نتاشا المعاني.. فلسطينية صورت صلابة المرأة وتوقها إلى الحرية

الفنانة اعتمدت في لوحاتها على السطوح الخشنة وضربات الفرشاة القوية بألوان متعددة، تأكيدًا لفكرة أنَّ التنوع هو ديدن الحياة وسنّتها.
الثلاثاء 2023/06/06
فنانة صورت أجساد بنات جنسها وقضاياهن

عمان- تعكس أعمال التشكيلية نتاشا المعاني جمال الذات الأنثوية وإرادتها وتوقها إلى الحرية. وعُرفت رسوماتها ولوحاتها بالإقبال على الحياة وصنعها والحب والقتال والعناد، واهتمامها بالوجه الأنثوي، وطبيعة المرأة وبيئتها، لكنها عبرت فيها أيضا عن الحزن والشتات والانبتات والحروب، وهي في كل مراحلها الفنية تحكي قصة نساء يشبهنها، التزمن بقضايا وطنية وتمسكن بالحرية مهما كلفهن ذلك من تضحيات وأثمان.

وتستوحي الفنانة التي ولدت في عمان سنة 1959 كل ذلك من تجربتها الحياتيّة الخاصة التي اتسمت بالمقاومة والصمود والتحدي، إذ التحقت المعاني التي غيّبها الموت قبل أيام بصفوف المقاومة الفلسطينية في بيروت، واستمرت فيها حتى عام 1982، وهناك تعلمت الرسم، كما تعلمت تقنيات الإخراج والتصميم الفنيّ وبخاصة تقنيات الملصقات، ثم انتقلت إلى دمشق فتونس، ثم عادت إلى عمّان التي وُلدت فيها، واستقرت فيما بعد برام الله.

وخلال تلك الرحلة توفرت للفنانة، التي تركت إرثًا فنيًّا كبيرًا، فرصة الاطلاع على تجارب فنية متنوعة، وتشكّل لديها إيمانٌ برسالة الفنّ في التعبير عن حياة الناس والقضايا التي تهمّهم، وقدمت نفسها كفنانة تشكيلية في معرض مشترك مع الفنانة لطيفة يوسف في عام 1991.

◙ الفنانة المولودة في عمان تستوحي كل أعمالها من تجربتها الحياتيّة الخاصة التي اتسمت بالمقاومة والصمود والتحدي
الفنانة المولودة في عمان تستوحي كل أعمالها من تجربتها الحياتيّة الخاصة التي اتسمت بالمقاومة والصمود والتحدي

وفي تلك الرحلة عملت ناتاشا المعاني على إخراج النشرات أثناء حصار بيروت خلال الاجتياح الإسرائيلي الذي انتهى بترحيل المقاومة عام 1982، كما صممت العديد من بوسترات الانتفاضة الفلسطينية الأولى للإعلام الموحد في تونس.

وعملت الفنانة في جريدة “العودة” التابعة للجبهة الديمقراطية ثم أصبحت مسؤولة عن إخراجها. ثم عملت بجريدة “الحرية”. وفي رام الله عملت في قطاع الإعلام الثقافي والسياسي عام 1997 وفي الإشراف والتصميم الفني لمتحف محمود درويش الذي افتتح عام 2012 في مدينة رام الله.

ومن أشهر المعارض التي أقامتها المعاني ذلك الذي حمل عنوان “زهرة” (2017)، ومثّل تحية لوالدتها الكاتبة الراحلة زهرة عمر، والتي كانت -كما رددت الفنانة في أكثر من حوار معها- اليدَ الأولى التي امتدت لها لتعلمها كيف تخطو على درب الثقافة والفنّ، إذ جعلتها أمها ترى العالم من زوايا مختلفة، وشجّعتها على القراءة والاطّلاع على مستجدات الفنّ، وساعدتها على بناء مفاهيم جمالية كثيرة عن المرأة.

وعبرت معظم لوحات ذلك المعرض عن أجساد نسوية في تشكيلات متعددة، إلى جانب رسومات لعدد من الحيوانات والأزهار، أرادت الفنانة أن توصل من خلالها رسالة تناهض جميع أشكال العنصرية والتمييز وخطاب الكراهية، وتنحاز لقيم التعايش والسلام والتسامح.

واعتمدت الفنانة في لوحاتها على السطوح الخشنة، وضربات الفرشاة القوية بألوان متعددة، تأكيدًا لفكرة أنَّ التنوع هو ديدن الحياة وسنّتها، وأن جوهر الإنسانية واحد، لذا لا مبرر للتمييز العنصري والتفرقة بين البشر.

أما المعرض الأخير لنتاشا التي تولّت الإشراف والتصميم الفني لمتحف محمود درويش، فأقيم عام 2022، وحمل عنوان “المدَّثرات”، وفيه حاولت الفنانة -بينما هي تعاني المرض- التعبير عن مشاعرها القوية عبر اللوحة واللون، إذ رأت في الفنّ اللغةَ التي يمكن لمشاعرها أن تتعاطى معها، فحاولت أن تبوح بكل ما في قلبها وذهنها عن طريق اللوحة، مؤكدةً أنَّ أعمالها مليئة بالقوة والتصميم والإرادة، وأنَّ المرأة هي أكثر من يعبّر عن ذلك.

وفي معرضها الذي تناولت فيه موضوع المرأة سلطت المعاني الضوء على أشكال أنثوية، تاركةً بعض الرموز الموحية، كالمرأة التي تحمل قيثارة وتعزف رغم الصعوبات، والمرأة التي تحتضن بكفَّيها حمامة بيضاء هي رمز للمحبة والسلام، والمرأة التي تعانق الماء وتتوحد به. كما برزت في عدد من اللوحات العيون الأنثوية، التي جاءت بأحجام كبيرة ونظرات لها معنى.

ومن معارضها أيضا معرض فني مشترك مع الفنانة لطيفة يوسف، تونس 1991، ومعرض فني لمؤسسة وتر عام 2014 واللوحات المرافقة للقسم الفلسطيني لمهرجان الشعر في معهد العالم العربي في باريس.

 

14