البنوك المركزية في سباق مع الوقت لكسر حاجز التضخم

مكافحة التضخم تستمر فترة أطول من المتوقع وتتطلب مسارا أكثر إحكاما مما كان متوقعا للمضي قدما في السياسة.
السبت 2023/06/17
فوضى الأسعار لم تهدأ حتى الآن

ينظر محللون بعين الشك إلى قدرة البنوك المركزية الكبرى على تهدئة التضخم كون اللعبة النهائية لا تزال بعيدة عن الوضوح، حيث أثبتت المحاولات طيلة أشهر أن السيطرة على الأسعار لا تزال أمرا صعبا ما لم تتقلص المخاطر الاقتصادية العالمية.

لندن - تنتظر البنوك المركزية الكبرى حول العالم منعطفا حاسما لصالحها، بعد عامين من مواجهة التضخم المتزايد حيث باتت السياسة النقدية أكثر إحكاما على الإطلاق، وحافظ صناع السياسة على سعيهم لتحقيق هدف مشترك يتعلق بالنسبة المستهدفة.

ورفع البنك المركزي الأوروبي الخميس الماضي سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية أخرى، ولكن بشكل ملحوظ رفع توقعاته للتضخم لتظهر أن الأسعار لا تزال ترتفع حتى 2025، عند ما وصفته رئيسة البنك كريستين لاغارد بأنه "مستوى غير مقبول".

وقالت إن "المزيد من الزيادات في الأسعار قادم"، وتساءلت "هل انتهينا؟ هل انتهينا من الرحلة؟ لا… هل لا يزال لدينا أرضية نغطيها؟ نعم”.

وأوضحت لاغارد أثناء مؤتمر صحفي عقب قرار المركزي الأوروبي أن "باستثناء تغيير جوهري في خط الأساس، فمن المحتمل جدا أن نستمر في زيادة الأسعار في يوليو" المقبل.

وكانت تعليقاتها أقوى من تعليقات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأربعاء الماضي، عندما اختار صناع السياسة الحفاظ على الفائدة ثابتة بعد عشرة ارتفاعات متتالية دفعت سعر الفائدة إلى نطاق يتراوح بين 5 و5.25 في المئة.

كريستين لاغارد: من المحتمل جدا أن نستمر بزيادة الفائدة في يوليو
كريستين لاغارد: من المحتمل جدا أن نستمر بزيادة الفائدة في يوليو

لكن هذا كان إجراء احترازيا إلى حد كبير، لتقييم الوضع الاقتصادي لبضعة أسابيع.

وأظهرت توقعات صانعي السياسة الأميركية الجديدة أن مكافحة التضخم تستمر لفترة أطول من المتوقع، وتتطلب مسارا أكثر إحكاما مما كان متوقعا للمضي قدما في السياسة.

وقال جيروم باول، رئيس الفيدرالي، بعد اجتماع السياسة هذا الأسبوع الذي استمر ليومين “إذا نظرت إلى النطاق الكامل لبيانات التضخم، لاسيما البيانات الأساسية، فإنك لا ترى الكثير من التقدم خلال العام الماضي”.

وأشار باول في حديثه إلى البنك المركزي الأوروبي بعدما رفع المسؤولون تقديراتهم بشأن النقطة التي سينتهي فيها التضخم هذا العام.

وعن توقعات صانعي السياسة بأن هناك حاجة إلى زيادتين إضافيتين في المعدل بمقدار ربع نقطة مئوية بحلول نهاية هذا العام، أكد أنه “ربما يكون من الضروري المزيد من ضبط النفس مما كنا نظن في الاجتماع الأخير”.

ومن المتوقع أن يواصل بنك إنجلترا المركزي، الذي يجتمع مسؤولوه الأسبوع المقبل، رفع أسعار الفائدة وسط تضخم أسرع من المتوقع.

في هذه الأثناء استأنف البنكان المركزيان في أستراليا وكندا رفع أسعار الفائدة بعد أن قاما بتجميدها مؤقتا في وقت سابق من هذا العام.

