مشاريع التطوير في مكة تقود قاطرة الضيافة السعودية وسياحتها

تحث السعودية خطاها لتغيير شكل مكة المكرمة عبر سيل من مشاريع التطوير والإعمار ضمن خطط الحكومة لجعلها مدينة دينية مستقبلية تحظى بالحداثة، بما يمكنها من قيادة الارتقاء بقطاعي الضيافة والسياحة باعتبارهما أحد محاور تنويع الاقتصاد.
مكة المكرمة (السعودية) - تصطف اللوحات الإعلانية على طريق أم القرى السريع المؤدي إلى المسجد الحرام في مكة المكرمة، وتعرض المساحات العامة المشذبة والمتاجر ذات الواجهات الزجاجية والأبراج الأنيقة كجزء من رؤية 2030.
ويهدف المشروع البالغ قيمته 26 مليار دولار إلى جلب المزيد من المسلمين إلى الفنادق الراقية والمساكن وتجار التجزئة والمطاعم في المدينة المقدسة.
ومع انتهاء موسم الحج هذا العام الجمعة، واقترابه من مستويات ما قبل جائحة كورونا عندما جذب البلد في عام 2019 أكثر من 20 مليون زائر في موسم الحج والعمرة يتم دفع مدينة مكة بسرعة إلى نطاق أكبر نحو قيادة قاطرة الضيافة في السعودية وسياحتها.
ويقول خبراء إنه لا يمكن لدبي وقطر المجاورتين التنافس مع هذا العرض، حتى مع استضافتهما لأحداث عالمية ومسابقات رياضية عالمية كبرى.
وتهدف أجندة إعادة تشكيل الاقتصاد الطموحة إلى جذب أكثر من 30 مليون سائح ديني سنويًا بحلول عام 2030، وأن تساهم السياحة بما يصل إلى 80 مليار دولار أو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تقلل السعودية من اعتمادها على النفط.
وتساهم السياحة حاليا بنسبة 4.45 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية حول حجم الإيرادات التي يدرها الحج، إلا أنها قد تصل إلى أكثر من 12 مليار دولار.
وقال الخبير الاقتصادي عمر العبيدلي لوكالة أسوشيتد برس “لا داعي للقلق على السعودية بشأن المنافسة الأجنبية، حيث توجد مكة واحدة ومدينة واحدة فقط”.
وأضاف رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية “هذا أساس رائع لبناء مصدر دخل ناجح، حيث إن تمكين الناس من التسوق وزيارة المتاحف وحضور المؤتمرات أثناء أداء العمرة هو إستراتيجية رائعة لزيادة الدخل”.
ولأكثر من عقد من الزمن تمت ترجمة التنمية وسط مكة إلى حقول الأبراج المحيطة بالمسجد الحرام، ويواجه المدخل الرئيسي للمسجد محور برج ساعة مكة الضخم، وهو رابع أطول مبنى في العالم.
ويتقاضى أصحاب الفنادق التي تقع على مسافة قريبة أو مطلة على المسجد الحرام مبالغ كبيرة خلال موسمي الحج ورمضان، حيث أفضل المواقع مأخوذة بالفعل من علامات شهيرة مثل بولمان ورافيليز وغيرهما من الفنادق الفاخرة.
ولذلك تستهدف الشركات مناطق شمال غرب وشمال شرق المسجد الحرام وشارع أم القرى وجميعها تبدو مهيأة للتطوير.
وخلف اللوحات الإعلانية المشرقة على طول الطريق السريع خليط من الرافعات والحفر وأكوام الأنقاض الرمادية في البناء الجاري لمشروع تطوير مسار مكة الذي تبلغ كلفته 26 مليار دولار.
وتتمثل الخطة في إنشاء مجموعة بطول 3.5 كيلومتر من الفنادق والمباني السكنية والمتنزهات ومراكز التسوق المؤدية إلى منطقة المسجد الكبير.
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن الشركة التي تقود المشروع هدمت آلاف المنازل ودفعت أكثر من 2.9 مليار دولار كتعويضات لسكانها على مدى خمس سنوات.
وعلى الجانب الآخر توجد مساكن حجاج منخفضة الارتفاع وليست ذات جودة عالية، فضلا عن مطاعم ذات ميزانية محدودة ومتاجر صغيرة مكتظة بأساسيات الحج حيث يبدو عالما بعيدا عن المستقبل اللامع والراقي لمكة الذي تصوره السعودية.
