الحملات الأمنية المستمرة تضرب مصداقية الحوار الوطني في مصر

القاهرة - تتواصل الحملات الأمنية والإيقافات في مصر بالتزامن مع إطلاق الحكومة قبل أكثر من شهر “حوارا وطنيا شاملا”، الأمر الذي يعزز الشكوك في الأهداف الكامنة خلف إطلاق هذا الحوار والتي تصب في معظمها في سياق مساعي السلطة السياسية لتحسين صورتها، دون أن تقدم في الواقع على أي تنازلات حقيقية.
واستهدفت الحملات، وفق منظمات حقوقية، مشجعي كرة قدم وأنصار معارض أعلن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة وناشطين آخرين.
في مطلع مايو، وقبل ساعات فقط على افتتاح منتدى الحوار المفترض أن يبحث كل القضايا الخلافية في البلد العربي الأكبر ديموغرافيا، أوقف الصحافي حسن القباني تزامنا مع إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة، قبل أن يتم إطلاق سراحه في وقت لاحق.
وأعلن منسّق الحوار الوطني ضياء رشوان في حينه أن توقيفه تمّ بسبب سوء فهم ناتج عن “تشابه في الأسماء“، لكن في الوقت نفسه، تم توقيف 16 من أنصار وأقارب أحمد طنطاوي، المرشح الوحيد الذي أعلن حتى الآن عزمه خوض انتخابات الرئاسة في ربيع 2024.
وأعربت مقرّرة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ماري لولور عن قلقها بسبب “الإخفاء القسري” للناشط السياسي معاذ الشرقاوي الذي غاب 23 يوما، قبل أن يظهر أمام نيابة أمن الدولة (قضاء استثنائي)، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
ويرى عمرو مجدي، من منظمة “هيومن رايتس ووتش” للدفاع عن حقوق الإنسان، أن الحوار الوطني “لا يأتي بأي تغيير على الإطلاق“. ويقول لوكالة فرانس برس إن السلطة “تناور للإيحاء بأنها تبدأ مرحلة جديدة، ولكن في الواقع كل ما تحاول فعله هو تحسين صورتها“.
والدليل، وفقا لناشطين حقوقيين، أن القاهرة أحيت منتصف عام 2022 لجنة العفو الرئاسي، في خطوة أتت وسط ضجة إعلامية كبيرة.
فمن ناحية، أُفرج عن أكثر من ألف سجين سياسي وسجين رأي، بحسب ما يؤكد المسؤولون. ومن ناحية أخرى، “تمّ توقيف أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد في الفترة نفسها”، وفق المنظمات الحقوقية. وزادت الوتيرة خلال الأسابيع الأخيرة، ففي غضون 15 يوما، أوقف قرابة 60 من أعضاء “ألتراس أهلاوي”، وهي رابطة مشجعي النادي الأهلي لكرة القدم، وفق الجبهة المصرية لحقوق الإنسان.
والألتراس الذين شاركوا بقوة في “ثورة” العام 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك، مستهدفون منذ فترة طويلة من نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، فقد تمّ حلّ هذه الروابط في العام 2018 وألقي القبض على العشرات من أعضائها.
في الثاني والعشرين من أبريل، أوقف قرابة عشرين من أفراد “ألتراس أهلاوي” خلال مباراة في أستاد القاهرة. وعلى الفور، انطلقت حملة لمقاطعة الأستاد، وهو أبرز ملاعب القاهرة، وسرت دعوات للمشجعين إلى إحراق بطاقاتهم احتجاجا.
وأكدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أنه تمّ بعد ذلك إلقاء القبض على 39 من مشجعي الأهلي “من بينهم قصّر أعمارهم أقل من 15 سنة”. وقضت نيابة أمن الدولة بحبسهم احتياطيا بتهمة “الانتماء إلى منظمة الألتراس الإرهابية”، وفق المصدر ذاته.
ويقول طنطاوي، المرشح المحتمل للرئاسة الذي اشتهر بقوله داخل البرلمان في العام 2019 “أنا لا أحب الرئيس السيسي”، إنّ قرابة 25 من أنصاره تعرّضوا للتوقيف أو “خُطفوا“.
وتمّ التحقيق مع 16 منهم بتهمة “الانتماء إلى” أو “تمويل مجموعة إرهابية” أو “حيازة أسلحة” و”منشورات دعائية“. وقال طنطاوي إن “تسعة آخرين خُطفوا بينما كانوا في الطريق إلى مكتبي” بوسط القاهرة. ويستبعد مجدي إجراء “انتخابات حرة” في العام 2024 بعد اكتساح السيسي انتخابات 2018 بمواجهة مرشح وحيد كان يقول إنه يؤيده.
ويتابع “يتم توقيف الناس بسبب تدوينة على فيسبوك، وبالتالي لا أحد يشعر أنه في أمان للقيام بأي نشاط سياسي“. في المقابل، يشدّد ضياء رشوان على ضرورة “التمييز بين الحالات الفردية والظواهر الكبرى”، مثل الحوار الوطني أو لجنة العفو الرئاسي.
وترفض السلطات تحديد عدد السجناء، وتنفي أن يكون لديها سجناء سياسيون. وتحاول المنظمات الحقوقية الاستناد إلى أرقام أخرى.
وقالت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان إن القضاة في المحاكم الخاصة بمكافحة الإرهاب التي تنعقد في سجن بدر (شرق القاهرة) نظروا خلال العام 2022 في 25035 طلبا لتجديد الحبس الاحتياطي.
وفي نهاية مارس، افتُتح خامس “مركز تأهيل” وسط اهتمام كبير من الإعلام المحلي. وتشيّد هذه المراكز في الصحراء وتضمّ مكتبات وورش حياكة ومصانع للصناعات الزراعية الغذائية، وفق ما لاحظت وكالة فرانس برس خلال زيارة نظمتها السلطات. ويفترض أن تحل محل السجون القديمة. لكن منذ يناير، توفي 14 سجينا، بما في ذلك خمسة على الأقل في هذه المراكز الجديدة، بحسب ناشطين مدافعين عن حقوق الإنسان.