الاتفاق النووي يضبط سلوك حماس والجهاد ضد إسرائيل

تسعى إيران إلى استثمار نفوذها على حركات المقاومة الفلسطينية من أجل تحقيق مصالحها الذاتية تحت عناوين مختلفة أبرزها تنسيق الرد على إسرائيل. وتحاول طهران تجنب أي تصعيد الآن في الأراضي الفلسطينية قد يؤثر على سير مفاوضات الاتفاق النووي أو يطيل أمدها.
القاهرة - زادت القيادة الإيرانية توظيفها البراغماتي لأوراقها الإقليمية على أمل إعادة صياغة رؤية تمكّنها من عدم تكرار التحديات التي واجهتها الفترة الماضية، فانفتحت على السعودية وتنتظر تجاوبا مصريا.
وأرسلت قبل أيام إشارة نوعية إلى إسرائيل تريد بموجبها أن تخفف من تصعيدها المستمر حيالها عبر إقناع طهران لحركتي الجهاد وحماس بضبط النفس واستيعاب الصدمات العسكرية في الأراضي المحتلة.
فبعد أن استمرت المراوحة الإيرانية لورقتي حماس والجهاد لتثبيت حضور المقاومة والرد على الهجمات الإسرائيلية ظهر ميل للضغط عليهما وتغليب التهدئة لتهيئة الأجواء لصفقة جديدة بشأن الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.
ولم يكن الجمع مؤخرًا بين زعيمي حماس إسماعيل هنية والجهاد الإسلامي زياد نخالة في طهران متعلقًا هذه المرة بالتصعيد وتوحيد المقاومة وتوصيل رسالة إلى تل أبيب بالتضامن بين الحركتين، بل السعي إلى توفير هدوء يساعد إيران على تحقيق اختراق في بعض القضايا الإقليمية.
وتزامن اجتماع هنية والنخالة مع مسؤولين كبار في طهران منذ أسبوع مع العملية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في جنين بالضفة الغربية.
وتجاوز الاستدعاء المزدوج والعاجل ما قاله أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان إن “المقاومة الطريقة الأكثر فعالية لإنهاء أكثر من 75 عامًا من الاحتلال لفلسطين”.
وذكرت تقارير إيرانية أن الرسالة التي تلقاها هنية والنخالة تتعلق بتثبيطهم المقاومة وإبلاغ حماس والجهاد بالتزامات طهران الجديدة بعد التقدم النسبي الذي أحرز في المفاوضات مع واشنطن بشأن الاتفاق النووي.
وفي المقابل، يشير تحريك قيادات الحرس الثوري وفيلق القدس لبعض الخيوط الفلسطينية لمحاولة إبقاء الباب مواربًا إلى حين الدخول في تفاهمات حول ملفات كبرى مع الولايات المتحدة بجعل حماس على الحياد وضبط سلوك الجهاد في التعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.
ومنحت طهران في وقت سابق الضوء الأخضر لقادة الجهاد لإطلاق صواريخ داخل العمق الإسرائيلي على فترات متفاوتة ردًا على بعض الهجمات التي تستهدف مواقع إيرانية في الداخل السوري.
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أحمد فؤاد أنور إن إيران تجيد استخدام أداتي المرونة والقوة مع الجهات التابعة لها، وتستثمر نفوذها الكبير عليها بالصورة التي تمكنها من تحقيق أغراضها في الزمان والمكان اللازمين، وهو ما تعمل على تطبيقه في حالتي حماس والجهاد.
وأضاف لـ”العرب” أن للحركتين حساباتهما الداخلية والإقليمية التي ربما لا تلتقي مع طهران، وهي معضلة واجهتهما كثيرا، لأن تنفيذ تعليمات إيران يصطدم أحيانا مع تقديرات دول كبرى، أبرزها مصر، والتي لها باع طويل في القضية الفلسطينية وتوابعها، ويزعجها كثيرا تنامي دور طهران وتسخيرها لبعض الأذرع التي تؤثر على الأمن القومي العربي.
وشدد فؤاد على أن القاهرة تلعب دور المايسترو في التهدئة وليس طهران التي تديرها الآن من زاوية تتعلق بمصالحها المباشرة، ويمكن أن تقلب الطاولة إذا تعارضت معها، لذلك مهما اتسع نطاق التوظيف الإيراني، عسكريا وسياسيا، يبقى مرهونا بمدى إضراره بأمن قوى إقليمية كبرى.
ونشطت حركة الجهاد عسكريا في العامين الماضيين وبدت منزعجة من ضربات نفذتها إسرائيل ضد مصالح إيران في سوريا، باعتبارها قد تؤدي إلى توجيه ضربات قاسية لعدد من جيوبها في غزة والضفة الغربية.
وراجت أخيرا معلومات في الاتجاه العكسي بعد ارتماء حماس كثيرا في الحضن الإيراني وتعزيز علاقاتها مع حزب الله اللبناني، ما يجعل قدرة حماس على ضبط سلوك الجهاد العسكري في غزة تتراجع.
