كازاخستانيون يلتحقون بدورات لإتقان لغتهم الأم احتجاجا على غزو أوكرانيا

موسكو تحتفظ بنفوذ كبير في كازاخستان من مختلف النواحي وخاصة اللغوية ما دفع إلى إعادة تعليم اللغة الكازاخية.
الخميس 2023/06/15
التغلب على الفجوة اللغوية

هانا فاجنر

ألماتي (كازاخستان) - تجمع العشرات من الأشخاص عصر ذات يوم ممطر في ألماتي، أكبر مدن كازاخستان، لتحسين إتقانهم للغتهم الأم. ويقول لهم المعلم أليكسي سكالوسوبوف باللغة الروسية "هل ترغبون في الرقص؟". ثم يسأل المجموعة "والآن، كيف نقول هذه الجملة باللغة الكازاخية؟".

ويجلس أمامه أفراد المجموعة، المكونة من الصغار والكبار والرجال والنساء، ويلاحظ من بين الطلاب سيدة كبيرة في السن، اصطحبت حفيدها معها. ويرفع عدة أشخاص أيديهم علامة على الموافقة، ويجيب أحد التلاميذ عن السؤال بالإيجاب وبلغة كازاخية سليمة.

كانت دولة كازاخستان التي تحدها روسيا من جهة الشمال، والصين من ناحية الجنوب الشرقي، جزءا من الاتحاد السوفييتي السابق، وأصبحت مستقلة منذ أكثر من 30 عاما. ولا يزال يوجد في كازاخستان، وهي دولة غنية بالبترول ومتعددة الأعراق، الكثير من السكان من أصل عرقي روسي، يعيشون جنبا إلى جنب مع أبناء البلاد.

غير أن موسكو تحتفظ بنفوذ كبير في كازاخستان، من النواحي السياسية والاقتصادية واللغوية، وتشير البيانات الرسمية إلى أنه حتى نصف سكان هذه الدولة، التي يبلغ تعدادها 19 مليون نسمة، لا يتحدثون باللغة الكازاخية، بالرغم من أن الكازاخية تعد اللغة الرئيسية في البلاد إلى جانب الروسية، ويتم استخدامها في الحياة اليومية.

◙ موسكو تحتفظ بنفوذ كبير في كازاخستان من النواحي السياسية والاقتصادية واللغوية
◙ الكثيرون قرروا تعلم اللغة الكازاخية كنوع من الاحتجاج على الحرب

كما تشير البيانات إلى أن واحدا من كل خمسة من سكان كازاخستان لا يعرف الكازاخية التي تنتمي إلى مجموعة اللغات التركية، التي يتم التحدث بها في مناطق من أوروبا الآسيوية وآسيا الوسطى، وهي حقيقة يريد المعلم سكالوسوبوف تغييرها.

هذا الهدف الذي يتمثل في تحقيق استقلال لغوي أكبر، حصل على دفعة إضافية في فبراير 2022، بعد أن شن الكرملين غزوا شاملا لأوكرانيا، التي كانت أيضا جمهورية سابقة في الاتحاد السوفييتي.

ويقول سكالوسوبوف "كان لحرب روسيا في أوكرانيا تأثير كبير على الحالة المزاجية في كازاخستان، وأثارت الحرب أيضا عدة تساؤلات، منها أي الشعوب نحن؟ وما هو نوع المستقبل الذي يمكن أن نعيشه؟ وهل يمكن أن نجد أنفسنا في وضع مثل أوكرانيا في مرحلة ما؟".

ويوضح سكالوسوبوف أن الكثيرين قرروا تعلم اللغة الكازاخية، كنوع من الاحتجاج على هذه الحرب، وأسس هذا المعلم في أبريل 2022 ناديا لتعليم اللغة بلا مقابل، أطلق عليه اسم "باتيل بول"، ومعناه "كن شجاعا".

