الذكاء الاصطناعي يزحف باتجاه خطوط تصميم السيارات

تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في عملية تصميم السيارات، مما يتيح قدرا أكبر من الكفاءة والابتكار والتخصيص أكثر من أي وقت مضى، لكن مع ذلك ثمة عقبات يحتاج الصانعون إلى تخطيها لإدماج هذه التكنولوجيا في ابتكار طرزهم الحديثة.
لندن- حافظت صناعة السيارات على ريادتها في طليعة الابتكار مع تسارع انتشار التقنيات المتقدمة والتي تدفع باستمرار إلى حدود اللامستحيل خاصة في ظل انجذاب المستهلكين نحو المنتجات التي ترضي أعينهم قبل أذواقهم.
وفي السنوات الأخيرة كان أحد أهم التطورات في هذا المجال هو دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في عملية التصميم، مما سمح بإطلاق العنان لحقبة جديدة في عالم تصنيع المركبات.
وتساعد هذه التكنولوجيا المتطورة المصممين على دفع حدود ما هو ممكن وإنشاء طرز أكثر ملاءمة لاحتياجات ورغبات المستهلكين مثلما تفعل العديد من الشركات مثل بي.أم.دبليو وإنفينيتي وتويوتا وأودي وفولكسفاغن ورينو والتي تختبر هذه التقنية.
ومع استمرار تطور الصناعة والتكيف مع هذه التقنيات الجديدة، سيكون من الضروري للشركات تحقيق توازن بين تبني الابتكار وضمان استمرار أهمية العاملين البشريين في عملية التصميم.
ويقول غابريال بوثا المحرر في منصة “سيتي لايف قوة نماذج الذكاء الاصطناعي” إن من أهم الطرق التي تؤثر بها هذه الأدوات في عالم السيارات هي استخدام برامج التصميم التوليفية.
وأوضح أن هذه التقنية التي تتشكل من مجموعة هائلة من الخوارزميات تقوم بإنشاء خيارات تصميم متعددة بناء على تعليمات يحددها المصمم، مثل الوزن والقوة ومتطلبات المواد.
ويقوم البرنامج بعد ذلك بتقييم كل خيار تصميم للأداء والكفاءة، مما يسمح للمصممين بتحديد الحلول الواعدة بسرعة.
ولا يؤدي ذلك إلى تسريع عملية التصميم فحسب، بل يمكّن المصممين أيضًا من استكشاف مجموعة واسعة من الاحتمالات، مما يؤدي إلى تصميمات أكثر ابتكارًا وكفاءة للمركبة.
وهناك مجال آخر تُحدث فيه أدوات الذكاء الاصطناعي تأثيرًا كبيرًا وهو مجال الواقعين الافتراضي والمعزز، حيث تسمح للمصممين بإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للمركبات ومعالجتها في بيئة افتراضية، مما يمكنهم من تصور واختبار تصميماتهم بطريقة أكثر واقعية.
كما يمكن أن يساعد ذلك في تحديد المشكلات المحتملة وإجراء التعديلات بسرعة أكبر، مما يؤدي في النهاية إلى تصميم مركبات أفضل.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تقنيات الواقعين الافتراضي والمعزز لمحاكاة ظروف القيادة في العالم الحقيقي، ما يسمح للمصممين باختبار وتنقيح تصاميمهم بطريقة أكثر دقة وكفاءة.
ويقول جون آر هاوزر أستاذ التسويق في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سلون إن “التصميم يمكن أن يحدث فرقًا حيث يشتري الناس السيارات على أساس جماليات، لكن التصاميم أحيانا مكلفة”.
◙ هذه التكنولوجيا تساعد المتطورة المصممين على دفع حدود ما هو ممكن وإنشاء طرز أكثر ملاءمة لاحتياجات ورغبات المستهلكين مثلما تفعل العديد من الشركات
ويعد طراز بونتياك أزتيك الذي أنتجته شركة جنرال موتورز الأميركية في عام 2000 قبل أن يتم التوقف عن تصنيعه في 2005، مثالا سيء السمعة على كيفية إعطاء المشترين الأولوية للجماليات.
ويوضح بحث شارك في تأليفه هاوزر مؤخرا أن نماذج التعلم الآلي لا يمكنها فقط التنبؤ بجاذبية التصميمات الجمالية الجديدة، بل أيضًا إنشاء تصميمات مبهجة أو مبتكرة من الناحية الجمالية.