ويؤدي توثيق العلاقة بين حماس ومحور إيران، ويعد حزب الله والجهاد من أهم معالمه في المنطقة، إلى مضاعفة استخدام طهران للورقتين الفلسطينيتين لتخفيف الضغوط عليها أو إشعال مواجهة مع إسرائيل.
وقطعت التطورات الجارية في مباحثات إيران النووية مع واشنطن وصولًا إلى وجود مؤشرات على إنجاز الاتفاق بين الطرفين الشك باليقين، فلا يتسق التوصل إلى اتفاق مع الإبقاء على مشهد الحرب بالوكالة داخل الأراضي الفلسطينية واستمرار الدعم التسليحي والمالي الإيراني.
ولم تُكشف بعد أسرار ما جرى الاتفاق عليه بين طهران وحماس والجهاد الإسلامي، لكن الربط بين الخيوط يشي بقراءة إيرانية لدور الحركتين كعنصر تفاوض يساعد في تسهيل مهمة التوصل إلى الاتفاق النووي وتغيير الدعم المقدم لهما وإبلاغهما أن فرملة الأعمال العسكرية حاجة مُلحة.
وقد يظل ما جرى الاتفاق عليه بين المركز (طهران) والوكلاء (الجهاد وحماس) طي الكتمان، ومواصلة المزايدة على بعض الدول العربية الفاعلة في الإقليم في ملف المقاومة والحفاظ على “إكليشيهات” دعائية خاصة بالزعم المتداول بأن إيران هي الأمل لتحرير الأرض والمقدسات.
وتخطط طهران لإبقاء صورتها كزعيمة لمحور المقاومة والممانعة، وتسعى للتهدئة مع إسرائيل بشكل غير مباشر، وربما تقدم تنازلات كبيرة لها من خلال عملية كبح حركتي الجهاد وحماس.
ويواجه التوظيف الإيراني لحماس وصمتها على الاعتداءات الإسرائيلية أزمة داخلية بشأن السحب من شعبيتها وبروز حركة الجهاد وكيانات جديدة مثل مجموعة “عرين الأسود” في الضفة الغربية في صدارة المقاومة.
التوظيف الإيراني لحماس وصمتها على الاعتداءات الإسرائيلية يواجه أزمة داخلية بشأن السحب من شعبيتها وبروز حركة الجهاد وكيانات جديدة
وتخشى حركة حماس أن يؤدي اندلاع حرب أخرى مع إسرائيل إلى ثورة ضد حكمها في قطاع غزة من قبل فلسطينيين يُعانون أزمات معيشية عميقة، كما باتت قلقة من أن تكرر موقف السلطة الفلسطينية منها، حيث يقود تضخم الجهاد إلى مناطحة حماس على من يتحكم في غزة.
وتحتل حماس مكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) عندما أصبحت لديها مسؤوليات الحكم في غزة، وتأخذ حركة الجهاد مكان حماس عندما اتهمت سابقا أبومازن بـ”الخيانة” واحتاج الفلسطينيون نحو 15 عاما ليكتشفوا صحة موقفه وقت أن دعا لوقف حماس لإطلاق صواريخها.
وربما تصبح التطورات المتعلقة بالاتفاق النووي وما يعنيه من التزامات إقليمية المنقذ لموقف حماس المعقد التي تريد عدم فقدان مكانتها بوصفها جزءا رئيسيا في جسم المقاومة، والتمسك بهيمنتها على غزة، ما يتطلب إبداء مواقف مرنة مع إسرائيل والتجاوب مع أهداف إيران.
ويعفي دفع طهران نحو التزام التهدئة مع إسرائيل حماس من الحيرة التي لازمتها أخيرا لتصل إلى الحالة التي تحافظ بها على أركان سلطتها في غزة وتبقي على مركزها في صدارة المقاومة.
كما يمنح الجهاد فرصة لالتقاط الأنفاس بعد آخر جولتين خاضتهما الحركة ضد إسرائيل، بما يمكّنها من إعادة ترتيب أوضاعها العسكرية التي تأثرت بمصرع عدد من قياداتها في الجولة الأخيرة.
ويصب توثيق التحالف بين طهران وحماس في مصلحة الجهاد التي طالما اتهمها قادة جماعة الإخوان في فلسطين بالتشيع وتحولها إلى جسر تعبر منه إيران إلى الداخل الفلسطيني.
ويوحي إلزام الحركتين بالتهدئة بأوامر إيرانية أن بعض القوى الإقليمية التي كانت على علاقة قوية بهما يمكن أن يتراجع تأثيرها، في حالتي الحرب والسلام، فالاستجابة التامة لحسابات طهران تؤكد أن الفترة المقبلة سوف تشهد تحولات تتعلق بالدول التي اعتادت حماس التنسيق معها، وبدت الجهاد متفهمة لتحذيراتها.