الإعلامية والروائية منى مصري لـ"العرب": كل يوم هناك موضوع لنكتب عنه

أغلب الكتاب يتأثرون كثيرا بواقعهم، لذلك يستلهمون كتاباتهم، حتى تلك المبالغة في التخييل، من واقعهم ويصبغون آراءهم وشخصياتهم على ما يكتبون لإضفاء المصداقية التي يبحث عنها القارئ، لا بتقديم عالم مطابق للواقع وإنما عالم متماسك. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الإعلامية والكاتبة السورية منى مصري حول الكتابة وقضايا أخرى.
عمر شريقي
على الصفحات النقية ترسم نبض قلبها وتبثه وإياكم قصصا وروايات، غادرت وطنها لكنه راسخ في وجدانها؛ حزنه وفرحه وحكاياته ونسماته تخالج روحها المتعبة وتنعشها كلما زاد وجعها.
إنها الإعلامية منى مصري، قاصة وروائية سورية مرهفة الإحساس وتتميز بأسلوبها الواضح ومستواها الجيّد في حياكة عوالمها الأدبية، نصوصها أخاذة وصورها لها خصوصيتها. أما رواياتها فمليئة بالمعاني والعبر والتعابير الشفافة المصقولة لغويا بعناية، وقد صدرت لها روايتان “اثنان بالمئة” و”على خد أنثى”، ومعها نتعرف في هذا الحوار على عوالم أدبها.
نتطرق مع الكاتبة إلى الحديث عن سبل تقييم العمل الأدبي وعلاقته بالجمهور، لتقول إن "الكاتب يبدي احترامه لقرائه عندما يكون مسؤولا عما ينتجه ويكتبه ومن خلال تقديمه أفكارا مفيدة لهم، ولا شكّ أن عنصر المتعة يجب أن يكون موجودا بحيث يشعر القارئ عندما ينتهي من قراءة الكتاب بأنّه خرج بمعلومة أو بحكمة وقد استمتع بقراءة الكتاب ليس فقط لمجرد القراءة".
أما عن فكرة المجموعة القصصية “على خد أنثى” فتقر مصري بأن فكرة هذه المجموعة القصصية هي قصص واقعية عايشتها في سوريا أثناء الحرب، لكن هي من رسم نهاياتها، إذ تحكي عن نساء من زمن الحرب وتصف كم المعاناة الذي تكبدته كل واحدة منهن والأضرار النفسية والجسدية التي تعرضن لها.
تجربة الكتابة
حول أهمية النقد بالنسبة إلى المبدع ترى الكاتبة أن النقد الأدبي ضروري للارتقاء بالكتابة وأسلوبها لأنّه يبين نقاط القوة والضعف وزلات الكتابة إن وجدت ليتفاداها الكاتب فيما بعد، لكنها تأسف لأن الساحة الأدبية العربية اليوم تفتقد إلى ذلك.
الكاتب يعيش ظروفا مختلفة، نسأل مصري هنا من أين تستمد إلهامها وتجد نفسها؟ لتجيبنا “نصف الجواب في السؤال؛ أستمد إلهامي من الواقع المؤلم كثيرا والمفرح قليلا، من الظروف وتقلبات الحياة، من الغربة والابتعاد عن الأهل، من التحديات التي نواجهها كل يوم على النطاق العائلي والاجتماعي، كل يوم هناك موضوع تكتب عنه".
رواية مصري "اثنان بالمئة” تحكي عن فتاة تعشق الفن التشكيلي، وتحلم بأن تكون رسامة مشهورة، وهناك كواليس وخفايا جميلة في هذه الرواية، تقول الكاتبة "رواية 'اثنان بالمئة' تحمل قضايا كثيرة وليس مجرد فتاة تبحث عن حلمها، تتحدث الرواية عن الحياة العائلية والعلاقة بين الرجل والمرأة، صراعات تعيشها الشخصية عندما تنتقل من بيت أبيها إلى بيت زوجها الشاب الريفي الذي لا يهتم لموهبتها، قرار السفر السري والمفاجئ إلى فرنسا حيث تترك زوجها وابنها وأهلها، ردة فعل الزوج والمجتمع الظالمة، معاناتها في الغربة والتحديات التي تواجهها وحيدة، الفضيلة التي تلاحقها في بلاد المهجر".
