تركيا تسعى إلى اقتناص فرص الانفتاح على الاستثمارات الخليجية

توقعات بضخ رؤوس أموال من الإمارات والسعودية في الطاقة والدفاع.
الجمعة 2023/06/23
تجميل الأرقام يمر عبر الدبلوماسية الاقتصادية

تسعى تركيا إلى بناء أسس استثمارية وثيقة مع بلدان الخليج العربي بعد توقفها لسنوات نتيجة تردّي علاقات أنقرة مع حكومات المنطقة، في سياق محاولات تنشيط اقتصادها الذي بدت عليه علامات تشوه جراء السياسات غير التقليدية أملا في إعادة ضبط المؤشرات.

أنقرة/أبوظبي - كشف مصدران مطلعان الخميس أن تركيا تتوقع أن تستثمر الإمارات والسعودية في قطاعي الطاقة والدفاع في سوقها، وذلك بعد أن أجرى كبار المسؤولين الاقتصاديين الأتراك مفاوضات في أبوظبي.

وأعلنت الحكومة التركية أن نائب الرئيس جودت يلماز ووزير المالية محمد شيمشك سافرا إلى الإمارات الأربعاء الماضي لإجراء مناقشات قبيل زيارة محتملة للرئيس رجب طيب أردوغان.

وبعد إعادة انتخابه الشهر الماضي، عين الرئيس رجب طيب أردوغان كلا من يلماز وشيمشك في مجلس الوزراء، في إشارة إلى عدوله عن سياسة اقتصادية غير تقليدية استمرت لسنوات وأدت إلى زيادة التضخم وانخفاض قيمة الليرة واستنزاف احتياطي النقد الأجنبي.

وتبذل أنقرة جهودا دبلوماسية منذ عام 2021 لإصلاح العلاقات المتوترة مع السعودية والإمارات. وساعدت الاستثمارات والتمويل من الخليج في تخفيف الضغط على اقتصاد تركيا المتعثر واحتياطي العملة الصعبة.

وتصنف دول الخليج الست على أنها ثالث أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في تركيا بعد بريطانيا وهولندا، فيما تكشف أرقام وزارة الاقتصاد التركية عن وجود 1973 شركة خليجية تعمل في تركيا.

مؤشرات عن الاستثمار

  • 18 مليار دولار حجم استثمارات السعودية في تركيا
  • 5 مليارات دولار حجم استثمارات الإمارات في تركيا

وتشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمارات الإماراتية في تركيا تتجاوز 5 مليارات دولار، بينما تبلغ قيمة الاستثمارات التركية في الإمارات حوالي 300 مليون دولار.

وبالنسبة إلى السعودية، فإن حجم استثماراتها في تركيا بلغ 18 مليار دولار وفق تصريحات سابقة لوزير التجارة ماجد القصبي.

وقبل شهرين من موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا، أعلنت السعودية عن إيداع وديعة بقيمة 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي التركي.

وذكر المصدران لوكالة رويترز أنه مع انتهاء الانتخابات الآن، يناقش المسؤولون الخليجيون الاستثمار مباشرة في قطاعي الطاقة والدفاع. ولم يتضح بعد وضع أي اتفاقيات أو حجمها أو إطارها الزمني.

وقال أحدهما "من المتوقع أن تتدفق الأموال في الفترة المقبلة، خاصة من منطقة الخليج. ولقد أجروا بعض الاتصالات رفيعة المستوى في تركيا. وسيكون هناك بعض الاستثمارات المباشرة من السعودية والإمارات".

وصرحت أنقرة بأن يلماز وشيمشك سيبحثان مع نظيريهما الإماراتيين “فرص التعاون الاقتصادي”، وسيلتقيان برئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وتواجه خطة أردوغان بشأن سياسات أكثر تقليدية اختبارا كبيرا بعد أن تولت حفيظة غاية إركان منصب محافظ البنك المركزي.

وجعلت الأزمة الاقتصادية، التي فاقمها زلزال فبراير الماضي، مشاكل بلد يبلغ تعداد سكانه 85 مليونا وأصبحوا بالكاد يستطيعون شراء السلع الأساسية.

وتخلت أنقرة الخميس كما كان متوقعا عن سياسات اقتصادية خارجة عن النهج التقليدي تطبقها منذ سنتين بدفع من الرئيس التركي مع رفع معدلات الفائدة بنسبة كبيرة سعيا لاحتواء التضخم وتثبيت سعر الليرة التركية.

ورفع البنك المركزي معدل الفائدة الرئيسية من 8.5 في المئة إلى 15 في المئة في أول اجتماع له منذ تشكيل أردوغان حكومته الجديدة التي تضم شخصيات تحظى بتأييد المستثمرين، عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية في مايو الماضي.

