا.