تركيا تحاول حل أزمة التضخم بزيادة أخرى في الأجور

أنظار الأسواق تتجه إلى اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي بشأن السياسة النقدية الجديدة.
الأربعاء 2023/06/21
كيف تربح من دون زبائن؟

رضخت تركيا لحقائق الواقع وقررت زيادة رواتب مئات الآلاف من الموظفين في القطاع العام والمتقاعدين في بند الأجور بالميزانية الحالية، التي ستكون تحت ضغوط مالية شديدة في حال لم تسر الأمور كما يتطلع إليه الفريق الحكومي الجديد وصناع القرار النقدي.

أنقرة - زادت الحكومة التركية الثلاثاء الحد الأدنى للأجور للمرة الثانية خلال العام الحالي في ظل تأثير التضخم المرتفع على أصحاب الدخول المنخفضة، والتي قد تصعِّب مهمة الفريق الاقتصادي الجديد بالبلاد.

وجاء القرار الذي سيبدأ تنفيذه بداية من يوليو المقبل خلال اجتماع استضافته وزارة العمل والضمان الاجتماعي مع لجنة تحديد الحد الأدنى للأجور، ويشمل ممثلين حكوميين وآخرين عن اتحاد نقابات العمال وأرباب العمل.

ومع أن هذا الإجراء قد يعيد قدرا من القدرة الشرائية للموظفين، الذين يحصل أكثر من ثلثهم على الحد الأدنى للأجور، إلا أنه قد يفاقم مستوى التضخم في وقت تتعهد فيه الحكومة بخفضه إلى أقل من عشرة في المئة بنهاية العام الجاري.

وأوضح وزير العمل فيدات إيشيخان في تصريحات متلفزة من أنقرة أن صافي الحد الأدنى للأجور الشهرية سيزداد بواقع 34 في المئة إلى 11.4 ألف ليرة (483 دولارا) الشهر الجاري. وقال إن “الإعفاءات الضريبية للعاملين سوف تستمر”.

فيدات إيشيخان: الإعفاءات الضريبية للموظفين سوف تستمر لبعض الوقت
فيدات إيشيخان: الإعفاءات الضريبية للموظفين سوف تستمر لبعض الوقت

وبلغ معدل الحد الأدنى للأجور في آخر زيادة فرضتها الحكومة مطلع هذا العام حوالي 8506 ليرة (399.2 دولارا).

وتشير الأرقام الرسمية لمعهد الإحصاء إلى أن القوى العاملة في القطاع العام تتجاوز أكثر من 1.23 مليون موظف من تعداد سكان البلاد البالغ أكثر من 80 مليون نسمة.

وتعاني الأسر التركية من أعلى معدل تضخم منذ أكثر من عقدين حتى مع تقلصه الشهر الماضي إلى 40 في المئة بعدما كان عند أكثر من 85 في المئة، ويظهر ذلك في انخفاض القوة الشرائية وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والأجور، وغيرها من التكاليف.

ووفقا للمعلومات الرسمية من وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية، فإن الحد الأدنى للأجور قبل الضريبة خلال العام الماضي كان بحدود خمسة آلاف ليرة (355 دولارا).

وبعد التخفيضات الضريبية، يتبقى للموظف 4253.4 ليرة (285 دولارا)، وهذا المعدل مناسب للموظفين غير المتزوجين أو الموظفين الذين لديهم زوجة تعمل.

أما بالنسبة للعمال المتزوجين، الذين لديهم ثلاثة أطفال، فقد ارتفع الحد الأدنى للأجور بعد خصم الضرائب إلى 4937.6 ليرة (335 دولارا) مع حوافز سنوية تبلغ 730 دولارا.

ومقارنة بالعام 2021، ارتفع الحد الأدنى للأجور في 2022 بمقدار 1426.5 ليرة (نحو 67 دولارا) إلى 3577.5 ليرة (167.9 دولارا).

483

دولارا الحد الأدنى الجديد للأجور بزيادة قدرها 35 في المئة عن المستوى السابق

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، كان العمال الأتراك يكسبون نحو 3226.5 ليرة أخرى (151.4 دولارا)، أي أن معدل الحد الأدنى للأجور قد تضاعف.

وكان الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي فاز في الانتخابات مطلع هذا الشهر، ليتولى رئاسة تركيا لفترة ثالثة، قد تعهد بأن حكومته لن تسمح “بسحق” العاملين بسبب معدل التضخم المرتفع.

