الرواية الأردنية تعرف انتشارا عربيا رغم تراجع النقد

تعرف الرواية الأردنية في السنوات الأخيرة انتشارا عربيا هاما، ورغم عراقتها فقد تأخر نسبيا هذا الانتشار المرتبط أساسا بالجوائز والنقد الأدبي، علاوة على توفر منظومات نشر وتوزيع محترفة. وفي رصد لانتشار الرواية الأردنية وواقعها وتاريخها التأم مؤخرا ملتقى السرد الأردني.
عمان - عاين كتاب ونقاد وباحثون أردنيون وعرب حضور الرواية الأردنية عربيا، في ملتقى السرد الأردني الأول الذي نظمه مختبر السرديات الأردني، بالتعاون مع مؤسسة عبدالحميد شومان، السبت، في منتدى شومان الثقافي بعمان.
وأكدوا، في الملتقى الذي حمل في دورته الأولى عنوان “حضور الرواية الأردنية عربيا”، أن الرواية الأردنية التي شهدت أول تمظهراتها عام 1912 برواية عقيل أبوالشعر "الفتاة الأرمنية في قصر يلدز" وكانت صدرت باللغة الفرنسية في باريس، لم تغب عن الساحة العربية منذ أربعينات القرن الماضي، وتشهد في العقد الأخير من القرن الحالي صعودا لافتا في حضورها العربي. كما نبهوا إلى أهمية الترجمة ودورها في نشر الرواية الأردنية عالميا، لافتين إلى أهمية تكثيف الدراسات الأكاديمية حول الرواية الأردنية.
في الجلسة الافتتاحية للملتقى الذي شهد حضورا نوعيا وعدديا من الكتاب والأكاديميين والمثقفين، ألقى رئيس مختبر السرديات الروائي والكاتب المسرحي مفلح العدوان كلمة لفت فيها إلى أن هاجس المختبر في هذا الملتقى معاينة واقع الرواية الأردنية، وما حققته من حضور على المستوى العربي، إن كان على مستوى النقد، أو تناولها في البحث والرسائل الجامعية، أو فوز كتابها بالجوائز العربية والعالمية، بالتوازي مع مقرؤيتها خارج حدود الأردن، بعد أن راكمت منذ جيل الرواد في الكتابة الروائية، مرورا بأسماء وعناوين كثيرة، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.
وأشار إلى أن هذا التراكم من الإنجازات التي حققتها الرواية الأردنية، لتنافس على المستوى العربي، كان بإبداعات وجهود مبدعين وروائيين أردنيين طوروا من أدواتهم وأساليبهم الكتابية، ليكونوا جزءا من الرواية العربية الجديدة، حيث تجرأوا في المغامرة والتجريب، مع توصلهم مع التراث السردي والهوية العربية الحضارية، وقدموا الأفكار والتأملات والرؤى في الواقع والإنسان بكل صراعاته الداخلية والخارجية، وصاغوها بأشكال وقوالب مبدعة لافتة وخلاقة.
واستذكر العدوان روائيين أردنيين كانت لهم مساهمات على خارطة الرواية العربية، بدءا من عقيل أبوالشعر الذي كانت أول أعماله الروائية “الفتاة الأرمنية في قصر يلدز” عام 1912، لتكون من أولايات الروايات العربية، وروكس العزيزي في روايته “أبناء الغساسنة وإبراهيم باشا” الصادرة عام 1937، وفي الأربعينات من القرن الماضي تحضر روايات كتبها تيسير ظبيان، وشكري شعشاعة، وعبدالحليم عباس، وعيسى الناعوري، وحسني فريز.
ولفت إلى أن مرحلة الستينات شهدت النضوج الفني للرواية الأردنية، وربما يبنى عليها التأسيس الحقيقي شكلا ومضمونا، حين يكون استحضار “أنت منذ اليوم” لتيسير سبول، و”الكابوس” لأمين شنار، و”أوراق عاقر” لسالم النحاس و”الضحك” لغالب هلسا، وفي السبعينات الرواية اللافتة لفؤاد القسوس “العودة إلى الشمال” عام 1977.
وقال إن الحضور النوعي والكمي للرواية الأردنية، يعكس منتج أجيال من المبدعين الذين قدموا تلك الإبداعات على اختلاف مستوياتها، وهذا المنتج الروائي يحمل المؤسسات الثقافية والنقدية والأكاديمية والإعلامية في الأردن مسؤولية معاينتها، وتقديمها، وترويجها، والالتفات إليها، ونقدها وقراءتها.