وظل البنك المركزي في اليابان في حالة شاذة عبر الإبقاء على الفائدة منخفضة للغاية مع بروز توجيهات متشائمة الجمعة، حيث ينتظر بحذر المزيد من إشارات الارتفاع الدائم في الأسعار المدفوع بالطلب.

لكن محافظ المركزي الياباني كازو أويدا يرى تغيرات ملحوظة في سلوك تحديد أسعار الشركات، ويضع في اعتباره مخاطر تجاوز التضخم.

وقال “حاليا، تجاوز التضخم اثنين في المئة لمدة 13 شهرا متتالية، لكنه قد ينخفض إلى ما دون هذا المستوى في المستقبل. ولهذا السبب لا نقوم بتطبيع السياسة النقدية. ولكن إذا تغيرت هذه النظرة بشكل حاد، فسيتعين علينا تغيير السياسة”.

وكان توقف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جزئيا بدافع احترام الفارق الزمني بين زيادات أسعار الفائدة وتأثيرها على الاقتصاد.

لكن كلا من باول ولاغارد أكدا أنه بينما كانا يراقبان بعناية ليروا كيف يتراكم تأثير السياسة، فإن صبرهما لا يمكن أن يكون بلا حدود.

وقالت لاغارد إن البنك المركزي الأوروبي بحاجة إلى رؤية تأثيرات السياسة "وصولا إلى اثنين في المئة من معدل التضخم".

جيروم باول: من الضروري ضبط النفس قبل اتخاذ أي خطوة أخرى
جيروم باول: من الضروري ضبط النفس قبل اتخاذ أي خطوة أخرى

وتظهر البيانات ما قد يثبت أنه مشكلة "الميل الأخير" النامية للبنوك المركزية الرئيسية، التي واجهت تفشيا مماثلا للتضخم أثناء إعادة فتح الاقتصاد بعد الوباء، على الرغم من أن لكل منها مصادر وخطوطا مختلفة قليلا.

ورأى البعض، وخاصة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، تحسنا أوليا مع استمرار إعادة الفتح، وعادت التجارة إلى طبيعتها، وانتعشت شحنات البضائع.

ولكن بمرور الوقت، دارت مصادر التضخم من بقعة اقتصادية إلى أخرى. وتبدي لاغارد قلقا الآن من أن تدفع الأجور الأسعار إلى أعلى حتى في الوقت الذي تساعد فيه الطاقة والغذاء، المتسببان الرئيسيان في التضخم الآن، في حل هذه الأزمة.

ولا يبدو الأمر مختلفا كثيرا في الولايات المتحدة، إذ هناك قلقا بشأن ذلك بالإضافة إلى ارتفاع الطلب المستمر والمدخرات الزائدة في أيدي المستهلكين. وهذا يعني عودة بطيئة متوقعة إلى الهدف.

وكما هو الحال في أوروبا، يتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يظل التضخم في الولايات المتحدة أعلى من الهدف في نهاية عام 2025، رغم أن صانعي السياسة يرون أنه سيصل بحلول ذلك الوقت عند حوالي 2.1 في المئة.

وفي غضون ذلك، أدت الجهود المبذولة لتحقيق التوازن بين المخاطر إلى قيام صانعي السياسة بإبطاء وتيرة زيادات الأسعار حتى وهم يمتنعون عن أي توجه محدد نحو سعر فائدة "نهائي" أو ذروة لدورة التشديد الحالية.

وقالت لاغارد إن نقطة النهاية "هي شيء سنعرفه عندما نصل إلى هناك" بسبب كيفية تصرف التضخم.

وقال باول أيضا إنه رغم أن "مخاطر المبالغة فيه وتقليله تقترب من تحقيق التوازن"، إلا أن التركيز لا يزال على التضخم.

وأضاف "ما زلت أعتقد، وزملائي موافقون على أن مخاطر التضخم في الاتجاه الصعودي، وما نود رؤيته هو دليل موثوق على أن التضخم يتصدر ثم يبدأ في الانخفاض".

10