"المؤقّتون".. صداع في رأس الحكومة المصرية

الصحف تحتاج إلى جيل جديد من المحررين لتطبيق آليات التحول الرقمي.
السبت 2023/06/17
ملف تريد نقابة الصحافيين حسمه

تحولت أزمة الصحافيين المؤقّتين في المؤسسات الصحفية الحكومية بمصر إلى صداع مزمن في رأس الحكومة ونقابة الصحافيين والهيئات الإعلامية المختلفة، في ظل ضغوط يمارسها أعضاء في البرلمان لإلغاء قرار مجلس الوزراء الذي قضى بوقف التعيين في هذه المؤسسات إلى أجل غير مسمى.

القاهرة - يستثمر صحافيون مؤقتون مصريون في وجود مجلس نقابة صحافيين أغلبه من المعارضين والمستقلين على رأسهم النقيب خالد البلشي للحصول على تأييد النقابة ووقوفها في صفهم للضغط على الحكومة ومجالس إدارات الصحف لتعيينهم، خاصة أن البعض منهم يعملون منذ عشر سنوات بعقود مؤقتة أو بلا أوراق رسمية ولا يتم الاعتراف بهم كصحافيين.

ويصل عدد المحررين غير المعينين في الصحف التابعة للحكومة إلى أكثر من مئتين، وترى الهيئات الإعلامية المعنية بإدارة المنظومة أن تثبيتهم وسط أزمة اقتصادية طاحنة تعاني منها المؤسسات الصحفية يضاعف الأعباء المالية الواقعة عليها.

وتقدم مئتان من المحررين مؤخرا لنقابة الصحافيين بمذكرة رسمية للمطالبة بالضغط على الحكومة لتعيينهم في الصحف القومية، وتعهد لهم النقيب البلشي بفتح حوار جاد مع الهيئة الوطنية للصحافة ومجالس إدارات المؤسسات الصحفية للمطالبة بحقهم في هذا الشأن، لكن شيئا لم يتغير.

ويلجأ بعض المسؤولين في المؤسسات الصحفية إلى سياسة تخدير المؤقتين من خلال التعهد بعدم التخلي عنهم أو التنازل عن حقوقهم، وأنهم ينتظرون الوقت المناسب للنظر في عملية تثبيتهم، ومن ثم التحاقهم بنقابة الصحافيين كأعضاء فيها يحق لهم الحصول على البدل النقدي الشهري الذي يصرف لأعضاء النقابة فقط.

ولا يحق لأي محرر أن يحصل على عضوية النقابة إلا إذا تم تعيينه في مؤسسة صحفية معترف بها، ولديه سابقة أعمال صحفية، ولا يمكن لنقابة الصحافيين ضم المحررين المؤقتين إلا إذا تم تعيينهم أولا، وفق نصوص القانون الذي يطالب الصحافيون بتغييره لصالح العمالة المؤقتة.

يحيى قلاش: لا يمكن لأي صحيفة في مصر أن تستغني عن الدماء الجديدة
يحيى قلاش: لا يمكن لأي صحيفة في مصر أن تستغني عن الدماء الجديدة

وتحمل أزمة الصحافيين المؤقتين في مصر أسبابا متشعبة، على رأسها حالة الفوضى التي شهدتها مؤسسات قومية عقب ثورة يناير 2011 ولا تزال مستمرة في بعضها، حيث يُسمح بدخول صحافيين تحت مسمى التدريب ثم يستمرون في العمل ويحصلون على مكافآت شهرية، وأصبح بقاؤهم أمرا واقعا يصعب التبرؤ منه.

كما أن هناك المئات من الصحافيين الذين تمت الاستعانة بهم كمؤقتين للعمل في المنصات الرقمية التي اتجهت المؤسسات الصحفية لإطلاقها بحجة أنهم أكثر خبرة وكفاءة للعمل في المواقع الإلكترونية ممن ترتبط ثقافتهم بالجريدة الورقية ولن يفيدوا المؤسسة رقميا.

وهؤلاء يظلون المشكلة الحقيقية في المؤسسات الصحفية القومية، إذ من النادر أن تجد محررا مؤقتا في جريدة ورقية، لكن العدد الأكبر منهم ينتمي إلى الصحيفة الإلكترونية التابعة للمؤسسة، مثل "بوابة الأهرام"، "بوابة أخبار اليوم"، "بوابة الجمهورية" و"بوابة روزاليوسف"، أي أن وجودهم ارتبط بالتحول إلى الرّقمنة.

وكان المخطط أن كل مؤسسة صحفية يجب أن تواكب العصر وتتجه نحو إطلاق مواقع رقمية تنافس بها المؤسسات الخاصة، لكن المعضلة ارتبطت بالفكر التقليدي، من حيث الكتابة على الورق، وعدم الاهتمام بمواكبة الحدث، فجاءت الحاجة إلى ضخ دماء جديدة من الشباب الموهوبين.

وفُتح الباب على مصراعيه لاستقبال خريجين وخريجات من كليات إعلام، وصحافيين من مؤسسات تم إغلاقها، ومحررين تعرضوا للفصل التعسفي من إصدارات حزبية وخاصة، وتم قبولهم للعمل كمؤقتين في إصدارات الرقمية للصحف الحكومية.

