وقف مشروط للاقتراض.. قرار مصري يخاطب وجدان الرأي العام

القاهرة- استجابت الحكومة المصرية لنداءات عديدة بوقف الاقتراض من الخارج بعد أن شكلت قضية الديون وما يترتب عنها من أزمات اقتصادية صعبة أحد عوامل السخط الداخلي عليها، في خطوة تستهدف ضبط خطابها السياسي الموجه إلى الشارع وتقديم رسالة تفيد بأنها لا تمانع في الاعتراف بأخطاء سابقة.
وأعلنت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد الاثنين التوقف عن الحصول على قروض جديدة إلا بشروط مُيسّرة ولبعد تنموي كبير، مع خفض الإنفاق لأجل احتواء التضخم مقابل زيادة الاستثمارات.
وحددت مجالات يمكن أن تضطر الحكومة للاقتراض بسببها، وتقتصر على حاجة الحكومة إلى توفير الأمن الغذائي أو ما يرتبط بالطاقة، بشرط أن تكون قروضا ميسّرة وللضرورة في هذه الظروف الاستثنائية التي تتطلب مراعاة أبعاد كثيرة.
وتواجه الحكومة المصرية اتهامات من معارضة وقطاعات شعبية بأنها أسرفت في الاستدانة دون إجراء دراسات جدوى لمشروعات نفذتها خلال السنوات الماضية.
وهناك قناعة بأن طريق الحكومة الأسهل للحصول على أيّ موارد مالية لا تستطيع توفيرها يقودها مباشرة للتوجه إلى الاقتراض والاستدانة بلا دراسة متأنية لوضع سياسات استثمارية تخفف الضغوط عن الموازنة العامة للدولة.
وتحصل الحكومة باتخاذها خطوة إلى الخلف في مجال الاقتراض على رئة جديدة تمكنها من التنفس في مخاطبة الرأي العام وإقناعه بتوجهاتها وخططها المستقبلية، خاصة وأنها قد تواجه مأزقا حادا حال لم تستطع الوفاء بسداد ديونها الخارجية.
وتؤكد بموجب هذه الخطوة أن لديها رؤية اقتصادية مغايرة لتلك التي اتبعتها في السنوات الماضية، وأدت إلى زيادة معدلات الإنفاق بشكل كبير بلا قدرة كبيرة على جذب عوائد مالية واستثمارية بالصورة المطلوبة لسد العجز في النفقات.
وبدت جهات رسمية في مصر كأنها تسير في طريق، والمواطنون في طريق آخر، وصاحبت تمرير البرلمان لقرض خصص لوزارة النقل مؤخرا انتقادات متصاعدة للحكومة، وهو ما كشف عن حجم الإصرار على استكمال مشروعات قومية تنموية عملاقة بلا عوائد مالية يمكن تحصيلها منها قريبا.
وتسد وزارة التخطيط بقرارها ثغرة مهمة تسببت في توجيه اتهامات كثيرة للحكومة بشأن خططها الاقتصادية وطالبت بعض الدوائر بتغييرها لفشلها في إدارتها اقتصاديا.
وطالبت بعض الأحزاب السياسية بوقف الاقتراض، وهو ما يبدو أن الحكومة بدأت تستجيب له، لكن الحقيقة أن الخطوة جاءت لتيقّنها من عدم قدرتها على الوفاء بالسداد.
وأصبحت الحكومة وعدد من الأحزاب المعارضة مطالبين بتقديم بدائل منطقية يمكن أن تسهم في دوران عجلة الاقتصاد وجذب الاستثمارات بلا أعباء جديدة.
وقالت سميرة الجزار، عضو مجلس النواب المصري، إن قرار وزيرة التخطيط “إيجابي للغاية، والمهم تنفيذه على أرض الواقع، فلا يمكن أن تعيش دولة على الاقتراض أو فرض الضرائب على المواطنين، ولا بد للحكومة أن تعدّل بشكل شامل سياساتها لتبدي اهتمامات أكبر بالقطاعات التكنولوجية والزراعية والصناعية“.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن على الحكومة إجراء دراسات جدوى اقتصادية حول المشروعات التي تنفذها وإبلاغ البرلمان بها قبل اتخاذ قرارات استدانة لتمويلها، وثمة مشروعات لم تحقق عائدا منها، على الرغم من أن الحكومة استدانت لتنفيذها.
