الاقتصاد اللبناني العليل عالق في دوامة المصالح الخاصة

الانهيار الاقتصادي أدى إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي 40 في المئة ودفع التضخم إلى معدلات غير مسبوقة.
السبت 2023/07/01
الآفاق ضبابية حتى إشعار آخر

بيروت - وجه صندوق النقد الدولي مرة أخرى انتقادات للسلطات اللبنانية بسبب تقاعسها في إجراء إصلاحات حقيقية لإنقاذ الاقتصاد المتداعي، والذي يعاني من أزمات حادة منذ أكثر من ثلاث سنوات، على النحو الأمثل بسبب القصور الذي يعتري سياسة الحوكمة المتبعة.

وحذّر الصندوق الخميس الماضي من أن حالة عدم اليقين السائدة في لبنان تُشكّل "الخطر الأكبر" على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد التي أنهكتها أزمات متعددة، في غياب تطبيق إصلاحات ضرورية ومع استمرار الشلل السياسي.

وقال في ختام مشاورات أجراها المجلس التنفيذي للصندوق مع لبنان خلال الأشهر الفائتة إن "الأزمة المالية في لبنان فاقمتها المصالح الخاصة التي تقاوم تنفيذ إصلاحات ضرورية وأن عدم التحرك لحل ذلك سيدفع البلاد إلى مصير مجهول".

أرنستو راميرز ريغو: استمرار الوضع الراهن في لبنان يشكّل أكبر المخاطر
أرنستو راميرز ريغو: استمرار الوضع الراهن في لبنان يشكّل أكبر المخاطر

ويشهد لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم. وقد خسرت الليرة أكثر من 98 في المئة من قيمتها وبات غالبية السكان تحت خط الفقر على وقع قيود مصرفية مشددة وأزمة سيولة حادة.

وأوضح الصندوق أن الانهيار الاقتصادي أدى إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي 40 في المئة، ودفع التضخم إلى معدلات غير مسبوقة، واستنزف ثلثي احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية.

ويزيد الجمود السياسي مع فراغ سدة الرئاسة منذ أشهر ووجود حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات وشلل البرلمان، الوضع الاقتصادي سوءا، ويعوق تطبيق إصلاحات ملحّة يشترطها المجتمع الدولي لتقديم دعم مالي.

وشدد تقرير المؤسسة المالية الدولية المانحة على أن "استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه يشكل الخطر الأكبر على استقرار لبنان الاقتصادي والاجتماعي، ويقود البلاد إلى طريق لا يمكن التنبؤ به".

واعتبر أن “من شأن التنفيذ الحاسم لخطة شاملة للتعافي الاقتصادي أن يحد بشكل تدريجي وثابت من الاختلالات وأن يشكل ركيزة للسياسات للمساعدة في استعادة الثقة وتسهيل العودة إلى مسار النمو".

وإجراءات الإصلاح التي أقدم لبنان على تنفيذها حتى الآن، ومنها ميزانية 2022 وقانون السرية المصرفية ومسودة قانون ضوابط رأس المال، لا تصل إلى مستوى تنفيذ الإرشادات التي قدمها مسؤولو الصندوق للسلطات أو التوقعات التي نوقشت.

وأعلن الصندوق في أبريل 2022 توصّله إلى اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات. لكن تطبيق الخطة مرتبط بالتزام الحكومة بتنفيذ إصلاحات مسبقة، لم تسلك غالبيتها سكة التطبيق بعد.

ومن بين الإصلاحات إقرار تشريعات تتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل قانون السرية المصرفية وتوحيد سعر الصرف.

وقال رئيس بعثة الصندوق إلى لبنان أرنستو راميرز ريغو في إيجاز عبر الإنترنت مع صحافيين في بيروت إن استمرار الوضع الراهن "يشكّل أكبر المخاطر".

ومع الاستمرار في إرجاء تطبيق الإصلاحات، توقع أن يكون هناك "نقص في الاستثمارات الأجنبية وأن يبقى البلد في وضعية غير مستدامة"، في وقت "لا يريد أحد أن يقرض دولة تعجز حكومتها عن الوفاء بالتزاماتها الخارجية".

◙ التنفيذ الحاسم لخطة شاملة للتعافي الاقتصادي من شأنه أن يحد من الاختلالات ويشكل ركيزة للمساعدة في استعادة الثقة وتسهيل العودة إلى مسار النمو

واعتبر ريغو أن ثمّة "حاجة ماسة للغاية للبنان من أجل المضي قدما" بالإصلاحات لأن "الكلفة باهظة للغاية، لا على سمعة البلاد فحسب"، بل أيضا على "الملايين من اللبنانيين العالقين في النظام المصرفي".

وبحسب التقرير، تسارعت وتيرة التضخم لتصل إلى 270 في المئة على أساس سنوي في أبريل الماضي، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 261 في المئة.

كما تراجع الاحتياطي الإلزامي في المصرف المركزي إلى عشرة مليارات دولار مقابل 36 مليار دولار في العام 2017.

وفي حال استمرار الوضع الراهن بغياب الإصلاحات المحلة، فإن إجمالي الدين العام قد يصل إلى 547.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2027.

وكان البنك الدولي قد حذر قبل أسابيع من تنامي الاقتصاد النقدي بالدولار الأميركي بعدما بات يُقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي في العام 2022.

ويشهد لبنان شللا سياسيا منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر الماضي. وقد فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي حاد.

وبينما يبدو الملف اللبناني غائبا عن الاهتمام الدولي وحتى الإقليمي، تقود فرنسا، بلا جدوى، منذ أشهر حراكا لتسريع انتخاب رئيس في بلد يقوم نظامه السياسي على مبدأ المحاصصة السياسية والطائفية.

10