تطور الرواية
ودعا العدوان المؤسسات الثقافية ووزارات الثقافة، والتربية والتعليم والتعليم العالي، والشباب إلى أن تخطوا خطوة إيجابية لدعم وتقديم الأدب الأردني عامة، والرواية الأردنية خاصة، لتكون جزءا من برامجها، ومناهجها، ولتكون حاضرة لدى الطلبة والشباب ولدى مختلف شرائح المجتمع، وقطاعات الوطن.
من جهته، ألقى كلمة مؤسسة شومان مدير منتدى شومان الثقافي والبرامج الثقافية والجوائز في المؤسسة الكاتب موفق ملكاوي، قال فيها “نستطيع في ضوء هذا الملتقى أن نختبر ليس حضور الأدب فقط، بل الفاعلية الثقافية والإعلامية الأردنية أيضا، ومدى قدرتهما على الحضور في الساحات العربية الأخرى، وتقديم المنتج المحلي بما يليق به من ألق وزهو”.
ونوه بالشراكة مع المختبر وجهوده بإقامة هذا الملتقى الذي يأخذ على عاتقه دراسة النماذج السردية الأردنية ومحاولة رسم خطوط الالتقاء بينها، فضلا عن مقارنتها بالسرديات العربية، والتأشير على الفرادة والاختلاف في كل منهما، وهو ما يشي بوجود مشروع ثقافي حقيقي لدى القائمين على هذا المختبر.
في الجلسة الأولى التي ترأسها القاص مخلد بركات، استعرض الناقد الدكتور زياد أبولبن في ورقته المعنونة بـ”الرواية الأردنية.. رؤيا استشرافية، النشر أنموذجا”، محددات حضور الرواية الأردنية عربيا، والعوامل التي أسهمت في انتشارها عربيا، ومنها حركة النشر، حركة الترجمة، الجوائز العربية، الملتقيات والمؤتمرات والندوات، الدراسات النقدية، المعارض الدولية للكِتاب، المجلات الثقافية، شبكات الاتصال والتواصل، الهيئات والمنتديات والروابط والاتحادات الثقافية، وهجرة المثقفين والكتاب من أقطار عربية للأردن ومنها كمثال على ذلك العراق.
وأشار إلى أن نشاط الحركة الثقافية في الأردن قد بدأ بشكل لافت للنظر مع الألفية الثالثة، أي ما بعد عام 2000، إذ فرضت الرواية الأردنية نفسها على باقي الأجناس الأدبية، في الوقت الذي تراجعت فيه تلك الأجناس من شعر وقصة ومسرحية وغيرها أمام الرواية.
وهذا التراجع، بحسب أبولبن، مرده ليس إلى النشر التراكمي، وإنما إلى اهتمام القارئ والناشر معا، وفيما يبدو على المستوى الكمي إن ما نشر من روايات بعد عام 2000 يعادل إن لم يزد عما نشر من روايات قبل عام 2000، منذ صدور رواية عقيل أبوالشعر “الفتاة الأرمنية في قصر يلدز” عام 1912، بوصفها الرواية الأردنية الأولى، مشيرا إلى أنه صدرت في عقد واحد 700 رواية أردنية ما بين عام 2007 وعام 2018.
وأشار إلى حركة التواصل المبكرة بين المثقفين والمبدعين العرب، لمسار الرواية الأردنية وانتشارها عربيا منذ بواكير نشأتها، مبينا أن النشر خارج الأردن أسهم في حضور الرواية عربيا. وقال إن الثقافة كانت تشكل وحدة حال في فلسطين والأردن، ولهذا من الصعوبة بمكان فصل العلاقة بين منتجي الثقافة في الأردن وفلسطين، موضحا أن تحديد هوية الكتابة يخالطه بعد تاريخي بين القطبين اللذين تشكلا في كيان سياسي واجتماعي وثقافي واحد، فما ينشر في القدس يقابله نشر في عمان.
◙ ليس للجائزة موقع في عملية الكتابة الأصيلة، لأنها تجعل النص يكتب وفقا لسلطة المعايير غير الفنية
وفي هذا الإطار، أشار إلى رواية الكاتب محمد عزة دروزة “وفود النعمان على كسرى أنو شروان الضحية” التي صدرت في القدس عام 1912، ورواية الكاتب عبدالحليم عباس “فتاة فلسطين” في عمان عام 1949، ورواية الكاتب محمد أمين الكيلاني “واقعة وادي موسى” في حلب عام 1920، وروايته الثانية “علي بك الكبير” في حماة عام 1928.
وقال إن النشر انحسر في بلاد الشام والعراق وبعض دول الخليج ومصر، ولم تنفتح نافذة النشر على دول المغرب العربي وليبيا حتى عام 1972، مشيرا إلى أن الشاعر والروائي خالد محادين نشر روايته “الشرايين الصدئة” في طرابلس ليبيا عام 1972، ثم توالى النشر في عدد من الأقطار العربية حتى نهاية الألفية الثانية بصدور 5 روايات عام 2000 في بيروت، ثم توسع النشر في الوطن العربي في الألفية الثالثة.
واستعرض أبولبن عدد ما صدر من روايات في فلسطين والأردن حسب العقود العشرية، متكئا على بيبلوغرافيا الرواية في فلسطين والأردن في القرن العشرين للدكتور شكري عزيز الماضي، بدءا من الفترة 1911 – 1920 والتي صدرت فيها ثماني روايات، وصولا إلى الفترة 1991 – 2000 والتي صدرت فيها 185 رواية، مبينا أن مجموع ما صدر في الحقبة الزمنية منذ عام 1911 إلى غاية عام 2000 بلغ 630 رواية.
كما استعرض ما صدر من الروايات الأردنية خارج الأردن وفلسطين في عقود عشرية منذ الفترة 1911 – 1920 وإلى غاية الفترة 1991-2000، مبينا أن المجموع الكلي لما صدر منذ عام 1911 إلى غاية عام 2000 بلغ نحو 253 رواية.
واستعرض كذلك عدد ما صدر من روايات موزعة على الأقطار العربية في عقود عشرية منذ الفترة 1911 – 1920. ولفت إلى أن خلال ما يقارب تسعين عاما منذ بداية كتابة الرواية الأردنية جرى نشر رواية واحدة في الأقطار المغاربية وكانت في تونس، رائيا أن ذلك يدل على تأخر حضور الرواية الأردنية لدى المغاربة على مستوى النشر، وقد يكون قد تقدم حضورها ضمن عوامل أخرى.
الانتشار العربي
ونوه بأن الرواية الأردنية بعد البدايات، خاضت تجارب كتابية جديدة، وشكلت مرحلة التأسيس لرواية حديثة، مشيرا إلى أن تيسير سبول شكل أولى التجارب الروائية الناجحة في روايته “أنت منذ اليوم” التي صدرت في بيروت عام 1968، وكذلك رواية أمين شنار “الكابوس”، التي صدرت في بيروت في العام نفسه، وقد فازت الروايتان بجائزة جريدة “النهار”، وكان لهما الأثر في مغامرة الكتابة الروائية.
وتناول الشاعر والباحث محمد سلام جميعان في ورقته التي حملت عنوان “الرواية الأردنية تفاعلاتها وإشكالاتها” ما يعترض الرواية الأردنية من إشكالات تعانيها في مواجهة الآخر، متسائلا “كيف ينتشر الأدب الأردني في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي بالرغم من شح وسائل النشر، ومحدودية منابر الإعلام وقلتها، في حين ينطمس وتذوي أصداؤه حين تتعدد المنابر وتتكاثر الوسائط؟”.
وأشار إلى أن مارون عبود تناول في كتاب أسماه “على الطائر” نحو 700 شخصية أدبية من أدباء العرب في مشرق الوطن العربي ومغربه، وكان للأدباء الأردنيين نصيب موفور من هذه الأحاديث، ومنهم الأدباء حسني فريز وعيسى الناعوري وعبدالحليم عباس وروكس العزيزي ومحمد أديب العامري، وخليل هنداوي، وعصام حماد، ورشيد زيد الكيلاني، وغيرهم.
ولفت إلى دور الجغرافيا الثقافية بالتأثير المتبادل بين المجتمعات البشرية والمحيط البيئوي الذي نشأت فيه الرواية الأردنية، والذي لا يمكن فصله عن بلاد الشام، مشيرا إلى أن من يتعامل مع الرواية الأردنية قراءة ونقدا ودراسة يستطيع أن يرى امتدادها على فسيفساء واسعة من الاتجاهات والمضامين والقضايا والمراحل التي مرت بها.
وأكد أن الرواية الأردنية منذ بواكيرها حتى آخر اتجاهات الحداثة في مضامينها وبنائها الفني تتصل اتصالا وثيقا بالرواية العربية وتياراتها واتجاهاتها وأذواقها الفنية وثيماتها الموضوعية في كل سِماتها الحاكمة على أنساقها ومسيرتها.
