وثائق تكشف كيف تسيطر المخابرات البريطانية على الإعلام الأردني

وحدة الاتصالات الإستراتيجية أصبحت مؤهلة للفوز على سباق الفضاء المعلوماتي بفضل المساعدة البريطانية.
الخميس 2023/06/08
تكتيكات إعلامية مختارة

لندن - كشفت مذكرات سرية مسربة من مكتب وزارة الخارجية البريطانية تسلل المملكة المتحدة إلى هيكلة الاتصالات الأردنية، ما تسبب في “تأثير خبيث” واسع النطاق على إعلام البلاد وبالتالي التصورات العامة داخل الأردن، وفي شرق آسيا على نطاق أوسع.

وأظهرت المذكرات التي نشرها موقع “ذي كرادل” أنه بذريعة مواجهة إعلام داعش، سعت لندن لنشر عملائها داخل وحدة الاتصالات الإستراتيجية بالأردن “JSU”، وهي كيان أردني يضم ممثلين من عدة إدارات ومؤسسات حكومية تضم بالطبع الديوان الملكي ووزارة المعلومات والقوات المسلحة الأردنية ووزارة الداخلية ومديرية الأمن العام.

وأنشأ العملاء “غرف أخبار سرية” مخصصة لنشر تدفق مستمر من المحتوى الإعلامي، غير القابل للتتبع، يمجد الروايات الوطنية ويبعث برسائل مناهضة للتطرف، ثم ستساهم المنافذ الإعلامية المحلية والإقليمية في نشر هذا المحتوى سواء بقصد أم دون قصد.

من المفارقة الساخرة أن المرشد الداخلي للمشروع الذي من المفترض ضمه إلى الوحدة وتدريب الأردنيين على فن حرب المعلومات هو جندي احتياطي سابق بالجيش البريطاني

وقدمت المخابرات البريطانية عرضًا تفصيليًا لشركة “ألباني أسوشيتس” (Albany Associates) لمشروع قيمته نصف مليون جنيه، وسعت لندن لإتمامه بنهاية السنة المالية 2016 – 2017. وقالت الشركة “بدعمنا ستصبح وحدة الاتصالات الإستراتيجية الأردنية مؤهلة للفوز والهيمنة على سباق الفضاء المعلوماتي”. ووضعت الشركة الخطوط العريضة للخطة التفصيلية.

ويقول العرض “أوصينا بأن يكون محتوى وحدة الاتصالات الإستراتيجية مزيجًا من مقاطع الفيديو القصيرة والصوتيات والصور والإنفوغرافيك والمدونات ومقالات الرأي وأسئلة وأجوبة مباشرة مع العناصر الأمنية العليا والمؤثرين الرئيسيين، كما سننصح باختيار ومشاركة محتوى شيق وذي صلة لجهات خارجية تدعم الأهداف الحكومية”. ويضيف “سنحدد أكثر المؤثرين الأردنيين شعبية على فيسبوك وتويتر وواتساب وغوغل وكذلك المدونين وقنوات التواصل الاجتماعي الأخرى ونطور إستراتيجيات للتفاعل معهم، بما يساعد على خدمة رسائلنا ونشرها”.

وأضافت “يمكن تحقيق ذلك جزئيًا من خلال استغلال الشبكات المحلية والإقليمية (سرًا) واستغلال محتوى المواطنين والنشطاء والمنظمات غير الحكومية وتحدي وتجاوز محتوى المعارضة، وسيكون تركيز غرفة الأخبار الإستراتيجي على الأصوات المحلية التي تتحول إلى محادثات محلية”.

وبملاحظة أن الحكومة الأردنية تستخدم بشكل أساسي وسائل الإعلام القديمة والتقليدية لإصدار الخطابات والمعلومات، اقترحت الشركة تدريب الوكالات الأمنية والاستخباراتية في عمّان على كيفية استخدام مجموعة من وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التحرير والأدوات المصاحبة لذلك.

