أزمة جديدة تلاحق القطاع الخاص في مصر عقب رفع الأجور

تواجه شركات القطاع الخاص في مصر صعوبات كثيرة بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والمالية التي تفاقمت حدتها عقب إلزام المجلس القومي للأجور بزيادة الحد الأدنى لرواتب العاملين دون تفرقة بين متدربين وأصحاب مهارات كترجمة لحرص الحكومة على استرضاء المواطنين.
القاهرة - رجّح خبراء أن تشهد الفترة المقبلة موجات تسريح للعمالة في بعض الصناعات المصرية، التي تعتمد بصورة كبيرة على الأفراد غير المدربين ويتقاضى فيها العمال رواتب أقل من الحد الأدنى بعد إقرار زيادة جديدة في الرواتب لعدم القدرة على الوفاء بذلك.
ويعاني القطاع الخاص أصلا من أزمات حادة تهدد انتظام معدلات الإنتاج والتشغيل ودون إعفاء بعض القطاعات من الالتزام بالحد الأدنى للأجور ستضطر الشركات إلى تسريح العمالة لتخفيف عبء تحمل تكاليف الأجور المرتفعة.
وسجل مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص غير النفطي بالبلاد والصادر عن ستاندرد آند بورز غلوبال 47.3 نقطة في أبريل الماضي ليظل أقل من مستوى الخمسين، وهو الحد الفاصل بين النمو والانكماش.
وجاء انكماش نشاط القطاع الخاص للشهر التاسع والعشرين تواليا على خلفية استمرار القيود المفروضة على الواردات والعملة، إلى جانب ارتفاع الأسعار، بما أدى إلى تراجع الثقة في مناخ الأعمال بصورة مقلقة.
وقرر المجلس القومي للأجور رفع الحد الأدنى للمرة الثانية هذا العام لدعم العاملين وسط ارتفاع التضخم، حيث تزيد الرواتب في القطاع الخاص بنسبة 11 في المئة اعتبارا من الأول من يوليو المقبل إلى ثلاثة آلاف جنيه (97 دولارا) وفق سعر الدولار الرسمي في البنك المركزي.
وجرى تفعيل زيادة قدرها 12.5 في المئة بالقطاع الخاص في يناير الماضي، ما رفع الحد الأدنى للأجور من 2400 جنيه شهريا (78 دولارا) بسعر الدولار الحالي.
وتعني الزيادة الأخيرة أن موظفي القطاع الخاص الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور سيشهدون ارتفاعًا في دخلهم الشهري بنحو 25 في المئة هذا العام مع حساب الزيادة السنوية.
ومع ذلك لا يزال هذا الراتب دون الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع العام، خاصة أن بعض أعضاء المجلس القومي للأجور كانوا يأملون في زيادتها إلى 3500 جنيه (113 دولارا) ليتماشى مع الحد الأدنى الجديد الذي أقرته الحكومة في أبريل الماضي.
وألزمت الزيادة التي تم إقرارها في يناير الماضي شركات القطاع الخاص بصرف علاوة سنوية بنسبة 3 في المئة على الأقل من قيمة أجر الاشتراك التأميني للعاملين المنصوص عليه في قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات بحد أدنى مئة جنيه (3.5 دولار) اعتبارًا من العام المالي الجاري، وهي ثابتة حتى الآن.
ويقول “سيد. م” العامل بمطبعة للكتب والمجلات في منطقة السادس من أكتوبر غرب القاهرة لـ”العرب” إن الشركة لا تمنحه الحد الأدنى للأجور الذي تم الإعلان عنه سابقًا، لكن يتقاضى مكافأة يومية، كما ترفض التأمين عليه، رغم أنه يعمل منذ ثلاث سنوات.
وهذه المسألة أصبحت سمة العديد من شركات القطاع الخاص التي تجبر الكثير من العاملين على العمل بنظام الأجر اليومي.
ويعد رفع الحد الأدنى للأجور هو الأحدث في سلسلة من الإجراءات الحكومية للتخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية.
وقفزت ثلاثة تخفيضات كبرى لقيمة الجنيه بالتضخم إلى مستوى قياسي مرتفع بلغ 32.7 في المئة في مايو الماضي، ما فرض جملة من الضغوط على الأسر منخفضة الدخل.
