تونس تحاول إقناع صندوق النقد ببرنامج إصلاح يراعي الوضع الاجتماعي

تسعى تونس لإقناع صندوق النقد الدولي بمقترحها البديل الذي يقوم على برنامج اقتصادي عادل، حسب وصف محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، فيما يواصل الرئيس التونسي قيس سعيد تمسكه برفض شروط الصندوق (السابقة) خشية أن تثير اضطرابات اجتماعية في البلاد.
تونس - بدا محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي أكثر تفاؤلا من الرئيس قيس سعيد بإمكانية الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يراعي ظروف تونس الاقتصادية والمالية دون أن يغفل عن ظروفها الاجتماعية.
وكانت تونس توصلت مع صندوق النقد الدولي منذ أكتوبر إلى اتفاق خبراء بشأن خطة إنقاذ مالي تقوم على قرض على مراحل بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن المحادثات تعطلت بعد أن بدا للرئيس التونسي أن شروط الحصول على القرض مجحفة وأنها قد تتسبب في اندلاع اضطرابات اجتماعية دامية لأنها تمس الفئات الشعبية الهشة.
ويقدم صندوق النقد حزمة من الشروط مقابل القرض منها رفع الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية الأساسية وتقليص كتلة الأجور في القطاع العام والتفويت في بعض المؤسسات المتعثرة المملوكة للدولة.
وقال محافظ البنك المركزي التونسي الجمعة إن “تونس تعمل مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي عادل”، ونقلت عنه رويترز أن هذا البرنامج العادل “يأخذ في الحسبان الفئات الأشد احتياجا”.
توقعات بأن البرنامج البديل يتضمن رفعا تدريجيا للدعم ومواصلة وقف التوظيف في القطاع الحكومي
وكانت رويترز نقلت يوم 12 يونيو الجاري عن مسؤول حكومي تونسي وصفته بـ”الكبير” قوله إن “تونس تعد اقتراحا بديلا لطرحه على صندوق النقد الدولي بعد أن رفض الرئيس سعيد إملاءات الصندوق”.
وجاء حديث المسؤول التونسي عن البرنامج البديل بعد أن حث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تونس على تقديم خطة معدلة للصندوق.
وبالتوازي واصل الرئيس التونسي التعبير عن رفضه لشروط صندوق النقد الدولي دون التعرض إلى البرنامج البديل ولا لمضمونه.
وقالت الرئاسة التونسية الجمعة، إن سعيّد التقى مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجييفا في باريس حيث أبلغها بأن “شروط الصندوق لتقديم الدعم المالي (لدولته) تهدد بإثارة اضطرابات اجتماعية أهلية في البلد”.
وذكر لها على هامش مشاركتهما في “قمة باريس من أجل عقد مالي جديد” أن “وصفات صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم المالي لتونس غير مقبولة لأنها ستمس بالسلم الأهلية التي ليس لها ثمن”.
وجاء في بيان الرئاسة أن سعيد أكد أنه “لن يقبل بأن تسيل قطرة دم واحدة”، وأوضح لجورجييفا أن “أي خفض مطلوب في الدعم، خاصة الطاقة والغذاء، يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة، مذكرا بالاحتجاجات الدامية التي هزت تونس عام 1984 بعد أن زادت الحكومة آنذاك في سعر الخبز”.
وكان الشعب التونسي انتفض خلال يناير 1984 ضد الزيادة في سعر الخبز وهو من المواد الغذائية الأساسية في البلاد ما أدى إلى سقوط المئات من التونسيين بين قتلى وجرحى، قبل أن يتدخل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ويعلن في خطاب تلفزيوني مباشر عن إلغاء الزيادة وإعادة سعر الخبز إلى ما كان عليه.
ومنذ ذلك التاريخ يخشى الرؤساء والحكومات المتعاقبة رفع دعم الدولة عن الخبز وبقية المواد الغذائية الأساسية خوفا من تجدد الاضطرابات الدامية.
ويرى مراقبون أن الرئيس التونسي لا يبدي أي تنازل عن موقفه من شروط الصندوق، ولا توجد في تصريحاته المتكررة مؤشرات تذكر على أنه مستعد للموافقة على الخطوات اللازمة للتوصل إلى اتفاق يساعد البلاد على تجنب أزمة مالية ما يجعل الأمل مرتبطا بالبرنامج البديل الذي يراعي الفئات الشعبية الضعيفة ويمنع حدوث الاضطرابات الدامية.
في المقابل، يبدي صندوق النقد نوعا من المرونة في التعامل مع البرنامج البديل والمحادثات الجديدة بشأنه عكس تشدده السابق الذي ساهم في تعطل المحادثات الماضية.
فقبل أيام صرحت مديرة صندوق النقد في مؤتمر صحفي عقدته في لوكسمبورغ بأن “الاقتصاد التونسي يسير على نحو أفضل من المتوقع بفضل السياحة التي يبدو أنها تتعافى”.
وأوضحت أن “تونس الآن في وضع أفضل لأن السياحة تعافت والضغط ليس دراماتيكيا كما كان يخشى”.
ويرى مراقبون أن البرنامج البديل يقوم على شروط توافقية ترضي صندوق النقد دون أن تثير مخاوف السلطة التونسية.
ويتوقعون أن يتضمن رفعا تدريجيا للدعم ومواصلة سياسة الدولة في وقف الانتداب في القطاع الحكومي وتشجيع موظفيه على التقاعد المبكر بالإضافة إلى إيجاد حلول للمؤسسات المتعثرة عبر إعادة هيكلتها وتخفيض عدد موظفيها وعمالها وجس نبض النقابات في ما يتعلق بإشراك القطاع الخاص في رأس مالها دون أن تتخلى الدولة عنها.
ويلعب الاتحاد الأوروبي وعدد من دوله لاسيما إيطاليا دورا مهما في تقريب وجهات النظر بين تونس وصندوق النقد لما فيه مصلحة الجميع، ذلك أن الأطراف الأوروبية تخشى أن ينهار الاقتصاد التونسي وأن يتسبب ذلك في موجات هجرة جماعية تونسية وأفريقية (دول جنوب الصحراء) إلى أوروبا.
وكان الاتحاد الأوروبي وعد بتمكين تونس من 900 مليون يورو في شكل قروض مشروطة بالاتفاق سلفا مع صندوق النقد، ومن المتوقع أيضا أن تقدم دول الخليج الدعم إذا تم الاتفاق مع الصندوق.