وتواصلت وكالة أسوشيتد برس مع العديد من المسؤولين السعوديين وشركات البناء بأسئلة مفصلة حول السياحة الدينية وخطط تطوير قطاع الضيافة في مكة المكرمة لكنها لم تتلق أي رد.
وفي مؤتمر صحفي عقد هذا الأسبوع في مكة، تحدث المتحدث باسم وزارة الحج عايض الغوينم عن العمل الجاري، قائلاً إن الحكومة “حريصة دائمًا على تطوير تجربة الحج والعمرة وتحسين الخدمات المقدمة”.
وأوضح أن عمليات التطوير مستمرة “لمواكبة أعداد” الحجاج القادمين من الخارج و”تقديم تجربة استثنائية” لهم مستقبلا.
ووفقا لمركز المعلومات العالمي لبناء البيانات، ثمة سبعة وعشرون مشروعًا، تبلغ قيمة كل منها 25 مليون دولار أو أكثر، قيد التنفيذ في مكة. ومن بينها 13 في قطاع الضيافة والتجزئة والسكن، والباقي في قطاع النقل.
وإلى جانب ذلك تبرز مشاريع أخرى بمليارات الدولارات من مجمعات الأبراج، مثل جبل عمر وذاخر مكة، وهي تتحدث عن “مجتمعات حيوية وشاملة” و”روحانية متوازنة”.
وتتطلب محاولة المزج بين التقاليد الدينية والابتكار معالجة حساسة من قبل القيادة السعودية، فضلاً عن المطورين والشركات التي تنتقل إليها.
وبينما تعد مكة أقدس مكان للمسلمين، فإن المدينة تحظى باهتمام من قبل السلطات السعودية عبر مظاهر الحداثة من خلال التباهي بالبناء والمشاريع الجديدة الفخمة في طور الإعداد، وأيضا وجود علامة ستارباكس الأميركية بالقرب من المسجد الحرام.
ولدى سكان مكة مشاعر مختلطة حول التحول الدراماتيكي للمدينة. وقال فجر عبدالله “ليست مكة التي نعرفها”. وأضاف “في السابق كانت هناك أحياء بالقرب من المسجد الحرام، لكنها الآن في الغالب أبراج وجسور”.
وتمت إعادة تشكيل الأحياء القديمة مثل أجياد وسعد وجرول والشويكة لاستيعاب القدرة المتزايدة للسياحة الدينية.
26
مليار دولار كلفة مشروع جديد على طريق أم القرى يضم فنادق راقية ومساكن ومتاجر ومطاعم
ويؤكد عبدالله أنه رغم رغبة السكان المحليين في العيش في المدينة، فإن أعمال البناء دفعتهم إلى الضواحي، و”يقول الناس إنه من الأفضل الخروج من أجل تعليم وعمل أفضل”.
ويبدو أحد الطهاة المصريين الذي عمل في مكة لمدة ست سنوات سعيدا بالتطورات الجديدة وإمكانية جذب سياح أكثر ثراء لأن ذلك يعني المزيد من الأعمال لمطعمه.
لكنه يقر بأن ذلك يأتي بكلفة، حيث كان العمال ذوو الأجور المنخفضة من بنغلاديش وميانمار من أكثر المتضررين إذ يتم تسعيرهم من المزيد من الأحياء.
كما أعادت عمليات الهدم واسعة النطاق تحديد أجزاء معينة من المدينة، وكانت المسفلة الواقعة جنوب المسجد الحرام مباشرة منطقة يحب الشيف زيارتها حيث كان يقع مطعمه الأفريقي المفضل. وقال لوكالة أسوشيتد برس، شريطة عدم ذكر اسمه، إنه “ذهب مع عمليات الهدم”.
ويرحب مصري آخر، عاش في مكة لأكثر من عقد وتحدث دون الكشف عن هويته، بالبناء والتطور شبه المستمر بسبب تأثيره الإيجابي على الاقتصاد.
وأدى الاستثمار إلى إنشاء مطاعم وفنادق ومتاجر جديدة وبنية تحتية أفضل. ولقد حصل على أموال جيدة للعمل في مشاريع في جميع أنحاء المدينة.
لكنه يخشى أن تصبح الفنادق الفخمة مصدر إلهاء عن التجربة الدينية المرادفة لمكة. وقال “ربما عندما يأتي الناس سينسون الكعبة ويركزون على المباني والطرق السريعة”.