وأوضح البنك في بيان أن هذا القرار يهدف إلى “تشديد السياسة النقدية من أجل تحديد مسار خفض التضخم في أسرع وقت ممكن".

وأضاف "سيتم تعزيز تشديد السياسة النقدية وفق الحاجة وفي الوقت المناسب وبطريقة تدريجية حتى تحقيق تحسن كبير في توقعات التضخم"، في إشارة إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة قد يستمر في الأشهر المقبلة.

ويرى محللون أن معدلا مرتفعا للفائدة المستقرة عند 8.5 في المئة منذ نهاية فبراير الماضي، قد يساعد في إنعاش الاقتصاد التركي.

وأعلن أردوغان الأربعاء الماضي أن قناعته بشأن ضرورة خفض معدلات الفائدة "لا تزال على حالها"، لكنه ألمح إلى أنه أعطى موافقته على زيادة نسب الفائدة.

وعلى خلاف النظريات الاقتصادية التقليدية يعتبر أردوغان، الذي انتخب أواخر مايو الماضي لولاية ثالثة، أن معدلات الفائدة المرتفعة تؤجج التضخم.

وانطلاقا من ذلك أرغم البنك المركزي خلال السنتين الماضيتين على خفض معدلات الفائدة في إطار "نموذج اقتصادي جديد" يهدف إلى تشجيع النمو واستحداث الوظائف.

البنك المركزي: تشديد السياسة النقدية سيخفض التضخم في أسرع وقت ممكن
البنك المركزي: تشديد السياسة النقدية سيخفض التضخم في أسرع وقت ممكن

لكن هذا النهج ساهم في الزيادة الحادة في التضخم الذي قارب 40 في المئة بوتيرة سنوية بحسب الأرقام الرسمية، كما كان له دور في تدهور العملة الوطنية التي خسرت أكثر من 80 في المئة من قيمتها في مقابل الدولار خلال خمس سنوات.

ويشكك خبراء الاقتصاد المستقلون في الأرقام الرسمية ويقدرون نسبة التضخم بأكثر من مئة في المئة.

وكذلك، ينتقدون البنك المركزي لإنفاقه نحو 30 مليار دولار لدعم الليرة بين الأول من يناير الماضي وموعد الانتخابات الرئاسية، ما أدى إلى عجز في احتياطاته من العملات الأجنبية للمرة الأولى منذ 2002.

وتراجعت الليرة في مطلع يونيو الجاري بأكثر من سبعة في المئة متدنية إلى مستويات قياسية جديدة في مقابل الدولار واليورو. وكان يتم التداول بالعملة التركية الأربعاء بحوالي 23.6 ليرة للدولار الواحد، عشية قرار المركزي تشديد السياسة النقدية.

وينقسم المحللون حول الشكل الذي قد تتخذه زيادة معدلات الفائدة. ويرى كليمنس غراف الخبير الاقتصادي في غولدمان ساكس أن "مسؤولا يتبع النهج التقليدي سيرفع معدلات الفائدة بنسبة 40 في المئة، إلى مستوى معدلات الفائدة الفعلية السارية".

في المقابل، يتوقع بنك جي.بي مورغان وبنك أوف أميركا زيادة بنسبة 25 في المئة.

ويبعث الفريق الجديد المكلف بإصلاح الاقتصاد إشارات توحي باعتماده مقاربة أبطأ، حسب رأي مكتب كابيتال إيكونوميكس، ومقره لندن، الذي قال "يبدو أن تراجع الليرة التركية توقف منذ الآن".

وإن كانت الأسواق رحبت بتعيين شيمشك وإركان، فإن بعض المراقبين يخشون أن يحد الرئيس التركي نطاق تحرك الفريق الجديد على المدى القريب، لاسيما وأنه تخلص في الماضي من عدد من الوزراء وحكام البنك المركزي حين كانوا يعارضون قراراته.

ويفرض أحد البرامج الأعلى كلفة في تركيا نظاما لحماية الودائع المصرفية، باشر أردوغان تطبيقه منذ نهاية 2021.

ويلزم البرنامج الحكومة بتغطية أي خسائر تلحق بالودائع بالليرة التركية جراء تدني قيمة الليرة. وهذا يعني أن أي عودة سريعة إلى سعر صرف عائم قد تلقي أعباء أكبر على الميزانية الخاضعة بالأساس لضغوط.

ويتوقع كثيرون أن يلغي شيمشك البرنامج تدريجا. وأكد أردوغان الأسبوع الماضي أنه يثق بالمسؤولين الجدد الذين عينهم، مؤكدا "شكلنا فريقا متينا ومتجانسا وكفؤا".

10