السودانيون يستفيقون على أصوات القصف بعد هدنة قصيرة مرت كـ"حلم"

ما إن مرّت دقائق على انتهاء الهدنة القصيرة حتى تفجرت اشتباكات ضارية في العاصمة الخرطوم وأم درمان وإقليم دارفور، لتبدّد الآمال الضعيفة التي عقدها السودانيون على تلك الهدنة لكسر حلقة العنف وتمهيد الطريق لتسوية سياسية.
الخرطوم - استفاق السودانيون صباح الأحد على تجدد الواقع الذي يعيشونه منذ قرابة شهرين، مع استئناف الجيش وقوات الدعم السريع المعارك بعيد انتهاء هدنة امتدت لأربع وعشرين ساعة.
وتوسعت دائرة المواجهات في العاصمة الخرطوم وأم درمان خلال الساعات الماضية، وسط تأكيد الدعم السريع على تمكن قواتها من السيطرة على العديد من المعسكرات وأسر المئات من العناصر، بعد النجاح في صد هجوم للجيش.
في المقابل تحولت مدينة الجنينة مركز ولاية غرب دارفور (غرب) إلى ما يشبه مدينة أشباح جراء القتال.
ويرى متابعون أن الاشتباكات الضارية التي تشهدها الخرطوم والمدن المجاورة ودارفور تؤكد بأن الهدنة القصيرة لم تنجح في تحقيق الهدف المرجو منها بكسر حلقة العنف، مشيرين إلى أن الوضع الراهن قد يدفع الوسيطين الأميركي والسعودي إلى تعليق مفاوضات جدة في ظل حالة الإحباط السائدة.
الوضع الراهن قد يدفع الوسيطين الأميركي والسعودي إلى تعليق مفاوضات جدة في ظل حالة الإحباط السائدة
وقال نصرالدين أحمد المقيم بجنوب العاصمة “استيقظنا الأحد على صوت الاشتباكات”، مضيفا بأسى “كأننا كنا في حلم أمس (السبت) واليوم استيقظنا منه”.
ومنذ بدء النزاع في 15 أبريل بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أبرم الجانبان أكثر من اتفاق لوقف النار سرعان ما كان يتمّ خرقها.
لكن شهودا في الخرطوم أفادوا السبت أن الهدنة احترمت بشكل أفضل من سابقاتها، وأن الهدوء ساد مختلف أنحاء العاصمة بدلا من دوي القصف المدفعي والجوي أو الاشتباكات.
وبدأت الهدنة عند السادسة صباحا (04:00 توقيت غرينتش) وامتدت لأربع وعشرين ساعة.
وتم التوصل إليها بوساطة سعودية - أميركية. وحذّر الجانبان من أن عدم احترام طرفي النزاع للهدنة الجديدة سيدفع إلى “تأجيل محادثات جدة” المعلّقة بينهما منذ أكثر من أسبوع.
وصباح الأحد، أكد شهود في الخرطوم سماع “أصوات القصف والاشتباكات بعد عشر دقائق من انتهاء الهدنة”.
وتحدث شهود في أنحاء مختلفة من المدينة عن “قصف بالطيران واشتباكات” في شرقها، و”قصف عنيف بالمدفعية الثقيلة” في العاصمة وضاحية أم درمان في شمالها، واشتباكات “بمختلف أنواع الأسلحة” في شارع الهواء (جنوب).
ويعول الجيش السوداني على سلاح الجو من أجل قلب موازين القوى، لكنه حتى الآن يبدو عاجزا عن تحقيق أي اختراق، في المقابل فإن المدنيين هم من يدفعون الثمن.
ويرى متابعون أن المشكلة التي تعوق فرص التهدئة أن الجيش السوداني بقيادة البرهان وبدفع من قوى النظام السابق يعتقد بوجوب تحقيق بعض الإنجازات الميدانية قبل القبول بالجلوس على أي طاولة مفاوضات يمكن من خلالها فرض شروطها.
ويشير المتابعون إلى أن هذا الاعتقاد يقود البلاد نحو حرب أهلية طويلة، لافتين إلى أن المؤشرات الميدانية حاليا تصب في صالح قوات الدعم السريع التي خبرت لسنوات حرب الشوارع والمدن.
وقالت قوات الدعم السريع في بيان الأحد “إن أذرع النظام البائد وفلول الانقلابيين استمروا في المحاولات اليائسة بالهجوم على قواتنا في عدد من المحاور في مدن العاصمة الخرطوم، وكان رد الأشاوس قاسياً بتدمير ودك المعتدين والاستيلاء على معسكرات جديدة وأعداد كبيرة من العتاد بلغت أكثر من 70 مركبة وآلية وأسر المئات من قوات الانقلابيين في شرق النيل”.