ويؤكد أن حجم الاهتمام بتعلم اللغة الكازاخية كان هائلا، وخلال بضعة أيام من فتح باب التقدم، سجل عدة مئات من الأشخاص أسماءهم لحضور الدورات التعليمية. وتمت الآن إتاحة برنامجه التعليمي في العديد من المدن الكازاخية، ومعظم الحضور من سكان كازاخستان الذين يتحدثون بالروسية، ومن بينهم روس هربوا من بلدهم لتجنب عملية تجنيدهم في الجيش، وهم يريدون الآن أن يندمجوا في بلدهم الجديد.

وفي تعليق على هذا التطور قال العالم السياسي ديماش ألشانوف إن السكان كانوا يخشون في بداية الحرب الأوكرانية أن تقوم روسيا نظريا، وسط تصاعد الموجة الاستعمارية، بغزو كازاخستان، مضيفا أنه "بشكل خاص شعر السكان الذين ينتمون إلى العرق الكازاخي بالخوف".

ولفت إلى أن هذا الخوف تراجع إلى حد ما، مع تعثر روسيا في الحرب، وهذه الهزائم العسكرية في أوكرانيا تبين أن الجيش الروسي ليس مؤهلا من ناحية المعدات لشن حرب جديدة. وحتى بغض النظر عن الحرب الأوكرانية، يشعر الكثير من سكان كازاخستان بأن الوقت قد حان للابتعاد عن النفوذ القوي لروسيا، وبأنه كان من المفروض تدعيم هويتهم الوطنية منذ زمن طويل.

◙ واحد من كل خمسة من سكان كازاخستان لا يعرف الكازاخية التي تنتمي إلى مجموعة اللغات التركية التي يتم التحدث بها في مناطق من أوروبا الآسيوية 

وفي هذا الصدد يقول سكالوسوبوف إنه "من السخف أنه بعد مرور سنوات كثيرة على الاستقلال، لا يزال كل مواطن كازاخي تقريبا يتحدث بالروسية، والبعض فقط هم من يتحدثون باللغة الوطنية الفعلية". ويضيف "من يتحدث باللغة الكازاخية منهم يعرف الروسية عادة، ولكن من يتحدثون بالروسية لا يعرفون الكازاخية”. ويقول إنه يجب التغلب على هذه "الفجوة اللغوية، حتى يصبح المجتمع الكازاخي قادرا على أن يكون كتلة واحدة".

ويتذكر المشاركون الأكبر سنا في دورته التعليمية حالات من التمييز أثناء فترة الهيمنة السوفييتية، وهو الأمر الذي يمكن أن يفسر جزئيا عزوف السكان حتى وقتنا هذا عن التحدث بالكازاخية.

وتوضح امرأة تبلغ من العمر 63 عاما أنها عندما كانت طفلة كان التحدث باللغة الكازاخية يقابل بالاستهجان، وإذا تحدث شخص وقتذاك في الحافلة أو القطار على سبيل المثال بالكازاخية كان الركاب الآخرون يشيحون عنه وجوههم ويهمسون بغضب. وتقول إن مثل هذه المواقف التي كانت سائدة آنذاك هي التي دفعت أبويها إلى التحدث بالروسية فقط. وتضيف أنها تعاني حاليا من صعوبة بالغة في تعلم لغتها الأم.

ومن ناحية أخرى يقدم معلم اللغة سكالوسوبوف، بعد انتهاء الدرس قطعا من الكعك والبسكويت ومشروب الليمونادة، مما يمثل الجزء الأكثر مرحا من فترة بعد الظهر. وقبل أن يعد سكالوسوبوف طاولة المأكولات يقول "من ناحية العرق أنا روسي، ومن جهة السياسة أنا كازاخي"، وهنا يندفع تلاميذه في تصفيق حماسي.

◙ شغف التواصل مهم على الجبهة
◙ شغف التواصل مهم لتأدية الواجب على أكمل وجه في الجبهة 

12