واعتبر محللون أن هذا الكلام يشير إلى أن تركيا لا تزال متخوفة من أن يواجه الاقتصاد رياحا معاكسة فيما تبقى من عام 2023، في ظل الآفاق الضبابية التي تخيم على الاقتصاد العالمي بسبب استمرار انعكاسات الحرب الروسية – الأوكرانية.

ولا يمكن حصر التداعيات الكارثية للأزمة الاقتصادية التركية على نحو دقيق رغم المؤشرات، التي تصدرها الجهات الرسمية بين الفينة والأخرى أو الجهات الدولية لأنها من المرجح أن تواصل الاتساع، وقد تمتد إلى جميع القطاعات مثل لعبة الدومينو.

ومع الانهيار الكبير لسعر صرف العملة المحلية، فمن المتوقع أن تظل أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية والمواد الغذائية مرتفعة، مع انتقال تأثير تراجع العملة أمام الدولار الأميركي إلى جميع المواد الأولية وعناصر الإنتاج والأجور.

زمرد إمام أوغلو: احتمال حصول مفاجأة في الاتجاه المعاكس يبقى أمرا قائما
زمرد إمام أوغلو: احتمال حصول مفاجأة في الاتجاه المعاكس يبقى أمرا قائما

وأشار متعاملون ومنصات تتبع عملات الأسواق الناشئة إلى أن سعر صرف الدولار الأميركي استقر الثلاثاء عند نحو 23.6 ليرة، لتصل خسائرها منذ بداية العام إلى 19 في المئة تقريبا.

ورغم أن المالية العامة للبلد تبدو قوية مقارنة بنظيراتها في الأسواق الناشئة، ما يترك مجالا للحكومة لتقديم المساعدات وزيادة الإنفاق، لكن الخطوة الأخيرة قد لا تأتي بنتائج إيجابية عاجلة في ظل السياسات النقدية التي يريد فرضها أردوغان.

وخلال العامين الماضيين اختار البنك المركزي سياسة نقدية شديدة التساهل، إذ يدير أعمق أسعار فائدة سلبية في العالم عند تعديلها وفقا للتضخم. وعلى النقيض من ذلك اختارت البنوك المركزية حول العالم التشديد النقدي لمكافحة مشكلة ارتفاع أسعار الاستهلاك.

وأكد وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك عقب توليه منصبه أنه سيتخذ خطوات تدريجية للتحول نحو سياسات اقتصادية تقليدية أكثر، في وقت تتطلع فيه الدولة إلى استعادة ثقة المستثمرين.

وكشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبرغ الاثنين الماضي أن شيمشك الخبير الإستراتيجي السابق في ميريل لينش أكد خلال اجتماعين مع مصرفيين ورجال أعمال الجمعة الماضي، أن التعديلات ستتم ببطء لتجنب أي تأثيرات جانبية غير مرغوبة.

وذكرت المصادر كذلك أن شيمشك تعهد بعدم اتخاذ أي إجراءات إلا بعد تحليل تأثيراتها المحتملة على الاقتصادات والقطاعات.

ويرجح محللون أن تتبنى السلطة النقدية بقيادة المحافظة الجديدة للبنك المركزي حفيظة غاية إركان، زيادة كبيرة في الفائدة قد تصل إلى 20 في المئة من 8 في المئة حاليا خلال الاجتماع المقرر غدا الخميس.

ويتوقع خبراء بنك أوف أميركا ودويتشه بنك أن تشير التوجيهات الاسترشادية للحكومة التركية إلى زيادات أخرى ستكون أقل حدة في الاجتماعات التالية.

ومع ذلك، أشار تقرير أعده محللون في بنك غولدمان ساكس، بينهم الخبيرة زمرد إمام أوغلو، إلى أن احتمال وقوع مفاجأة في الاتجاه المعاكس قائم.

وبخلاف زيادات الفائدة، فإن ثمة عوامل أخرى بنفس قدر الأهمية لمواجهة أزمة التضخم وتأثيراتها على الأتراك وقطاع الأعمال، حسبما يقول كريستيان ويتوسكا من دويتشه بنك.

وأشار في حديثه مع بلومبرغ إلى تعليقات إركان بشأن التزام السلطات بالتشديد النقدي وتبني تدابير كلية احترازية.

11