النظام المصري يستنفر أذرعه الإعلامية لحملة رئاسية مبكرة

بدا احتفاء وسائل إعلام مصرية معروفة بقربها من السلطة السياسية بالذكرى العاشرة لثورة يونيو مبالغا فيه هذه المرة، لاسيما لجهة الحرص على تثمين الإنجازات التنموية التي تحققت في أعقاب الإطاحة بالإخوان، مع تعمد تجاهل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد والتي أثرت على معظم المواطنين، في توجه لا يخلو من خلفيات سياسية مرتبطة بترشح الرئيس عبدالفتاح السيسي لولاية جديدة.
القاهرة - بدأت وسائل الإعلام المصرية مبكرا الحديث عن الذكرى العاشرة لثورة الثلاثين من يونيو التي أسقطت حكم جماعة الإخوان في مصر، حيث بادرت باستعراض ما تم عنونته بـ”الإنجازات غير المسبوقة” لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ الإطاحة بالجماعة وحتى اليوم، في تحرك دعائي منظم يستهدف تجييش الشارع خلفه وبث التفاؤل قبل إعلانه رسميا الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة.
وتطرقت تقارير عديدة إلى ما سمي بـ”سنوات الإنجازات”، وتم التركيز على المآسي الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاصرتها البلاد خلال فترة حكم جماعة الإخوان حتى اندلعت ثورة يونيو، ثم جاء السيسي ليعيد بناء الدولة.
وتعتمد حملات تلميع صورة النظام المصري الراهن على الاستدعاء الشكلي لتحالف الثلاثين من يونيو شعبيا وسياسيا لتجاوز ضغوط تحاصر شريحة كبيرة من المصريين بغرض تذكيرهم بأنهم اختاروا السيسي لقيادة البلاد وتخليصها من المتطرفين، والمعاناة التي يعيشونها اقتصاديا تقابلها إنجازات ثورية يجب عدم تجاهلها.
ويعيش المصريون حالة إحباط لمن يتابعون المشهد عن كثب بسبب تصاعد الأزمة الاقتصادية التي قادت إلى ارتفاع كبير في الأسعار ووصول التضخم إلى مستوى غير مسبوق، ما أدى إلى زيادة منسوب الفقر وإخفاق الحكومة في وضع حلول جذرية تخفف حدة الأزمة أو توفر مظلة حماية اجتماعية قوية ومتكاملة تخفف معاناة البسطاء.
ويرى متابعون أن الحديث عن إنجازات تنموية تحول إلى نمط مرفوض من الدعاية السياسية، حيث إن الناس لا يشعرون بمردودات ملموسة على الأرض، في حين تتمسك الحكومة بالمضي في طريقها غير عابئة بامتعاضهم من الارتباك الحاصل في ترتيب الأولويات.
وقال خالد داود القيادي بحزب الدستور، والمتحدث الرسمي باسم تيار الحركة المدنية الذي يضم أحزابا معارضة، إن ربط الإنجازات التنموية بذكرى ثورة الثلاثين من يونيو يستهدف تذكير الشارع بأهميتها، والإيحاء بأن من خرجوا في مظاهرات لإسقاط نظام الإخوان واستدعاء السيسي للحكم حصلوا على مكاسب عديدة.
وأضاف داود في تصريحات لـ”العرب” أن الترويج المكثف للإنجازات التنموية بالتزامن مع ذكرى هذه الثورة يرتبط بالانتخابات الرئاسية المقبلة (قد تجرى قبل نهاية العام الجاري) ويحمل رسالة بأن ذلك يعبر عن تمهيد لإعادة ترشيح السيسي، لذلك جاءت الاحتفالات هذا العام مبالغا فيها، لأنها مقدمة لحدث سياسي أهم، وهو الترشح للانتخابات.
وتعتقد دوائر سياسية أن الحملة الإعلامية المكثفة حول الترويج لإنجازات يونيو سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ترمي إلى ترميم قوام التحالف الذي أسهم في هذه الثورة للوقوف خلف السلطة مع تنامي الشعور بارتفاع درجة الإحباط الشعبي، غير أن هناك من يحمّلون هذه الثورة تبعات ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية، على الرغم من دورها في التخلص من نظام الإخوان، ونجاحها في توفير قدر من الاستقرار الأمني.
ويتمسك الخطاب الرسمي في مصر والقريب منه بالحنين إلى الماضي (نوستالجيا) والتعويل على صفحاته لكسب المزيد من التكاتف والتلاحم الشعبي كلما تعاظمت الضغوط وتصاعدت المخاوف من الوصول إلى مرحلة الصدام مع الشارع.