وتعلم الحكومة جيدا بطبيعة المشكلات التي تسببت فيها مسألة التوسع في الاقتراض وتدرك أنها تواجه ردود فعل قوية ورافضة، خاصة من نواب في البرلمان محسوبين على المعارضة، لكنها أصرت على قراراتها بلا سبب مقنع وواضح.
وجاء إعلان وزيرة التخطيط هالة السعيد من داخل مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) بعد خلافات أثارها وزير النقل الفريق كامل الوزير من قبل عندما جرى تمرير خطة وزارته لاقتراض ملياري يورو لتنفيذ مشروع إنشاء الخط الأول لشبكة القطار الكهربائي السريع الرابط بين مدن ساحل البحرين الأحمر والمتوسط.
وكانت الجلسة التي حضر فيها وزير النقل إلى البرلمان كاشفة عن غضب من الاستمرار في سياسات الاقتراض في وقت تعاني فيه البلاد أزمة اقتصادية جراء صعوبات توفير العملات الأجنبية اللازمة لسداد الديون الخارجية، ما ترتب عليه تخفيض قيمة الجنيه بنسبة تفوق 100 في المئة أمام الدولار في غضون عام واحد، وتسبب ذلك في موجة تضخمية هي الأعلى منذ سنوات.
اقرأ أيضا:
ويعد قرار وقف الاستدانة استكمالا لحزمة قرارات أصدرها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مطلع هذا العام تتعلق بترشيد الإنفاق العام، شملت تأجيل تنفيذ المشروعات الجديدة التي لم يتم البدء في تنفيذها وذات مكون دولاري واضح.
وأشارت هالة السعيد إلى أن خطة التنمية 2023 – 2024 لا تتضمن البدء في مشروعات جديدة، وتركز على استكمال تلك التي وصلت نسبة تنفيذها إلى 70 في المئة للانتهاء منها لتعظيم العائد من الاستثمار فيها، مشددة على اعتماد الحكومة في خطتها على عملية إعادة ترتيب الأولويات.
وينعكس اتخاذ قرارات حكومية بالقطعة في ملف الاقتصاد المصري على حياة المواطنين من دون أن يحقق الغرض الرئيسي منه على مستوى تهدئة خواطر الرأي العام الذي بات منزعجا من ارتفاع حجم الديون وارتداداتها الاقتصادية على حياته.
وتنظر شريحة من المواطنين إلى أن الحكومة الحالية غير جادة في تنفيذ ما تقره من إجراءات، ويغيب عنها معيار الوضوح والشفافية في عدد من المشروعات التي تقوم بتنفيذها، والتي قد تكون ذات أهمية، لكن الرأي العام لا يقتنع بذلك حيث يعاني يوميا، ويرى قدرا من التلكؤ في التراجع عن قرارات قادت إلى أزمات اقتصادية عدة.
وطالب خبراء اقتصاد بأن تكون الشروط التي وضعتها الحكومة لوقف الاقتراض أكثر صرامة، والتأكد من أنها تحمل بعدا تنمويا ضروريا، فضلا عن أن الشكوك المتزايدة في كون السلطة التشريعية تقوم بدورها في عملية الرقابة والمساءلة جعلت البعض لا يثقون كثيرا بتوجهات حكومة ترفض الاعتراف أحيانا بسياساتها الخاطئة.
وبلغ إجمالي قيمة الالتزامات على مصر خلال العام المالي الجاري وينتهي آخر يونيو الحالي، نحو 20.2 مليار دولار، منها نحو 8.7 مليار دولار في النصف الأول منه (انتهى في ديسمبر الماضي) وفق البيانات المعلنة من البنك المركزي.