إقرار قانون الإعلام الجديد بعيوبه من أجل "مصالح الجزائر العليا"

"القانون العضوي للإعلام" يتضمن 55 مادة تنص على عقوبات مالية تصل إلى 14 ألف يورو لمن يتلقى تمويلا أو إعانة من "جهة أجنبية".
الثلاثاء 2023/06/27
العمل الصحفي تحت الرقابة

الجزائر - صادق نواب مجلس الشعب الوطني بالأغلبية على نص القانون العضوي المتعلق بالإعلام بأكمله بعد إعادة صياغة المادة 22، التي كانت مثار خلاف بين غرفتي البرلمان.

وتتعلق المادة 22 باعتماد مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية في الجزائر، حيث وقع الخلاف بعد اعتماد المجلس الشعبي الوطني تعديلا يجبر وزارة الاتصال على الرد على الطلبات في فترة أقصاها شهر، بينما رفض مجلس الأمة (الغرفة الثانية) هذا التعديل وقام بتعطيله، مما أدى إلى إنشاء لجنة متساوية الأعضاء بين المجلسين اتفقت على الصياغة الجديدة التي ألغت إلزامية تحديد مدة الرد.

وأكد وزير النقل يوسف شرفة، ممثلا للحكومة الجزائرية، أن “الجزائر لن تقبل استعمال حرية التعبير كذريعة لزعزعة استقرارها وضرب سيادتها الوطنية”.

وثمن شرفة جهود اللجنة المتساوية الأعضاء لغرفتي البرلمان في التوصل إلى صيغة توافقية للمادة 22 من نصّ مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام، معتبرا أن هذه المادة بصيغتها الجديدة “تشترط على الصحافي الذي يعمل بالجزائر لحساب وسيلة إعلام خاضعة للقانون الأجنبي أن يحوز مسبقا على الاعتماد وتحدد كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم”.

يوسف شرفة: بلادنا لن تقبل استعمال حرية التعبير كذريعة لزعزعة استقرارها
يوسف شرفة: بلادنا لن تقبل استعمال حرية التعبير كذريعة لزعزعة استقرارها

ويتضمن” القانون العضوي للإعلام” 55 مادة تنص على عقوبات مالية تصل إلى 14 ألف يورو لمن يتلقى تمويلا أو إعانة من “جهة أجنبية”، مع إلزامية إثبات مصدر أموال الاستثمار في مجال الإعلام والاتصال.

وطرح أعضاء المجلس إشكالية مشاركة الجزائريين مزدوجي الجنسية بالاستثمار في قطاع الإعلام، بما أن القانون يتحدث عن “الحاملين للجنسية الجزائرية حصرا”.

وسبق أن انتقد رئيس المجلس صالح قوجيل والعديد من الأعضاء غياب النصوص التطبيقية المذكورة في القانون، وذكر أن “الشيطان يسكن في التفاصيل”.

وهذا أول تعديل في قانون الإعلام يصدر في عهد الرئيس عبدالمجيد تبون منذ وصوله إلى الحكم في نهاية 2019، إذ سبق للحكومات الجزائرية المتعاقبة تعديل القانون الصادر في 1990 عدة مرات.

وبرر ممثل الحكومة التعديل بأن وسائل الإعلام لها تأثير على الرأي العام وقدرة كبيرة على توجيهه، مشيرا إلى أن “الصيغة الجديدة للمادة 22 المعدلة بصيغة توافقية تسهم في الحفاظ على المصالح العليا للبلاد، مراعية في ذلك تأثير الإعلام على الرأي العام ومصالح الدولة والجماعات، كما أنها تسد جميع المنافذ التي يمكن استغلالها من الأجانب للتدخل والمساس بالجزائر وبسيادتها في محيطها الإقليمي والدولي”.

وأضاف شرفة أن الجزائر تحرص، في إعدادها للنصوص التشريعية المتعلقة بالحقل الإعلامي، على سد كل المنافذ التي يمكن استغلالها من طرف جهات أجنبية تتخذ من حرية التعبير ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة، وتعمل على زعزعة استقرارها والمساس بسيادتها ووحدتها الترابية.

وانتقدت الكثير من منظمات المجتمع المحلي والدولي القانون الذي يتضمن العديد من العيوب، وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ المادة (4) من مشروع القانون اشتملت على أحكام قد تكون تمييزية، إذ حرمت الجزائريين مزدوجي الجنسية من الاستثمار في قطاع الإعلام، وحصرت ذلك بحملة الجنسية الجزائرية فقط، في مخالفة صريحة للمادة (32) من الدستور الجزائري.

القانون يفرض على الصحافي التصريح بمصدره أمام القضاء، وهو ما سيقلص من فرص الصحافيين ووسائل الإعلام في إعداد ونشر تحقيقات استقصائية

ولفت المرصد إلى أنّ مشروع القانون قد يقيّد أو يحدد تعاون الصحافيين ووسائل الإعلام مع نظرائهم في الخارج، إذ ينصّ على إلزامية الحصول على “اعتماد” من أجل العمل في الجزائر لصالح وسائل إعلام أجنبية، وهو ما يمنح الجهات الحكومية سلطة وسيطرة مطلقة على تحديد هوية الأشخاص العاملين مع وسائل الإعلام الأجنبية، ويثير مخاوف حول حرية ممارسة أنشطتهم الصحفية.

ويفرض القانون كذلك على الصحافي التصريح بمصدره أمام القضاء، وهو ما سيقلص من فرص الصحافيين ووسائل الإعلام في إعداد ونشر تحقيقات استقصائية، وخاصة فيما يتعلق بالملفات التي تخص الشأن العام، خشية تعرّض مصادرهم للملاحقة أو الأعمال الانتقامية.

لكن السلطات الجزائرية وجدت تبريرا لهذه الانتقادات بالقول إن السيادة الوطنية تقتضي تشديد القوانين، وبحسب شرفة “الجزائر اليوم تواجه تحديات كبيرة نظرا للدور المحوري والإستراتيجي الذي تقوم به على المستويين الإقليمي والدولي، الأمر الذي جعلها محل اهتمام مختلف وسائل الإعلام الأجنبية، والتي يتعين -وفق القانون الجديد- ضبط نشاطها بكيفية عقلانية وإخضاعها لشروط وكيفيات تحافظ على المصالح العليا للبلاد”.

وأوضح المتحدث أن منح الاعتماد المؤقت لوسائل الإعلام الأجنبية يتم من طرف وزارة الخارجية والجالية باعتبارها المخولة قانونيا للقيام بذلك، بعد الرجوع إلى تقارير قنصلياتها في الخارج.

أما الاعتماد الدائم الخاص بالمراسلين ووسائل الإعلام الأجنبية فتمنحه وزارة الاتصال، ويكون بناء على التحريات وبالرجوع إلى المصالح المؤهلة، وهذا حتى يكون القرار صائبا.

وبهذه المصادقة ضرب مجلس الشعب عرض الحائط بكل الدعوات التي تلقاها بشأن إعادة النظر في جميع مواد “القانون العضوي للإعلام” التي قد تسهم في تقييد حرية وسائل الإعلام.

5