الحملة الدعائية لدعم النظام المصري تتجاهل ما تواجهه البلاد من أزمات متعددة، بما يضعف نتائجها السياسية
وتتجاهل الحملة الدعائية لدعم النظام المصري ما تواجهه البلاد من أزمات متعددة، بما يضعف نتائجها السياسية، مع أن الرئيس السيسي أعلن من قبل تحفظه على الاصطفاف المطلق خلف الإنجازات من دون التطرق إلى نقل الواقع بشكل مهني، أيّ أنه لا يمانع في نقل وجهتي النظر الإيجابية والسلبية.
ويتناقض التوظيف الدعائي لثورة يونيو مع الحوار الوطني الدائر في مصر، بمشاركة قوى سياسية مؤيدة ومعارضة للنظام الحاكم، والرغبة في إفساح المجال أمام المختلفين معه والاشتباك مع تصورات الحكومة والإدلاء بوجهات نظر حول كل ما يرتبط بالأوضاع الصعبة، وفي مقدمتها الملف الاقتصادي، وبثت محطات مصرية انتقادات وجهت للحكومة بشأن ارتباك أولوياتها وتركيزها على قطاعات بعينها.
يتراجع السعي نحو الاصطفاف عند شريحة من الجمهور مع تنامي الشعور بأنه موجه لأغراض انتخابية، ويتجاهل نبض الناس كرقم مهم في تقييم مدى نجاعة الوضع القائم، سواء أكانت الأمور تسير في اتجاه صحيح أم بحاجة إلى تصويب وتعديل.
ويبدو تكرار التعويل على نغمة الإنجازات أشبه بمحاولة للهروب إلى الأمام من خلال العودة إلى الخلف وتوظيف حدث سياسي مثل ثورة الثلاثين من يونيو، والأجواء الوطنية الحماسية التي خيمت عليها للشد من عزم المواطنين ورفع روحهم المعنوية.
الكثير من المصريين يقرون بأن السلطة الحالية حققت إنجازات تنموية، لكن المشكلة في إصرار الحكومة والإعلام على الدخول في خصومة وربما قطيعة مع الشارع
وأوضح خالد داود لـ”العرب” أن الترويج للإنجازات لا يلتقي مع إحساس الناس بصعوبات معيشية، من هنا سيكون العائد السياسي ضئيلا، فالشارع له مقاييس ترتبط بما يعود عليه مباشرة من فوائد للمشروعات ولا يعنيه حجمها وعددها.
وتكمن أزمة الخطاب الإعلامي المكرر في شهر يونيو من كل عام في أنه يتناول الإنجازات بطريقة سطحية، وهو ما علّق عليه السيسي بطريقة سلبية، حيث يرغب في وصول الخطاب إلى مستوى مرتفع من الاحتراف في الإقناع، وكان متحفظا على الحديث بطريقة تنم عن دعم شخصي له، ولذلك تأتي دوما التفرقة بين مساندة الحاكم وبين دعم مؤسسات الدولة له في مواجهة تحديات داخلية وخارجية متشابكة.
ويقر الكثير من المصريين بأن السلطة الحالية حققت إنجازات تنموية، لكن المشكلة في إصرار الحكومة والإعلام على الدخول في خصومة وربما قطيعة مع الشارع عندما يرفض كلاهما الاستماع لأنين المواطنين ونصائح الخبراء.
وأعلن الرئيس السيسي من قبل متابعته لما يثار من انتقادات على شبكات التواصل الاجتماعي ويرد عليها بطريقة عفوية دون امتعاض أو غضب، ووجه لوما للإعلام الذي لا يتناول القضية من وجهات نظر مختلفة.
وهذه إشكالية لا يزال يعاني منها الخطاب الإعلامي الباحث عن اصطفاف سياسي خلف السلطة، حيث يركز على جوانب معينة ويرفض مناقشة المواطنين الذين لهم وجهات نظر مختلفة، وهم أصحاب المصلحة الحقيقيون في دعم الدولة.
ويوحي استثمار وتركيز غالبية وسائل الإعلام على ذكرى ثورة يونيو برغبة عارمة في تبييض صورة السلطة سياسيا واقتصاديا، ما يقود إلى شعور خفي بأنها ضعيفة وبحاجة إلى تفويض شعبي جديد، وهو ما يصعب الحصول عليه في ظل عدم يقين فئة كبيرة من الناس بجدوى الاستمرار على المنهج الحالي ورغبتها في تغيير جاد.