ورأى أن حراك الرواية الأردنية يمكن ترسيمه في 4 مناظير هي: مرحلة التأسيس، ومرحلة حرب حزيران، ورواية الثمانينات من القرن الماضي، والرواية المعاصرة والحداثية.
ونوه بالأدب الذي تكتبه المرأة الأردنية، لافتا إلى روايات نسوية أردنية حققت نجاحا وحظيت باهتمام من النقاد والدارسين، ونالت شهرة وانتشارا بين جمهور قراء الرواية في الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، وترجم بعضها إلى عدد من اللغات الأوروبية والآسيوية، وازداد الاهتمام بها في الدوائر الأكاديمية ودور البحث والنشر، ومنهن الروائيات الأردنيات فاديا الفقير، وليلى حلبي، وناديا أبوجابر.
وفي شهادة إبداعية قدمها الروائي قاسم توفيق الذي تعذر حضوره لأسباب صحية وقرأها بالنيابة عنه الروائي مفلح العدوان، قال فيها “إن حديث المؤلف عن العوالم التي شكلت روايته، يغيب أثر هذه العوالم عليه، ليس من جانب الحدث الواقعي أو الخيالي الذي جاءت منه الرواية، بل من جانب العلاقة التي تنشأ بينه وبين العوالم والشخصيات التي صاغها وتحولت إلى كتاب، وكان لها أثر واضح على العملية الإبداعية منذ بداية تجليها بالأفكار، وفي الكلمات التي تجمعت في ملزمات من الورق حتى أضحت رواية”.
وأضاف أن الكتابة هي جرأة المواجهة والكتابة المكشوفة والثائرة والصارخة، وهي بطولة ومغامرة، مستعرضا سيرته الإبداعية وما واجهه من تحديات ومفاهيمه تجاه الكتابة والإبداع والسرد الأدبي.
وفي الجلسة الثانية التي ترأسها الروائي عبدالسلام صالح تناول الناقد والأكاديمي ليث الرواجفة في ورقته الموسومة بعنوان “توجهات البحث الأكاديمي في دراسة الرواية الأردنية.. بيبلوغرافيا وقراءة نقدية في رسائل الماجستير والدكتوراه 2000 – 2023″، الرسائل الجامعية وفق المبدأ الإحصائي حول الرواية الأردنية، ووفق استخدام أسلوب “تحليل المضمون” على عناوين وملخصات – وأحيانا نص وفهرس – بهدف تحديد موضوعاتها، والفترات التاريخية التي عالجتها، ومدى الفائدة التي حققتها هذه الرسائل، ومدى انعكاسها على واقع الرواية الأردنية.
وأشار الرواجفة إلى أنه بعد إجراء البحث والمسح الإحصائي لأطروحات الدكتوراه ورسائل الماجستير في قواعد البيانات العالمية، ومحركات البحث، والمواقع الإلكترونية للجامعات الأردنية، ودوائر المكتبات الوطنية لمعظم الدول العربية، توصلت هذه الورقة إلى أن الرسائل التي تضمن عنوانها “الرواية الأردنية” قد بلغت 18 أطروحة دكتوراه، و29 رسالة ماجستير خلال الفترة الممتدة من 2000 – 2023، كان أغلبها في الجامعات الأردنية عدا أطروحتين: واحدة كانت في جامعة الإمام في السعودية، وأخرى في جامعة المنصورة في مصر، ورسالة ماجستير واحدة في جامعة أم درمان في السودان.
وواصلت الجلسة الثانية مع الناقدة والأكاديمية مريم جبر فريحات، في ورقتها التي حملت عنوان “الرواية والنقد الأكاديمي في الأردن.. أطراف المعادلة النقدية والرواية”. ولفتت إلى أن الرواية شهدت ولا تزال تشهد الكثير من التحولات انصياعا لجملة من العوامل التي أسهمت في تصدع بنيان الرواية التقليدية العربية عامة، بل ربما تكون الرواية الأردنية خير تمثيل لهذا التحول، لخصوصية المكان الجغرافي وقربه من الهزة الكبرى التي تمثلت بهزيمة يونيو.
