عمالة الأطفال في الجزائر.. البيانات الرسمية لا تعكس واقع الظاهرة

تستقطب الأسواق الفوضوية والشواطئ والمزارع والورش الأطفال الصغار في الجزائر أين يواجهون مخاطر جمّة، كما يمارس آخرون التسول. ورغم ما تخفيه الأرقام الرسمية عن عمالة الأطفال إلا أن الواقع يفضح الظاهرة التي لم تتمكن ترسانة القوانين من القضاء عليها. ويعاقب القانون الجزائري كل شخص مسؤول عن الاستغلال الاقتصادي للطفل بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية.
الجزائر - لا تعكس الأرقام الرسمية النسب الفعلية لعمالة الأطفال في الجزائر، حيث يؤكد الواقع ما تنفيه الحكومة. وقدر مسؤول في وزارة العمل الجزائرية نسبة الأطفال العاملين بـ0.001 في المئة من إجمالي اليد العاملة، وهي نسبة منخفضة جدا، لكن للواقع بيانات أخرى توحي بأرقام أكبر، خاصة أثناء المواسم والعطل الدراسية، حيث يتجه الأطفال لممارسة مختلف المهن التي تدر على عائلاتهم مداخيل إضافية وتؤمن لهم تكاليف دخول الموسم الدراسي.
وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان (هيئة غير حكومية لكنها مقربة من السلطة)، أن ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر تكاد تنعدم حاليا نظرا إلى الكم الهائل من الأدوات القانونية وآليات المراقبة، وحرص الدولة الدائم على إحاطة الطفل الجزائري بالحماية على شتى المستويات.
وقدرها بدرجة مئوية تساوي واحد في المئة، مما يوحي بأن الظاهرة لا تشكل قلقا للحكومة في ظل صرامة النصوص التشريعية التي تحرص على تطبيقها تفاديا لأي انتشار لها، لكن للشارع معطيات أخرى تفند أرقام الهيئة الحقوقية، فالشارع الجزائري يعج بأطفال يمارسون مهام مختلفة، خاصة في المواسم والعطل المدرسية.
لكن تقارير إعلامية محلية تتحدث عن انتشار ملحوظ لعمالة الأطفال خاصة في فصل الصيف في مختلف الفضاءات والمساحات، على غرار الشواطئ والأسواق الشعبية وحتى الطرقات العامة، أين يواجه هؤلاء مخاطر جمة، وتكشف عن اختلالات اجتماعية تغذت بواسطة تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وذكرت رسالة أصدرتها الهيئة الحقوقية بمناسبة إحياء اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال بأن "الجزائر تحرص في منظومتها التشريعية، وفي مختلف دساتيرها على حماية الطفل بشكل عام، بحيث جاء دستور 2020 ليؤكد حرص الدولة الدائم على حماية الأطفال من العمالة وذلك في المادتين 66 و71 منه".
وأضافت أن "الجزائر من أولى الدول المصادقة على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل العام 1992، والمصادقة على الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل عام 2003، فضلا عن انضمامها إلى الاتفاقية الدولية رقم 138 الصادرة عن المنظمة الدولية للعمل العام 1984، والاتفاقية الدولية رقم 182 المتعلقة بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والتدخل الفوري من أجل القضاء عليها سنة 2001".
وأكدت على أنه في الواقع تكاد ظاهرة عمالة الأطفال تنعدم حاليا في الجزائر نظرا إلى الكم الهائل من الأدوات القانونية وآليات المراقبة التي تكفل حماية الطفل من الاستغلال، وأن الإحصائيات الرسمية الأخيرة أفادت بأن نسبة عمالة الأطفال دون 16 عاما هي 0.001 في المئة من إجمالي اليد العاملة الوطنية.
وأرجع ذلك إلى ما سمّاه بـ"نتاج سياسة عامة رشيدة تحرص على منع عمل الأطفال دون 16 عاما، وعلى إلزامية التعليم للطفل الجزائري المكرسة في الدستور والتشريع من خلال النص على منع أي إقصاء للتلميذ الذي لم يبلغ سن الـ16 عاما كاملة من حقه في التعليم الأساسي".
