ليس هناك أمازيغ من عرق واحد

"سيكولوجيات الأمازيغ".. كتاب يبحث في الحياة اليومية لمجتمعات شمال أفريقيا.
الثلاثاء 2023/07/11
المجتمع الأمازيغي متنوع ومتعدد

يمثل الأمازيغ أول سكان شمال أفريقيا الذين ما يزالون إلى اليوم يحافظون على تميز ثقافاتهم، ورغم ما شهدته من تراجع لأسباب يطول شرحها فإن الثقافة الأمازيغية ما تزال راسخة إلى اليوم لدى الكثيرين من خلال حلول مبتكرة تطور اللغة وتسعى إلى تثمين الكثير من عناصر هذه الثقافة المهددة.

طلال المعمري

الجزائر - ينطلق كتابُ “سيكولوجيات الأمازيغ” (220 صفحة) للباحث ناجي أمين بن باطة، من حقيقة مفادُها أن الأمازيغ – وإن كانوا يُشكلون نسبة معتبرة من سكان شمال أفريقيا – يتميزون بعدم التجانس المطلق؛ كونهم ينتمون لأعراق مختلفة.

وبحسب ما كشف عنه ناجي أمين بن باطة في حديث معه فإن هذه الدراسة تتناول سيكولوجيات المجتمعات المدنية لمختلف الأعراق الأمازيغية، بكل صراحة وعقلانية، بعيدا عن المبالغة والتمويه؛ وهي ثمرة سنوات عديدة من التجارب والأبحاث المتعلقة بأساليب عيش الأمازيغ، وطرق تفكيرهم وإدراكهم لتفاصيل الحياة اليومية، وتعاملهم مع مختلف المواقف فيها.

المؤلف يرى أن طرق التفكير وزوايا رؤية الحياة تختلف من عرق إلى آخر دلالة على التنوع الثقافي للأمازيغ
المؤلف يرى أن طرق التفكير وزوايا رؤية الحياة تختلف من عرق إلى آخر دلالة على التنوع الثقافي للأمازيغ

ويؤكد الكاتب “مما لا شك فيه، فإن لكل عرق من الأعراق الأمازيغية ما يُميزه عن غيره في هذا الشأن؛ وهذا الاختلاف هو العامل الأساسي في تنوع الفلكلور الأمازيغي، ومظاهر الفنون والثقافة في كل بلدان شمال أفريقيا، وهو الأمر الذي تُظهره الكثير من المعلومات المستقاة من مجتمعات الطوارق والشاوية، والقبائل، وبني مزاب، والريفيون، والشنوا، والشلوح، وأمازيغ موريتانيا، وأمازيغ ليبيا، وأمازيغ تونس”.

ويتألفُ هذا الكتاب، الصادر عن دار أدليس للنشر والتوزيع بالجزائر، من مدخل وعشرة فصول، تنتهي بخلاصة، خصص الكاتب لها فصلا مستقلا لكل عرق من الأعراق الأمازيغية المذكورة، مع تقديم بعض الجوانب الإيجابية والسلبية في السيكولوجية الاجتماعية، حسب ما يُشاع عند الناس، وأيضا حسب وجهة نظر الكاتب، مع إعطاء أمثلة على أبرز الشخصيات التي تنتمي لكل عرق من تلك الأعراق الأمازيغية من مختلف العصور.

ومثال على ذلك، يذكر صاحب الدراسة صفة “الكرم”، وهي من الصفات الإيجابية المتأصلة في المجتمع الأمازيغي للطوارق الذي يعيش في بيئة صحراوية تشتهر بشيم الكرم والعطاء، إذ يُقال “إذا أردت مصاحبة شخص تنتظر منه أن يشاطرك تمرة، فعليك بالصحراوي عامة، والتارڨي خاصة”.

من جهة أخرى، فإن “الشاوية” الأمازيغ معروفون عند عامة الجزائريين بأنهم رجالُ مواقف ثابتة، والـ “إيشاوين” محبوبون عند الكثير من الناس بفضل هذه الصفة الحميدة التي تجعل منهم محل ثقة وأمانة؛ وهذا راجعٌ إلى سيكولوجيتهم الاجتماعية التي تُعطي أهمية عظيمة للشرف والوعد، وأقسى كلمة ذم قد تُوجه إلى شخص ينتمي إلى المجتمع الشاوي الأمازيغي هي: “أنت لست عند وعدك”.

ويؤكد الكاتب أن هذه الدراسة تُمثلُ مقاربة “غير دقيقة” بالمعنى العلمي الحرفي للكلمة؛ كون المؤلف ركز فيها بشكل كبير خلال جمع المعلومات على تصريحات كبار السن في القرى والمداشر الأمازيغية، وعلى ما شاع عند عامة الناس، وعلى بعض تجاربه الشخصية في التعامل مع الكثير من مكونات مجتمع الأمازيغ من مختلف الأعراق.

السيكولوجية الاجتماعية الأمازيغية لها خصوصية
السيكولوجية الاجتماعية الأمازيغية لها خصوصية

ويرى المؤلف أن طرق التفكير وزوايا رؤية الحياة تختلف بشكل كبير من عرق إلى آخر، وكل هذا ناتجٌ عن التنوع الثقافي للجزائر، هذا البلد مترامي الأطراف؛ وهو التنوع الذي لا يُعد “نقطة تفرقة” مثلما يعتقد صغار العقول، وإنما “نقطة اتحاد وقوة واعتزاز” لكل جزائري.

أما عن معنى كلمة “سيكولوجيات” الواردة في عنوان هذا الكتاب، فلا يقصدُ بها المؤلف كلمة “نفسيات”، بقدر ما يقصد بها كلمة “شخصيات”؛ أي أن الكتاب يحاول بطريقة ما إعطاء مقاربة تحليلية لشخصية كل مكوّن من مكونات تلك الأعراق الأمازيغية من منطلق اجتماعي.

يُشار إلى أن الباحث ناجي أمين بن باطة مؤلف هذا الكتاب، من مواليد عام 1995، بالمرادية بالجزائر العاصمة، وهو روائي وأستاذ لغات، له العديد من الإصدارات الأدبية والعلمية، أبرزُها “نظرية الذكاء الجهوي” (2017)، و”لغز راسبوتين” (2017/ بالروسية)، و”الآلهة في للميثولوجيا السلافية” (2019/ بالروسية)، و”نظرية التدليم” (2020)، و”مراهقة صعبة” (2020)، و”الثلاثينية” (2020)، و”كفاح مركوندا” (2021).

13