وأكد حسن الفندي رئيس لجنة الصناعات الغذائية بجمعية مستثمري العاشر من رمضان بشرق القاهرة أن خطوة الحكومة تبدو جيدة.
لكنه أشار إلى أن القطاع الخاص يمنح العاملين العلاوات والاستحقاقات المالية في أول يناير، باعتبار ذلك مع بداية السنة المالية، عكس القطاع الحكومي الذي يبدأ العام المالي في الأول من يوليو.
وقال الفندي لـ”العرب” إن “القرار ملزم وجاء في توقيت ترتفع فيه معدلات التضخم، لكن هناك مصانع تعاني من صعوبة شراء المواد الخام أو الحصول عليها لندرة الدولار والمعطلة بالفعل يصعب عليها الالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور”.
وتلقى مساعي زيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص معارضة من بعض القطاعات التي تشتكي من عدم قدرتها على تحمل تكلفة رفع الأجور، ولم تضغط الحكومة عليها في القرارات الماضية وكانت تقدم استثناءات لعدد من الصناعات.
والجديد حاليًا، بعد قرار المجلس القومي للأجور، أنه لا توجد إعفاءات لأيّ قطاع بل يجب على الجميع الامتثال للحد الأدنى الجديد للرواتب، إذ تم إلغاء جميع الإعفاءات القديمة، وينبغي إدراج المتدربين والعاملين الجدد ضمن الحد الأدنى المقرر.
وأشار الفندي لـ”العرب”، وهو رئيس شعبة السكر باتحاد الصناعات المصرية، إلى أن الحد الأدنى المقدر بنحو 97 دولارًا هو الأجر الشامل للعامل، وينبغي تفعيله في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة وتأثيرها على المواطنين.
وشدد مستثمرون بالقطاع الصناعي على أن الشركات التي لا تستطيع منح الحد الأدنى للأجور للعاملين حاليا يعني أنها غير قادرة على الاستمرار في السوق المحلية. وبرروا ذلك بأن العاملين يتقاضون رواتب أعلى من الحد الأدنى الجديد للأجور.
وذكر غريب محمد رئيس جمعية المشروعات الصغيرة بالسويس أنه توجد نسبة كبيرة من القطاع الخاص تمنح العاملين أجورا أعلى من الحد الأدنى الذي حددته الحكومة، ورفع الأجور لمختلف العاملين أمر ضروري أخلاقيا وإنسانيا.
وتكمن الأزمة في استمرار التضخم الجامح الذي لا توجد بارقة أمل بشأن توقفه مع تعطل الإنتاج بعدد من المصانع والمشكلات التي تؤثر سلبًا على المصانع لعدم استقرار أسعار الخامات، وقيمة الرواتب لا تتواكب مع ارتفاع الأسعار في مصر.
رفع الحد الأدنى للأجور يعد هو الأحدث في سلسلة من الإجراءات الحكومية للتخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية.
ونوّه غريب في تصريح لـ”العرب” إلى صعوبة إلزام الشركات بتطبيق الحد الأدنى للأجور للعمالة غير المدربة أو تلك التي لم تكتسب المهارات الكافية، لأن أصحاب الأعمال يمنحون العمالة مكافأة خلال هذه الفترة وليس أجرًا ثابتًا.
وتتفاوت المكافأة من مصنع إلى آخر وحسب طبيعة الصناعة، ولا توجد قطاعات صناعية يمكن إتقانها في أسبوعين، بخلاف أخرى تتطلب عدة أشهر لإتقانها، وبالتالي لا يمكن إلزام هذه المصانع بأجر ثابت ومرتفع في الوقت ذاته.
ويعدّ وضع حد أدنى لأجور العاملين بالقطاع الخاص تطورا حديثا نسبيًا في مصر، وأُقر لأول مرة في بداية العام المالي 2021 – 2022 بقيمة 2400 جنيه شهريًا (78 دولارا).
وفي العام الجاري لم تلق الزيادة قبولاً لدى الشركات، والتي اشتكت من عدم قدرتها على تحمل الفاتورة المرتفعة للأجور بعد الزيادة.