سوق النفط أمام أكبر مفارقاتها: مخاوف التضخم تتزامن مع زيادة الطلب

تجد أسواق النفط العالمية نفسها أمام أكبر مفارقاتها في الوقت الحاضر في ظل مخاوف استمرار التضخم المتزامنة مع زيادة الطلب، ما يجعل المنتجين وخاصة أعضاء تحالف أوبك+ في مفترق طرق يتطلب اتخاذ قرارات أكثر اتزانا لتحقيق أهدافهم.
لندن - ظل التضخم ورفع أسعار الفائدة من العوامل التي دفعت تحركات أسواق النفط العالمية لأشهر طويلة بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، ولم يلق الطلب والعرض نفس القدر من الاهتمام، لكن هذا قد يكون على وشك التغير.
وأقر الرئيس التنفيذي لعملاق النفط السعودي شركة أرامكو أمين الناصر الأسبوع الماضي بأن السنة الحالية تشهد رياحا اقتصادية معاكسة مع انتشار علامات الركود، بينما لا تزال الصين تنتعش.
لكنه أكد في إجابة على سؤال صحفي سي.أن.بي.سي خلال حديثه بجلسة في مؤتمر أوبك الدولي الثامن بالعاصمة النمساوية فيينا أنه “متفائل بالمستقبل”.
وكان تعافي الاقتصاد الصيني، الذي لا يزال يظهر علامات غير جيدة عقب تعليق قيود الإغلاق بعد ثلاث سنوات، سبب تفاؤل الناصر، واعتُبر الانتعاش الصيني في استخدام الوقود قويا.
وسجّل الطلب على النفط رقما قياسيا في وقت سابق من هذا العام ومن المرجح أن يبقى مرتفعا طوال السنة الحالية. ولا يعني تجاهل هذه الحقيقة أنها ستختفي ولن تؤثر على المشهد ككل.
وتقول إيرينا سلاف، الكاتبة في مجال صناعة النفط والغاز بمنصة “أوبل برايس” الأميركية، إن هذا الرأي لا يقتصر على الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، فهناك من المحللين من ينسجم مع هذا الموقف مثل الخبيرة أمريتا سين من أنيرجي أسبكتس.
وأشارت سلاف إلى تجاهل البعض خلال اندفاع البنوك المركزية حول العالم لترويض التضخم، وهو نفس الاندفاع الذي أبقى أسعار النفط منخفضة طوال معظم العام.
وقالت “قد يكون لهذا الجانب تأثير صعودي على الأسعار في وقت لاحق من العام”.
وكتبت سين في مقال افتتاحي لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية تقول إن “الأمر يتعلق بالتكلفة، تزداد تكاليف الاقتراض حين يرفع محافظو البنوك المركزية أسعار الفائدة”.
وأوضحت أن ذلك لا يرضي تجار النفط، الذين يحتفظون بالملايين من البراميل في المخازن. ولذلك ينطلقون في البيع لتقليل التكاليف. وتصبح كميات النفط بهذا أقل في المخزون العالمي.
وترى سين أن الحسابات الطاقية تدل على أن النفط المخزن يغطي 22 يوما فقط من الطلب العالمي على النفط. وهذا أقل بثلاثة أيام من المتوسط المسجل خلال الفترة الممتدة من 2010 إلى 2019، وهو على وشك أن ينخفض أكثر بحلول نهاية العام.
وينتعش السفر الجوي العالمي بقوة، وخاصة في السوق الصينية، وفقا لتقرير جديد صادر عن اتحاد النقل الجوي الدولي “إياتا”.
وأعلن إياتا عن زيادة بنسبة 130.4 في المئة في إيرادات الركاب في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لشهر مايو الماضي، ومثّلت أكبر زيادة في السفر الجوي في العالم. كما ارتفعت الحركة في المنطقة بنسبة 156.7 في المئة.
وكانت الأرقام متشابهة بالنسبة للصين على وجه التحديد، بينما شهدت كل الأسواق الكبيرة الأخرى سواء الإقليمية أو المحلية، زيادات أقل بكثير في السفر الجوي.
