جهود سعودية لاحتواء التصعيد في السودان لا تلقى صدى على الميدان

جدة - ذكرت مصادر مطلعة أن طرفي الصراع في السودان استأنفا في مدينة جدة السعودية المحادثات غير المباشرة، لكن إلى حد مساء الثلاثاء لم يجر أي إعلان رسمي بهذا الخصوص.
وأضافت المصادر أن المحادثات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ستركز على وقف القتال، الذي اتخذ منحى خطيرا منذ انهيار الهدنة.
وكثفت السعودية خلال الساعات الماضية تحركاتها للضغط على طرفي الصراع من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، مع تصاعد النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم وإقليم دارفور غرب البلاد.
وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في وقت سابق اتصالات مع كل من قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
ولا يخفي متابعون يأسهم من إمكانية حدوث اختراق بين الطرفين، لاسيما في ظل إصرار قائد الجيش على شرطه السابق بخروج قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم.
ويرى المتابعون أن الإشكال يكمن في أن البرهان يرى أن الوقت الحالي غير مناسب لإطلاق مفاوضات جدية، ويرهن الأمر بتحقيق بعض المكاسب الميدانية، قبل الانخراط في هذا المسار.
المعارك تتواصل للأسبوع الثامن على التوالي بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع تحذير منظمات الإغاثة من "أزمة إنسانية هائلة"
ويشير هؤلاء إلى أن ما يروج عن إبداء الجيش مرونة لا يعدو كونه مناورة، في ظل التخوّف من حزمة عقوبات غربية جديدة، سبق وأن لوح بها الاتحاد الأوروبي.
وهزّ دوي الانفجارات وأصوات الاشتباكات جدران المنازل في الخرطوم الثلاثاء مع تواصل المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفق ما أفاد به شهود متخوّفون من وقوع سكان في العاصمة السودانية تحت “حصار كامل”.
وللأسبوع الثامن على التوالي تتواصل المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع تحذير منظمات الإغاثة من “أزمة إنسانية هائلة” في السودان.
وأفاد سكان في العاصمة بوقوع “اشتباكات بكل أنواع الأسلحة جنوب الخرطوم”، حيث سمع مواطنون “أصوات انفجارات اهتزت لها جدران المنازل”. كما أكد آخرون سماع “أصوات قصف بالمدفعية الثقيلة من مراكز للجيش في شمال أم درمان” بشمال غرب العاصمة.
وقالت جواهر محمد (45 عاما) “نحن سكان منطقة بانت في أم درمان، أصبحنا منطقة الحرب، اشتباكات عنيفة وقصف حولنا لأن منزلنا بالقرب من سلاح المهندسين”. وأضافت “نخاف من الموت ونخشى أن نترك منزلنا فتتم سرقته”.
إضافة إلى ذلك تحدث شهود في جزيرة توتي، الواقعة عند ملتقى النيل الأبيض والأزرق وسط الخرطوم، عن أن قوات منعت سكان الجزيرة من عبور الجسر الذي يربطها بوسط العاصمة الخرطوم، كما منعتهم من استخدام قوارب العبور إلى ضاحية بحري.
وقال محمد يوسف، وهو أحد القاطنين في الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 30 ألفا، “هذا حصار كامل. إذا استمر لأيام ستنفد المواد الغذائية من المتاجر”. وأضاف “أصبح من غير الممكن نقل أي مريض إلى مستشفى خارج الجزيرة” التي يخدمها مركز صحي صغير.
وأسفرت المعارك التي اندلعت في 15 أبريل الماضي عن مقتل أكثر من 1800 شخص، وفق مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها. إلا أن الأرقام الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
وعانى المقيمون في العاصمة الذين يبلغ عددهم حوالي خمسة ملايين نسمة، كغيرهم من سكان البلاد، من تراجع حاد في مستوى الخدمات والمواد الغذائية منذ بدء النزاع. وتشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف منهم تركوا الخرطوم.
وتسببت الحرب في نزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص، من بينهم 425 ألفا لجأوا إلى الدول المجاورة. وتؤكد الأمم المتحدة أن 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، باتوا الآن بحاجة إلى المساعدة والحماية.
تحذيرات من أن التحديات ستزيد مع اقتراب موسم الفيضانات، وأزمة الجوع التي تلوح في الأفق وتفشي الأمراض التي قد تصبح حتمية أكثر
ولم يفِ طرفا القتال بتعهدات متكررة بوقف إطلاق النار الذي يتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية. وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان الذي كان يعدّ من أكثر دول العالم فقرا حتى قبل اندلاع المعارك الأخيرة.
وقال نائب المدير الإقليمي في أفريقيا للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بيير كريمر في تصريحات للصحافيين بجنيف “نحن نواجه أزمة إنسانية هائلة تزداد سوءًا مع انهيار الاقتصاد ونظام الرعاية الصحية”.
وحذّر من أن التحديات ستزيد مع “اقتراب موسم الفيضانات، وأزمة الجوع التي تلوح في الأفق وتفشي الأمراض التي قد تصبح حتمية أكثر”.
ويبدأ في يونيو موسم الأمطار في السودان، وحذّر عاملون في المجال الطبي والإغاثي من أنه قد يعزل أجزاء من البلاد ويزيد من خطر تفشي أوبئة وأمراض مثل الملاريا والكوليرا.
وكان مكتب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) حذّر الإثنين من أن الوضع في العاصمة السودانية ومحيطها “لا يزال مبعث قلق شديد”.
وأشار إلى أن الأوضاع في إقليم دارفور غربيّ البلاد “تستمر في التدهور”، مؤكدا أن مسؤولي حقوق الإنسان “يوثقون حاليا عشرات الحوادث، بما في ذلك القتل والاعتقالات وحالات الاختفاء المحتملة والهجمات على المستشفيات والعنف الجنسي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، التي ارتكبتها أطراف النزاع”.
وعلى الرغم من إبرام الطرفين أكثر من هدنة خلال الفترة الماضية، فإنهما كثيرا ما تبادلا الاتهامات بخرق كل منها. وشهد الأسبوع الماضي تعليق مباحثات استضافتها مدينة جدّة بوساطة سعودية – أميركية بعد انسحاب الجيش منها. لكن السعودية والولايات المتحدة التي بدأ وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الثلاثاء زيارة إلى المملكة، دعتا الأحد للعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق نار جديد.