وتم إطلاق "بوابة الأهرام" الصادرة عن مؤسسة "الأهرام" العريقة في أكتوبر 2010 من خلال مجموعة شباب أغلبهم من خارج إصدارات المؤسسة، وحينها قرر رئيس مجلس الإدارة عبدالمنعم سعيد تعيين كل المؤقتين، وأمام التوسع والتحديث تمت الاستعانة بمحررين مؤقتين بمكافآت شهرية.

وأمام تراكم الأزمات الاقتصادية تدخلت الحكومة لوقف التعيين في المؤسسات القومية، مع استمرار العمالة المؤقتة كما هي، بلا حقوق توازي ما يتحصل عليه المعينون، رغم أن الصحف الرقمية تقوم على أكتاف الكثير من المؤقتين. وتتجه بعض الصحف للاعتماد بشكل كبير على المحررين غير المعينين لأنهم يجيدون التعامل مع الضغط المستمر، عكس غيرهم ممن أضحى لهم وجود مقنن داخل الصحيفة وأغلبهم صاروا عبئا على المؤسسات.

وقال يحيى قلاش نقيب الصحافيين الأسبق لـ”العرب” إن حالة الفوضى التي سادت بعض المؤسسات الصحفية عقب ثورة يناير ودخول صحافيين بأعداد كبيرة، بعضهم لم تتوفر فيهم معايير المهنية، دفع الحكومة إلى وقف التعيينات، لكن لا يمكن استمرار هذا الوضع، فعدم وجود جيل جديد من الصحافيين يقود إلى تهاوي المؤسسات القومية.

ويرى مقربون من ملف الصحافيين المؤقتين أن المؤسسات الحكومية تعاني مشكلتين، الأولى ترتبط بالأزمة المالية المعقدة التي تعاني منها بشكل لا يسمح لموازناتها بتحمل المزيد من التعيينات الجديدة، لاسيما وأنها أقدمت على غلق صحف ودمج أخرى لاستيعاب صدمة المشكلة الاقتصادية الموجودة.

كما أن نسبة كبيرة من الصحافيين المؤقتين الذين يعملون منذ سنوات في المؤسسات القومية ليسوا على قدر واف من الكفاءة التي تجبر المؤسسة على تعيينهم، مهما كلفها ذلك من خسائر مالية، واستمرارهم مرتبط بسياسة الأمر الواقع والخوف من الاستغناء عنهم لأسباب تتعلق بإمكانية تنظيمهم احتجاجات، والإيحاء بأن المؤسسات القومية تطرد العمالة المؤقتة، وهذا بالنسبة إلى الحكومة سوف يسبب مشكلة معقدة.

◙ أزمة الصحافيين المؤقتين في مصر تحمل أسبابا متشعبة، على رأسها حالة الفوضى التي شهدتها مؤسسات إعلامية عقب ثورة يناير 2011 ولا تزال مستمرة

وأكد مصدر مطلع قريب من أزمة الصحافيين المؤقتين لـ"العرب" أن الملف مفتوح للنقاش مع دوائر حكومية، لكن ليس كل المؤقتين يستحقون البقاء في المؤسسات، وهؤلاء تسببوا في ظلم أصحاب الكفاءة، فمن الصعوبة تعيين كل المحررين المؤقتين.

وأضاف المصدر أن هناك قناعة حكومية باستحالة الاستغناء عن بعض المؤقتين، كونهم أفضل كفاءة من المئات من المعينين في المؤسسة، ومن غير المعقول ألا تكون هناك خطة لاستيعاب خبرات شبابية تمنع وصول الصحف القومية إلى الشيخوخة.

وثمة فرصة للتعيين قد تأخذ وقتا إلى حين الاستقرار على من يستحقون ومن يجب الاستغناء عنهم، لأن المؤسسات تعاني أزمة مالية وتحتاج إلى عناصر تواكب العصر.

وأوضح قلاش أنه لا توجد صحيفة في مصر إلا وتحتاج إلى دماء جديدة من الصحافيين الشباب، والتحول الرقمي يستوجب على الحكومة فتح ملف التعيينات بضوابط مهنية، وهذا دور تتحمله المؤسسات والنقابة، مضيفا أن “تعيين المؤقتين سيحدث لا محالة، مهما كان الرفض، فالمهم وجود ضغط نقابي وإثارة القضية على نطاق واسع”.

وأعلن نقيب الصحافيين قيامه بمخاطبة جميع المؤسسات الصحفية لمده بأسماء المتدربين، لأن ذلك حق يقره القانون، وتسعى النقابة لحمايتهم وتأمين عملهم وضمان تثبيتهم في المدة التي حددها القانون (ستة أشهر)، وهناك مساع مع الهيئة الوطنية للصحافة لتحريك ملف تعيين المحررين المتدربين ومساعدة النقابة في تسجيلهم.

وتبقى هناك مشكلة رئيسية تجعل مجالس النقابات المتعاقبة لا تأخذ الأمر على محمل الجد، لأن الصدام معها يخضع لحسابات انتخابية وسياسية، وأحيانا لم يكن لدى النقابة موقف محدد تجاه مشكلات تتعلق بحقوق الصحافيين، واتُّهمت بأنها تنحاز لصالح المؤسسات الصحفية على حساب المتدربين، وهو ما يجعل المجلس الحالي أمام تحدّ كبير لمعالجة أوضاع متكلسة.

5