وثمّن المجلس الوطني لحقوق الإنسان "حرص الدولة الدائم على إحاطة الطفل الجزائري بالحماية على مستويات متعددة، بدءا من تأمين إلزامية التعليم ومجانيته، ووصولا إلى توفير كل أشكال التعليم والتكوين المهنيين وفي كل التخصصات، والتي تواكب مستلزمات التنمية في عمق سياسة الدولة".
ويشدد القانون الجزائري العقوبات على كل شخص مسؤول عن الاستغلال الاقتصادي للطفل، حيث يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية كل من يستغل الطفل اقتصاديا، وتضاعف العقوبة عندما يكون الفاعل أحد أصول الطفل أو المسؤول عن رعايته.
لكن لرئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي مصطفى خياطي رأي آخر بشأن البيانات الرسمية، كونها تفتقد إلى المعايير التقنية في إعداد التحقيقات الاجتماعية، خاصة في ما يتعلق بإشراك المجتمع المدني والفواعل المختصة في هذا المجال.
ويرى أن العملية تتطلب التنسيق مع المجتمع المدني بمختلف مكوناته، لأن النسبة التي تقدمها وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي سنويا لا تعكس واقع الظاهرة، وأن الاستناد على بيانات القطاع الاقتصادي المنظم لا يفضي إلى نتائج حقيقية، لأن النشاط الموازي كالأسواق الفوضوية والشواطئ والمزارع والورش وحتى التسول هي الفضاءات الأكثر استقطابا لعمالة الأطفال.
◙ الترسانة القانونية التي تمنع تشغيل الأطفال لا يمكن أن توفق في القضاء على الظاهرة في ظل هيمنة القطاع الموازي
ولفت إلى أن الترسانة القانونية التي تمنع تشغيل الأطفال لا يمكن أن توفق في القضاء على الظاهرة في ظل هيمنة القطاع الموازي الذي لا يخضع إلى رقابة الهيئات الرسمية. ويعتبر أن الظاهرة تفرز تحولا بارزا في شخصية الطفل العامل، حيث يصبح أكثر ميلا إلى العنف والعناد، فالعبء الذي يتحمله نتيجة خروجه إلى سوق العمل في سن مبكرة لكسب لقمة العيش يجعله شخصا قاسيا لا مكان عنده لملامح وبراءة الطفولة.
ومن جهتها كشفت رئيسة الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة مريم شرفي عن “وجود استغلال للأطفال من بعض أرباب العمل، وأن هيئتها تتلقى يومياً عبر رقمها الأخضر إخطارات عن ثلاث إلى أربع حالات استغلال اقتصادي”، وهو ما يؤكد أن الظاهرة في حاجة إلى تدقيق أكثر قبل إصدار تقارير لا تعكس الحقيقة الميدانية.
وشددت المتحدثة على أن "حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي مسؤولية المجتمع وتقتضي تضافر الجهود، خاصة أن بعض الحالات يمكن أن تحدث في أماكن بعيدة عن الأنظار، مثل أعمال التنظيف في البيوت أو في السوق الموازية، وأن المواطن مدعو بحسه المدني إلى المساهمة في عمليات التبليغ الذي يعد وسيلة ضرورية في مجال مكافحة الظاهرة، إذ يسمح بالتدخل في الوقت المناسب لحماية هذه الفئة من الأخطار التي تنتج من هذا الاستغلال".
ولفت تقرير لجمعية الدفاع عن حقوق الطفل (ندى) إلى أن “13.2 في المئة من الأطفال العاملين في الجزائر تتراوح أعمارهم بين ستة و10 أعوام، فيما تبلغ نسبة من تتراوح أعمارهم بين الـ11 و14 عاما 31.2 في المئة، وترتفع إلى 55.6 في المئة لدى الأطفال بين الـ15 والـ18 عاما، وأن 77 في المئة من الأطفال العاملين من الذكور”.