وترى سلاف أن جميع المناطق شهدت زيادات سنوية مضاعفة في السفر الجوي، مما يعني زيادة كبيرة في الطلب على وقود الطائرات أيضا.
وقالت “لا عجب إذن أن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان لا يزال متفائلا على الرغم من تحركات أسعار النفط اليومية”.
وأعلنت السعودية، وهي أكبر منتج في منظمة أوبك وفي تحالف أوبك+ في وقت سابق هذا الشهر عن تمديد خفض الإنتاج الطوعي بمقدار مليون برميل يوميا لشهر آخر وربما لفترة أطول.
وتلا ذلك إعلان من روسيا التي قالت إنها ستخفض الصادرات بمقدار نصف مليون برميل يوميا اعتبارا من أغسطس المقبل.
ولم ترتفع الأسعار بعد هذه الأخبار، مما منح بعض المعلقين سببا للقول بأن تخفيضات الإنتاج كانت في الواقع أنباء هبوطية لسوق النفط.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 33 سنتا أو 0.4 في المئة إلى 78 دولارا للبرميل الثلاثاء وزاد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 35 سنتا أو ما يعادل نصف نقطة مئوية إلى 73.34 دولارا.
وهذه الأسعار تبدو غير مجزية للمنتجين الذين استفادوا منذ أواخر فبراير 2022 من عائدات ضخمة جراء تحليقها إلى مستويات ظلت فوق المئة دولار لفترة.
وكتب كلايد راسل، من وكالة رويترز، في عمود له أن هذه التخفيضات تشير إلى أن الطلب لا يرقى إلى مستوى التوقعات.
وربما تريد أوبك أن تبدو شجاعة، أو أن أعضاءها يراقبون أكثر من نشاط المصانع في الصين. وفي مؤتمر أوبك في فيينا، قالت مصادر قريبة من المنظمة لم تسمها رويترز إن توقعاتها للطلب على النفط ما زالت إيجابية.
وستنشر أوبك في وقت لاحق من هذا الشهر أول توقعاتها لسنة 2024. وأكد الأشخاص الذين تحدثوا إلى رويترز أن المنظمة ستكون متفائلة بخصوص الطلب، رغم أنه سيكون أقل من معدل هذا العام الذي خرج خلاله العالم من إغلاق دام عامين.
وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها عن سوق النفط لشهر يونيو إن “الطلب العالمي على النفط يواصل تحدي مناخ الاقتصاد الكلي المليء بالتحديات”.
ورجح خبراء الوكالة أن يرتفع الطلب بمقدار 2.4 مليون برميل يوميا في 2023، متجاوزا الزيادة التي بلغت 2.3 مليون برميل يوميا في العام الماضي وكذلك التوقعات السابقة.
ويبقي هذا الاختلاف بين ما يراقبه تجار النفط وحقيقة الطلب أسعار النفط منخفضة. ويمكن أن يتراجع المعروض في النصف الثاني من العام، بما في ذلك من الولايات المتحدة التي شهدت نمو الإنتاج الأكبر على الإطلاق.
لكن يمكن أن تتراجع الأسعار المنخفضة أكثر إذا انزلق جزء كبير من العالم إلى الركود على الرغم من الجهود التي بذلتها البنوك المركزية وما زالت تبذلها، بغض النظر عن الألم الذي تتعرض له الشركات والمستهلكون.
ويمكن أن تكون جهود البنك المركزي للتشديد النقدي هي التي تسبب ركودا في حالة كلاسيكية يكون العلاج فيها أسوأ من المرض نفسه.
ويعد التخلص من مخزون تجار النفط أحد الأمثلة على ذلك. ويكمن مثال آخر في انخفاض الإنفاق الاستهلاكي مع ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض للشركات المنتجة.
وستستمر مخاوف الركود بما سيؤثر على أسعار النفط خلال الفترة المتبقية من 2023. وفي الوقت ذاته، ستجذب علامات التقلص المادي لإمدادات النفط انتباه المتداولين عاجلا أم آجلا.
وقالت سلاف إنهم “سيتفاعلون وفقا لذلك، مما سيؤدي إلى انتعاش الأسعار” في نهاية المطاف.