وبينت أن التجديد لا بد له أن يخضع لإرهاصات يصدر بعضها عن الذات الكاتبة نفسها، وبعض آخر نتاج معطيات ومؤثرات خارجية، تتعلق بالواقع وما يشهده من متغيرات انعكست على طبيعة الشكل الروائي ومضامينه. وأكدت أهمية هاجس الوعي على الذات، وعلى الخارج، وعلى الفن، الذي سيدفع باتجاه اجتراح تقنيات جديدة، ومضامين جديدة هي نتاج تغير في الفكر وفي البناء الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يكن الروائي الأردني بمنأى عن أثره. وخلصت إلى ضرورة الإقرار بالحاجة إلى نقد علمي موضوعي حقيقي يواكب هذه المسيرة المدهشة للرواية الأردنية.
وعبر تقنية التواصل عن بعد “الزووم”، تناول الكاتب المصري منير عتبة في ورقة بعنوان “السرد الأردني.. عين على الحياة والمستقبل.. إطلالة على نماذج من الرواية الأردنية المعاصرة”، نماذج من الروايات الأردنية موضوعها الرئيس هو الموت، أو فضاؤها السردي هو التاريخ، لاختبار رؤية الكاتب تجاه الحياة والحاضر والمستقبل. وتحدث عن رواية “تراب الغريب” للروائي هزاع البراري، لافتا إلى إشكالية الموت كنقيض للحياة، ومحاولة الحياة للانتصار على الموت، وذلك من خلال ما يمكن أن نطلق عليه “شعرية الموت” في مقابل “واقعية الحياة“.
كما تحدث عن رواية “يحيى” للروائية سميح خريس التي وصفها بالكتابة عن الماضي انتصارا للمستقبل، لافتا إلى أن الأديبة خريس تخوض مغامرة فنية وفكرية بروايتها “يحيى”، إذ تنفسح الرقعة الجغرافية للرواية ما بين الكرك وصحراء سيناء والقاهرة ودمشق وإسطنبول والأندلس وأوروبا، ويمتد الزمن منذ ما قبل ميلاد بطلها يحيى الكركي حتى إعدامه، لكن الأهم هو الانفتاح غير المحدود لتحليق الروح وأسئلة العقل والوجود على امتداد الرواية.
كما تناول في ورقته بالتحليل رواية “العتبات” للروائي مفلح العدوان، واصفا بأنها الكتابة عن الجغرافيا لصنع تاريخ جديد. وقال إن العدوان يحفر في طبقات جغرافيا الأرض، والطبقات الثقافية التي تحملها الجغرافيا في تفاعلها مع الناس والأزمنة. كما تناول في ورقته روايتي “في ظلال الواحد” و”شات” للكاتب محمد سناجلة التي تؤشر على استخدام تقنية المستقبل في كتابة الرواية.
النقد والجوائز
في شهادته الإبداعية التي قدمها في الجلسة، قال الروائي جلال برجس “أكتب لأني خائف على نفسي في هذا العالم الذي بات أكثر كراهية وحروبا وتراجعا للقيم الإنسانية، وبالتالي أسعى عبر ما صدر لي من رواياتي إلى إزالة هذا الرماد الذي يتراكم على نافذتي الداخلية وإني أريد أن أرى العالم ونفسي واضحين من خلالها”. وفي الجلسة الثالثة والأخيرة، والتي ترأسها الروائي رمضان الرواشدة، لفتت الأكاديمية والروائية شهلا العجيلي في ورقتها المعنونة بـ"الجائزة: موقعها من الكتابة وفاعليتها في السياق الثقافي" إلى أن النص الروائي يحتاج إلى أن يعالج بكل من الحس الواقعي، والحس التاريخي، والحس الاجتماعي، والحس الفني.
وفي هذا الإطار، بينت أن هذا كله تصنعه اللحظة التاريخية التي يعيشها كل من الكاتب والمتلقي، مشيرة إلى أنه قد يفرض النص نفسه على الجائزة، لكنه لا يربحها لأن معاييرها ليست بالضرورة نصية. وقالت إن الجائزة ليس لها موقع في عملية الكتابة الأصيلة، لأنها تجعل النص يكتب وفقا لسلطة المعايير غير الفنية، ويصير دور الجائزة أشبه بدور الرقيب، في الأولى التوخي وفي الثاني المداراة أو التجنب، وهذا ضد حرية الإبداع، فتصير الجائزة هي المتلقي الافتراضي الذي يكتب له كاتبه، ويكيف نصه بحسب معاييره، فيفقد الأسلوب، الذي هو أهم ما يميز الكاتب.
وبحسب العجيلي يجب أن ينطلق النص بحرية، ووفقا لمعايير النوع الأدبي. وأشارت إلى أن فاعلية الجائزة قد تظهر في أنها تحرك العملية النقدية، وتلتفت إلى علاقة النص بمجتمعه، لكنها حركة مؤقتة، لا تطور الكتابة في مجتمعها بالضرورة، بل أحيانا، إذا كان النص لا يستحق الجائزة، ستجعل الكتاب الجدد يستسهلون الكتابة.