وتتابع “نعم تصل إلى حلمها بعد أن يكتشف موهبتها صاحب متجر الزهور الذي تعمل فيه ويخصص لها جدارا لتعرض لوحاتها فتشتهر وتتحدث عنها القنوات والصحف الفرنسية، ثم تسوء حالتها الصحية لتكشف الأحداث فيما بعد أنها مصابة بمرض نادر ويقول الطبيب المعالج للمرض في فرنسا إن مرضها يسمى 'داء هنتنغون' ونسبة شفائه اثنان بالمئة وهي عنوان الرواية".
عن مدى مصداقية الكاتب في عمله الأدبي ترفض مصري اتهام الكتاب بالكذب، قائلة “أنا ضد هذه المقولة، باعتقادي ووجهة نظري أن الكثير من الكتاب يتركون أثرا من ذواتهم في رواياتهم. وفي كل قصة شيء من ذات الكاتب، من ذكرياته ومعاناته، وهو ما يحتم عليه أن يتحلى بالمصداقية لأنّه من الصعب أن تؤثر في الآخرين إن لم تتحل بالمصداقية بحيث أنك عندما تقرأ رواية ما تشعر بأنك تعيش داخلها، وهذا ما يقوله لي معظم القرّاء عندما يقرأون روايتي: جعلْتِنا نعِشْ أجواء الرواية من أولها حتى آخرها".
حراك ثقافي
كانت لمنى مصري إدارة الجلسة الحوارية الأدبية تحت عنوان "الإثارة والتشويق والغموض والخيال في الرواية” ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي بالشارقة، تُحدثنا عن انطباعها حول إدارة الجلسة خصوصا والمعرض عموما قائلة "كنت سعيدة بإدارة الندوات في معرض الشارقة الدولي للكتاب وقد أضافت لي المتعة والفائدة، فضلا عن التعرف على ضيوف وروائيين لهم باع طويل في كتابة الرواية التشويقية كالروائي دانييل بالمر الذي كتب أكثر من 17 رواية والروائي والسيناريست جريج هورويتز ولديه 23 كتابا وهو صاحب سلسلة "ORPHAN X" وقد تحولت معظم اْعماله الروائية إلى أفلام عالمية".
وتضيف “ولجنا إلى عالم الخيال وتجولنا بين الغموض والرعب والإثارة، أما بالنسبة إلى المعرض فتمنيت ألّا ينتهي إذ أنه لا مكان أجمل من التنزه بين الكتب وتقليب صفحاتها والغوص في جواهرها، فهذه الفعالية الثقافية الكبيرة تضمنت نشاطات كثيرة وضيوفا من أنحاء العالم كافة كلّ يروي قصة نجاحه وتميزه فكانت ملتقى لتبادل الثقافات والخبرات".
تشهد دولة الإمارات حراكا ثقافيا مميزا، نسأل مصري عن الأفق المنظور للثقافة الإماراتية في ضوء هذا الحراك، لتجيبنا “الحراك الثقافي في دولة الإمارات في تطور مستمر، لكن قد تكون فترة جائحة كورونا أثرت على المشهد قليلا، غير أنه عاد إلى أخذ مكانته، والإمارات بالذات تحرص دائما على إيجاد كافة التسهيلات التي تساعد على إثراء المشهد الثقافي بمختلف مجالاته. أما الأفق المنظور برأيي فقد نشهد في المستقبل ندوات ثقافية مشتركة بين عدة جنسيات ونعلم جميعا أن على أرض الإمارات تقطن أكثر من 200 جنسية".