فرنسا تقود حراكا بلا جدوى لتسريع انتخاب رئيس للبنان

بيروت - بينما يبدو الملف اللبناني غائباً عن الاهتمام الدولي وحتى الإقليمي، تقود فرنسا، بلا جدوى، منذ أشهر حراكاً لتسريع انتخاب رئيس جديد للبلاد واستكمال إرساء المؤسسات الدستورية ضمن جهود لإنهاء الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان.
ووصل مبعوث الرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان الأربعاء إلى بيروت للقاء مسؤولين في إطار جهود تقودها باريس لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي المستمرة منذ نحو ثمانية أشهر.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون نهاية أكتوبر 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله وخصومه. ولا يحظى أيّ فريق بأكثرية تمكّنه منفرداً من إيصال مرشحه إلى المنصب.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أن لودريان وصل إلى بيروت “في زيارة يجري خلالها لقاءات ومحادثات مع قيادات رسمية وحزبية وسياسية تتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
جان إيف لودريان لن يقدم حلولا لكنه يسعى لأن يقوم بدور محفز للوصول إلى حل للأزمة السياسية
ومن المفترض أن تستمر زيارة لودريان ثلاثة أيام. وسيلتقي خلالها رئيس مجلس النواب نبيه بري، حليف حزب الله الرئيسي، إضافة إلى عدد من المسؤولين الحكوميين على رأسهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن “لودريان لن يقدم حلولاً لكنه يسعى لأن يقوم بدور محفز” للوصول إلى حل للأزمة.
وزار لودريان لبنان مراراً حين كان وزيراً للخارجية في إطار جهود فرنسية لدعم لبنان على تجاوز أزماته.
وفي السابع من يونيو عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لودريان مبعوثاً خاصاً للبنان للمساعدة في إيجاد حلّ “توافقي وفعّال” للأزمات اللبنانية المتتالية، وآخرها الشغور في منصب الرئاسة.
ويدعم حزب الله وحليفته حركة أمل برئاسة نبيه بري وكتل أخرى صغيرة وصول الوزير السابق ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، المقرب من دمشق، إلى سدة الرئاسة.
في المقابل، ترفض أحزاب مسيحية بارزة أبرزها حزب القوات اللبنانية، ولديه كتلة برلمانية مسيحية وازنة، والتيار الوطني الحر حليف حزب الله المسيحي الأبرز، وصول فرنجية.
وحضر خلال جلسة الانتخاب الأخيرة قبل أسبوع كافة أعضاء المجلس النيابي، لكن دورة التصويت الأولى لم تثمر عن انتخاب رئيس مع حصول فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، المدعوم من كتل وازنة بينها القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، على عدد أصوات متقارب.
منذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية
ومع بدء احتساب الأصوات، انسحب عدد من النواب على رأسهم كتلتا حزب الله وحركة أمل ليطيحوا بنصاب الدورة الثانية، في سياسة اتبعوها خلال الجلسات الماضية.
ويتهم كل فريق الفريق الآخر بمحاولة فرض مرشحه وبتعطيل انتخاب رئيس فيما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية. ويدعو حزب الله إلى حوار يؤدي إلى توافق على رئيس.
وبينما يتمسك حزب الله بفرنجية، تحت واقع “إما فرنجية أو لا أحد”، يثير البحث عن شخصية ثالثة إشكاليتين، لا تتعلق الأولى باسمه بالضرورة، وإنما بما يتوجب عليه فعله. وهي إشكالية تعيد وضع حزب الله في منتصف دائرة التعطيل. والثانية، هي أن ثمن تخلي حزب الله عن فرنجية ربما يكون باهظا أكثر من ثمن بقائه، وهو ما يعني أن هذا الحزب سيفرض اشتراطات فوق اشتراطاته، لكي يطمئن إلى أنه مازال يتحكم في صنع القرار داخل الحكومة. وهذه إشكالية قادرة بحد ذاتها على إثارة عاصفة من التحفظات داخل الكتلة المسيحية والمجموعات السنية والحزب التقدمي الاشتراكي.
ووفق هذه المعادلة سيؤدي استعصاء المخارج إلى إحباط الداخل والخارج في الآن نفسه؛ لأنه إذا تعذّر التعايش مع فرنجية كخيار، فإنه لا يمكن التعايش مع خيار ثالث يُعدُّ ثمن القبول به باهظا من الناحية السياسية.
وفي عام 2016، انتخب عون رئيساً بعد عامين ونصف العام من شغور رئاسي واستناداً إلى تسوية سياسية بين الحزب وخصومه.
ومنذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت يشهد فيه لبنان منذ 2019 انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850، ويشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي.