تركيا تسعى لتصفير المشاكل مع دول المنطقة لحل مشاكلها الداخلية

زيارة أردوغان الخليجية تكتسي طابعا اقتصاديا بهدف جذب الاستثمارات والتوقيع على اتفاقيات تسهم في دعم الاقتصاد التركي المتآكل.
الجمعة 2023/07/07
هل يفي أردوغان بوعوده الانتخابية

أنقرة- يحاول المقربون من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إضفاء طابع عملي على زيارته المنتظرة إلى الإمارات والسعودية وقطر، وذلك بالاستعانة بالإستراتيجية السياسية ذاتها التي تستعين بها أبوظبي والرياض، وهي إستراتيجية تصفير المشاكل.

إلا أن الدوافع التي تنطلق منها تركيا مختلفة عن دوافع دول المنطقة؛ فبينما تريد أبوظبي والرياض وغيرهما من العواصم العربية -التي تبنت المقاربة نفسها- أن تؤسس لعلاقات إقليمية قائمة على التعاون وتبادل المنافع المشتركة والتعايش السلمي، تواجه أنقرة مشاكل اقتصادية كبرى، ولن تستطيع الخروج منها إذا أضافت إليها توتر العلاقات بينها وبين دول المنطقة.

ياسين أقطاي: تركيا تسعى لتصفير المشاكل مع كل الدول، خاصة مع الدول العربية والإسلامية
ياسين أقطاي: تركيا تسعى لتصفير المشاكل مع كل الدول، خاصة مع الدول العربية والإسلامية

ويقول المراقبون إن “البراغماتية” السياسية هي التي دفعت ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، إلى القول إن “زيارة أردوغان تهدف إلى تعزيز التعاون والتفاهم مع دول الخليج حول القضايا الإقليمية والعالمية، من أجل تكوين قوة اقتصادية وسياسية تسهم في حفظ دولنا وازدهارها”.

ونقل التلفزيون التركي الرسمي عن وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك قوله الاثنين إن “أردوغان سيقوم بزيارة إلى الإمارات بعد أسبوعين، يوقّع خلالها على اتفاقيات ثنائية شاملة بين البلدين”.

وأشار أقطاي إلى أنه “بعد انتخاب الرئيس أردوغان لخمس سنوات جديدة، يسعى اليوم لترسيخ العلاقات مع دول الخليج كافة، لاسيما مع كلّ من السعودية والإمارات وقطر”. وتابع أن “تركيا تسعى لتصفير المشاكل مع كل الدول، خاصة مع الدول العربية والإسلامية، بهدف تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بينها وبين هذه الدول”.

وتستهدف زيارة أردوغان إلى الإمارات والسعودية وقطر استقطاب استثمارات جديدة تلح الحاجة إليها لتغطية العجز المتزايد في الميزان التجاري وشح الاحتياطيات النقدية لدى المصرف المركزي.

وبحسب تطلعات المسؤولين الأتراك الذين سيرافقون أردوغان، تحاول الجولة أن تستقطب ما قد يصل إلى 25 مليار دولار. إلا أن الخبراء الاقتصاديين في المنطقة يقولون إن الفرص الاستثمارية المتاحة في تركيا لا تسمح بالوصول الى هذا الرقم، وإن أقصى ما يمكن الحصول عليه هو وعود والتزامات تتراوح بين 10 و15 مليار دولار.

◙ زيارة أردوغان إلى الإمارات والسعودية وقطر تستهدف استقطاب استثمارات جديدة تلح الحاجة إليها لتغطية العجز المتزايد في الميزان التجاري

لكن الجانب الأهم هو أن تركيا لا يمكنها أن تنتظر معونات تم تقديم الكثير منها من قبل. ويضيف المراقبون أن حجر الزاوية في الاستثمارات الجديدة المنتظرة يعتمد أساسا على ما إذا كانت تركيا قادرة على حل مشاكلها الداخلية وخاصة التضخم والإنفاق عالي المخاطر على دعم الليرة التركية. وهو ما أدى إلى تآكل الاحتياطيات النقدية لدى المصرف المركزي، إلى درجة أنه لم يبق فيه أكثر من 100 مليار دولار لا تكفي لسد العجز في الميزان التجاري، كما أنها لا تكفي لتسديد ديون قصيرة الأجل تقدر بعشرات المليارات ويتوجب على أنقرة أن تسددها في نهاية العام الجاري.

وكانت تركيا قد بدأت بتحسين علاقاتها السياسية مع السعودية والإمارات ومصر، بعد خلافات دامت أكثر من ثماني سنوات.

وفي يونيو 2022 أكدت تركيا والسعودية، في بيان مشترك صدر في أعقاب لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس التركي في أنقرة، عزمهما بدء “حقبة جديدة” من التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية، وشددتا على ضرورة تفعيل اتفاقيات التعاون الدفاعي “بشكل يخدم مصالح البلدين ويساهم في ضمان أمن واستقرار المنطقة”.

محمد شيمشك: أردوغان سيقوم بزيارة إلى الإمارات يوقّع خلالها على اتفاقيات ثنائية شاملة بين البلدين
محمد شيمشك: أردوغان سيقوم بزيارة إلى الإمارات يوقّع خلالها على اتفاقيات ثنائية شاملة بين البلدين

كما شهدت العلاقات بين تركيا والإمارات تطورا ملحوظا خلال الفترة الماضية، خصوصا بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى أبوظبي في فبراير من العام الماضي وتوقيع عدد من الاتفاقيات مع الإمارات، وزيارة الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا في يونيو الماضي، حيث بحث مع نظيره التركي دفع الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين.

أما على مستوى العلاقة مع القاهرة فقد أعلنت تركيا ومصر الثلاثاء رفع التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى مستوى السفراء.

وفي ما يتعلق بتركيا قال أقطاي إن “أردوغان يسعى للوفاء بوعوده الانتخابية، وأيضاً لتلبية مطالب الشعب بتحسين الوضع الاقتصادي، وهذه الزيارة تكتسي طابعا اقتصاديا بهدف جذب الاستثمارات والتوقيع على اتفاقيات تسهم في دعم الاقتصاد التركي”.

ولكنه قال أيضا إن “الاقتصاد التركي ليس ضعيفا بل هو اقتصاد قوي، لكننا نسعى لتعزيز رفاهية الشعب التركي والشعوب العربية والإسلامية، وتبادل الفرص والمصادر المالية، لتحقيق المصالح المرجوة من كل الأطراف”.

وأشار أقطاي إلى أن تركيا بلد يضم خامات كثيرة من بينها النفط والغاز، كما يوجد فيها “رأسمال بشري متاح للاستثمار، وصناعة تنمو بسرعة لاسيما في المجال العسكري، وهذا الأمر يوفر فرصا استثمارية كبيرة لمن يريد أن يستفيد من ذلك”.

ويقول مراقبون إن دول المنطقة ترغب في إرساء أسس صلبة للتعاون الاقتصادي مع تركيا، إلا أن الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على ما إذا كانت قادرة على وقف النزيف في ماليتها العامة من جهة، وعلى ما إذا كانت تعرض فرصا استثمارية جديرة بالاعتبار من جهة أخرى، لأن عهد تقديم التبرعات والمساعدات المجانية قد ولّى.

1