وقال الأكاديمي والناقد عماد الضمور إنه بعيدا عن حملات التشكيك والتسييس والنقد اللاذع الذي تم توجيهه للجوائز الأدبية بشكل عام وجوائز الرواية بشكل خاص، أجد نفسي في هذه الورقة البحثية الموسومة بـ”الرواية الأردنية في ميزان الجوائز العربية” أمام منجز سردي روائي بدأ ينشط منذ الألفية الجديدة وما زال يمارس ثورته الفكرية والجمالية حتى يومنا هذا، بعدما استطاعت الرواية الأردنية شق طريقها نحو آفاق أوسع من التجربة الفنية والتوغل في أعماق النفس الإنسانية بروح مستشرفة، وعين ثاقبة في نظرتها للواقع.
وأضاف الضمور أن غزارة الإنتاج الروائي الأردني في السنوات الخمس الأخيرة وما رافقها من حضور عربي واضح، جعلا من الرواية الأردنية صوتا مسموعا وفضاء واسعا تتداخل فيه الأجناس الأدبية والفنون البصرية. ونوه بأن الرواية الأردنية دخلت في معترك الجوائز العالمية، وخاضت بنجاح معركة إثبات أحقيتها بالوجود بين الرويات العربية متسلحة بإرث روائي، يعود إلى مرحلة التأسيس، وبما حققه الروائيون الأردنيون من وعي معرفي، ونضج فكري واضح، ومسيرة فنية تطورت عبر مراحل مختلفة.
وعبر تقنية التواصل عن بعد “الزووم”، قال الناقد والأكاديمي العراقي سعد محمد علي التميمي في ورقته المعنونة بـ”الرواية الأردنية من المحلية إلى العالمية.. قراءة في تجربة الروائي جلال برجس”، إن الرواية الأردنية حالها حال الرواية العربية، إذ ارتبطت مسيرة تطورها وتحديثها بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة بدءا بالحرب العالمية الثانية وحروب فلسطين، فضلا عن حروب العراق، وذلك لأن الرواية هي الجنس الأدبي القادر على استيعاب مثل هذه التحولات التي تعصف بالمجتمعات وتخلف وراءها العديد من المشكلات والآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على الفرد والمجتمع.
ورأى أن هذه التحولات كانت الانطلاقة الحقيقية للرواية الأردنية من تفاعلها مع قضايا المجتمع جراء الأحداث السياسية التي كانت لها آثار اجتماعية ونفسية على المجتمع والكتاب، فشرع الروائيون كل حسب رؤيته الفنية ومرجعيته الأيديولوجية والثقافية في معالجة هذه الأحداث في روايات حققت حضورا فاعلا في الساحة الأردنية والعربية.
وتطرق إلى الرواية الفائزة بالبوكر “دفاتر الوراق” لجلال برجس والتي وصفها بأنها تمثل تحديات الواقع الاجتماعي والنفسي، إذ إنها تنطلق من التداخل بين الذاتي والموضوعي عبر رؤية إشكالية في تقديم أجوبة لأسئلة الواقع، من خلال أزمة المدينة وتشتت الذات والصراع النفسي والاجتماعي، فضلا عن صراع الهوية ومواجهة الآخر والتمرد والاحتجاج على الواقع.
وفي ختام الندوة الموسعة قدم الروائي هزاع البراري شهادة إبداعية حملت عنوان “الرواية.. كتابة الخوف ومساكنة القلق” قال فيها “إن الرواية كتابة الضد، أو معاقرة الاحتجاج، فالكتابة عن الخوف فعل شجاعة، واليد المرتجفة تستند على قلب يربكه الحب، وكل ذلك يتكئ على عين ثاقبة غير مراوغة، فالخوف بلا ملامح مصادره مجهولة وهويته هلامية، وهذا ما يجعل الخوف مرعبا، الخوف مجهول، والمجهول مصدر كل المخاوف”.
ولفت إلى أن الكتابة في حد ذاتها أمل ومواجهة مستمرة للدمار الداخلي والخارجي، أن أفقد الأمل يعني ذلك أن أفقد سبل التواصل من الكتابة والحياة، ولكني لا أنظر إلى النصف الفارغ فقط ولا النصف المليء فقط، بل أنظر إلى الكأس بكليتها.