كان إخفاء مشاركة بريطانيا في غرفة الأخبار السرية أمرًا مهمًا، فالارتباط بحكومة إقليمية أو غربية يمثل مخاطرة كبيرة تستطيع الشركة تخفيفها بضمان عدم ظهور التمويل والإدارة الأجنبية في العلامة التجارية للمحتوى المختار.

ولاحظت الشركة أن وحدة الاتصالات الإستراتيجية تعمل في بيئة إعلامية متوترة ومريبة للغاية، وأكثر ما يسأله الناس لأنفسهم: من يصنع هذا المحتوى؟ ولماذا؟

وتقول الشركة “في مثل هذه الظروف كانت الوحدة تطلق دعايات مضادة متوقعا أن تنقلها وسائل الإعلام بكل أمانة ويصدقها الجمهور المستهدف، لكن مهمتنا أن نفعل الأمر بشكل مختلف وذلك باستخدام التوازن والمحتوى لإنتاج الثقة والإقناع لتحقيق الأهداف”. وأحد الأهداف الرئيسية المعلنة لغرفة الأخبار هو الحد من تصوير الحكومة الأردنية كعميل للغرب خاصة الولايات المتحدة في المنطقة.

"غرف أخبار سرية" مخصصة لنشر تدفق مستمر من المحتوى الإعلامي، غير القابل للتتبع، يمجد الروايات الوطنية ويبعث برسائل مناهضة للتطرف

وهذه الطريقة الحذرة تمتد لتشمل قنوات الإعلام المشهورة لدى الجمهور المستهدف والتي لن تثير التساؤلات بين القاعدة الشعبية المستهلكة لوسائل الإعلام. وهناك أيضًا مخاوف بشأن اختيار المشاهير المحليين والدوليين الذين من الممكن استخدامهم لإضفاء بصمة شعبية مستقلة على محتوى الوحدة.

وتقول الشركة إن تضخيم الأصوات الشهيرة من التكتيكات المفيدة لزيادة الوصول والتأثير، ومع ذلك فقد يأتي بنتائج عكسية إذا كانوا مرتبطين بوضع سياسي معين وبالتالي سيكون محتواهم كذلك. وتضيف “بإمكانهم أن يكونوا مفيدين رغم ذلك إذا قمنا بالبحث المناسب أولًا لتحديد مواقفهم السياسية وتقييم انتشارهم المحتمل مقابل مخاطر مشاركتهم، وأن تفهم الوحدة جيدًا حدود استخدام هذه الأصوات”.

والهدف الحقيقي لغرفة الأخبار التأكيد بشدة على السرديات التي تخدم المصالح الذاتية وبالتالي السيطرة الأميركية والبريطانية على الأردن والدول المجاورة.

وإذا أصبحت علاقة الصوت الشهير سلبية، فإن الطبيعة “غير المعروفة” لاتصالات غرفة الأخبار ستعني أنه لن يكون هناك رابط بين التصور الشعبي للمحتوى الذي يميز هذا الصوت والمحتوى الذي لا يميزه، فمناطق العمل الأخرى لن تتأثر جراء ذلك.

ومن بين المشاهير المقترحين للمشروع واعظات دينيات ومقاتلات سابقات في داعش وضحايا وعائلات الضحايا وعائلات المقاتلات وناشطات ومواقع ساخرة.

ومن المفارقة الساخرة أن المرشد الداخلي للمشروع الذي من المفترض ضمه إلى الوحدة وتدريب الأردنيين على فن حرب المعلومات هو جندي احتياطي سابق بالجيش البريطاني ذهب إلى أفغانستان والعراق وكوسوفو. ويفتخر المرشد بأنه يتمتع بخمس سنوات من الخبرة التشغيلية في مجال الاتصالات في لندن وواشنطن ويملك تصاريح أمنية عالية المستوى، ويُقال إنه أنشأ وقاد فرقا صحفية في أكثر البيئات عدائية.

5