وأضاف البيان “تصدت قواتنا في شرق النيل على متحرك للانقلابيين والفلول، واستطاعت هزيمته واستسلام أعداد كبيرة من القوة المهاجمة وفرار الأخرين”، وتابع “هاجمت ميليشيا البرهان الانقلابية وأعوانها من النظام البائد والمتطرفين، قواتنا بالقرب من مجمع الرواد بالخرطوم وتم تدمير القوة المهاجمة تماماً واستلام عدد 5 دبابات وحرق دبابتين”.
واستطرد البيان “أحبطت قواتنا ببسالة محاولات الانقلابيين التحرك في اتجاه جسر الحلفايا حيث استولى الأشاوس على 15 عربة بكامل عتادها وهروب قوات الفلول وقفز بعضهم في النيل”. وذكر البيان “أحكمت قواتنا حصار الانقلابيين داخل المدرعات من كافة الاتجاهات ولا سبيل أمامهم سوى الاستسلام”.
وأكد سكان من العاصمة أنهم يشهدون لليوم الخامس على التوالي “سحابة دخان” ناتجة عن انفجار أحد صهاريج تخزين النفط في منشأة الشجرة للنفط والغاز.
واندلع حريق في المنشأة الواقعة بجنوب الخرطوم ليل الأربعاء – الخميس تزامنا مع اشتباكات قرب مجمع اليرموك للصناعات العسكرية المجاور لها.
وشهدت منطقة صالحة جنوب أم درمان قصفا جويا تصدت له المضادات الأرضية، بحسب شهادات من السكان. كما أفادت “لجنة مقاومة” في جنوب الخرطوم بأن “قذائف سقطت داخل منازل المواطنين في أحياء الأزهري والسلمة والتعويضات”.
وهذه اللجان هي مجموعات شعبية كانت تنظّم الاحتجاجات للمطالبة بحكم مدني بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح نظام عمر البشير عام 2019.
وتعاني الخرطوم التي كان يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة قبل بدء المعارك، كغيرها من مدن أخرى، من نقص في المواد الغذائية وانقطاع الكهرباء وتراجع الخدمات الأساسية. وتركها مئات الآلاف من سكانها منذ بدء القتال.
وعلى رغم أن توقعات السكان حيال الهدنة كانت متواضعة، لكن توقف المعارك السبت أتاح لسكان العاصمة الخروج من منازلهم بأمان نسبي، وشراء حاجياتهم الضرورية خصوصا الغذائية، أو البحث عن علاجات طبية باتت نادرة.
وقالت أسماء الريح التي تقطن في أم درمان “السبت التقطنا أنفاسنا لكن اليوم عدنا إلى حالة الرعب، والصواريخ والقذائف تهز جدران منازلنا”.
وأودى النزاع بأكثر من 1800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
الجيش السوداني يعول على سلاح الجو من أجل قلب موازين القوى، لكنه يعجز عن تحقيق أي اختراق والمدنيين هم من يدفعون الثمن
ووفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح حوالي مليوني شخص، بينهم أكثر من 476 ألفا عبروا الى دول مجاورة.
ومن بين هؤلاء، انتقل زهاء 200 ألف الى الجارة الشمالية مصر، وفق أرقام أوردتها وزارة الخارجية المصرية مع إعلانها أنها بدأت بتشديد الإجراءات الحدودية عبر فرض تأشيرة على كل السودانيين الراغبين بدخول أراضيها.
وقالت الوزارة السبت إن السلطات “استحدثت إجراءات تنظيمية تعتمد على التأشيرات المميكنة (الممكننة)”، وذلك بهدف “وضع إطار تنظيمي لعملية دخول الإخوة السودانيين إلى مصر عقب مرور أكثر من 50 يوما على الأزمة”.
وشددت على أن الخطوة لا تهدف إلى “منع أو الحد من أعداد المواطنين السودانيين الوافدين”، بل تأتي بعد رصد “أنشطة غير قانونية” يقوم بها أفراد على الجانب السوداني من الحدود، تشمل خصوصا “تزوير تأشيرات الدخول إلى مصر”.
وكانت السلطات تستثني في السابق النساء السودانيات والأطفال ما دون السادسة عشرة وكبار السنّ الذين تجاوزوا الخمسين، من شرط نيل تأشيرة.
وأوضحت الخارجية أن “مصر استقبلت أكثر من 200 ألف مواطن سوداني منذ اندلاع الأزمة (…) وتضاف تلك الأعداد إلى ما يقرب من 5 ملايين مواطن سوداني متواجدين بالفعل” قبل النزاع الأخير.
وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان، خصوصا في الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) حيث المعارك هي الأشد.
ووفق ما تؤكد مصادر طبية، باتت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة. ويخشى أن تتفاقم الأزمة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بانتشار الملاريا من جديد وانعدام الأمن الغذائي وسوء تغذية الأطفال.