وأشار البحث الذي شارك فيه أستاذ مدرسة ييل للإدارة أليكس بيرناب وأستاذ مدرسة كيلوج للإدارة أرتيم تيموشينكو إلى أنه بمجرد تدريب النماذج، يمكن تشغيلها على كمبيوتر محمول قياسي للشركة.
ويؤكد هاوزر أن النماذج هي أداة للمصممين للحصول على أفكار جديدة وتجربتها ولذا فإن المطورين قادرون على إنشاء صور جديدة مبهجة للغاية من الناحية الجمالية ويمكن تقييمها بسرعة.
ويبرز هنا مفهوم النمذجة التنبّؤية بما تتيحه من جاذبية واضحة، فالصانعون الذين يمكنهم التخلص من التصميمات التي من المرجح أن تحقق درجات منخفضة في الجماليات لن يزعجوا أنفسهم بتطوير هذه الخيارات إلى ما بعد مرحلة التصميم الأولية.
ومن خلال العمل مع جنرال موتورز كشريك بحث، طور هاوزر وزملاؤه نموذجين، الأول عام، وهو يُنشئ تصميمات سيارات جديدة بناءً على مطالبات من المصممين حول وجهات النظر والألوان ونوع الجسم والصورة.
أما الثاني فنموذج تنبؤي، وهو يتوقع كيفية تقييم المستهلكين للتصميمات في ما يتعلق بالجاذبية الجمالية أو الابتكار.
وبدأ البحث بالنموذج التنبؤي المبني على شبكة عصبية عميقة. وحقق هذا النموذج النتائج المرجوة، مع تحسن بنسبة 43.5 في المئة عن خط الأساس وتحسين أكثر من نماذج التعلم الآلي التقليدية.
وقال هاوزر “كان نموذجنا قادرا على الإشارة إلى التصاميم الجيدة والسيئة، ولكن مع دخولنا في هذه العملية أكثر فأكثر، أدركنا أن النفوذ الحقيقي يكمن في إنشاء تصميمات جديدة”.
وأنتج النموذج التوليدي صورا اعتبرها المستهلكون جذابة من الناحية الجمالية وحتى التصاميم المقترحة التي تم تقديمها لاحقًا إلى السوق. ووجد الباحثون أيضًا أنه يمكن تطبيق النموذج على المنتجات غير الآلية.
ومع وجود عدد أقل من التصميمات التي تحتاج إلى اختبارات لإثبات نجاح النموذج، يتوقع الخبراء أن تصبح الجداول الزمنية للتطوير أقصر وستنخفض التكاليف. وهذا ما يذهب إليه بوثا الذي قال إن “أدوات الذكاء الاصطناعي تُستخدم لتحسين عملية التصنيع، مما يساعد على تقليل الفاقد وتحسين الكفاءة”.
وعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام المتكررة، مثل اللحام والطلاء، وتحرير العاملين البشريين للتركيز على مهام أكثر تعقيدا وإبداعا.
وأوضح بوثا أن ذلك لا يساعد في تسريع عملية الإنتاج فحسب، بل يضمن أيضًا مستوى أعلى من الجودة والاتساق في المنتج النهائي.
وعلاوة على ذلك، تتيح أدوات الذكاء الاصطناعي مستويات أعلى من التخصيص في تصميم السيارة.
ومن خلال تحليل كميات كبيرة من البيانات يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحديد الأنماط والاتجاهات في تفضيلات المستهلك، مما يسمح للمصنعين بتصميم تصميماتهم لتلبية احتياجات ورغبات عملائهم بشكل أفضل.
كما يمكن أن يؤدي هذا إلى المزيد من السيارات المخصصة والفريدة من نوعها، والتي يمكن أن تساعد في تمييز العلامة التجارية في سوق تتزايد فيه المنافسة.
ومع ذلك، فإن الكثير من المختصين يعتقدون أن دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في عملية تصميم السيارات لا يخلو من التحديات، وأحد الشواغل الرئيسية هو اختفاء اللمسات التي يقوم بها المصممون بأنفسهم.
ويرى بوثا أنه من الضروري أن تحقق الصناعة توازنا بين تبني التقنيات الجديدة وضمان عدم تخلف من هم في ورش التصنيع عن الركب.
وأكد أنه من خلال النهج الصحيح، تمتلك أدوات الذكاء الاصطناعي القدرة على دفع صناعة السيارات إلى الأمام والدخول في حقبة جديدة من الإبداع والابتكار.