العراقي علي جابر: نحتاج إلى إنتاج ضخم وتسويق وموازنة كبيرة لننافس عربيا

فنان يبتعد عن الإسفاف ويحصره المنتجون في الأدوار الكوميدية.
الجمعة 2023/06/02
فنان حملته الصدفة إلى عالم التمثيل

رغم أنه خريج المدرسة التراجيدية إلا أن الفنان العراقي علي جابر يعرف بأدواره الكوميدية أكثر، لكنها كوميديا تخاطب العقل ولا تستسهل الإسفاف والإضحاك، وهو وإن غاب مؤخرا عن المشاركة في الأعمال التلفزيونية إلا أنه يراقب عن كثب الإنتاج العراقي ويملك تقييمه الخاص له ونظرته لمستقبله الفني.

بغداد - كان الممثل العراقي علي جابر، عند انطلاقته في العام 1976، هاويا لتجسيد الأدوار، يحاول تقليد غيره من الممثلين، لا يطمح في دراسة الفن، لكن المصادفة لعبت دورها في تغيير مسار حياته نحو المجال الفني، إذ قام زميله أكرم كامل بتمزيق أوراق التقديم لمعهد السكك، واقترح عليه التقديم إلى معهد الفنون الجميلة، وفعلا اقتنع ودخل المعهد ليكمل دراسته الأكاديمية ويصبح أحد نجوم الكوميديا في العراق.

رغم ذلك، يقول الفنان إن الكوميديا أخفت وجهه التراجيدي، فيما رأى أن الأعمال الفنية العراقية تحظى بقبول وتفاعل من الجماهير العربية.

وأضاف “الكوميديا لم تظلمني فهي قدمتني إلى الناس وعرفتني بالجمهور بشكل كبير”، مبينا أنه “على الرغم من أنني جسدت كثيرا من الأدوار التلفزيونية التراجيدية، إلا أن المخرجين دائما يضعونني في خانة الكوميديا فقط وهذا خطأ، كوني لست ممثلا كوميديا فحسب بل أنا ممثل شامل أجيد جميع الأدوار على الإطلاق، لذا من الممكن القول إن الكوميديا أخفت وجهي التراجيدي إلى حد ما في التلفزيون”.

وتابع “نحاول جاهدين من خلال ما نقدمه من أعمال كوميدية أن نكون بمنأى عن منطقة الإسفاف والسذاجة”، مضيفا “ليس عيبا أن تكون الكوميديا من أجل الضحك فقط بشرط ألاّ تخدش الحياء وتبتعد عن التجاوزات”. وأشار إلى أن” الكوميديا تعطي طاقة إيجابية وطمأنينة لجمهورها وفيها رسالة عميقة المضمون وإشارات ورموز مهمة فنياً”.

القطار والفن

يرغب دائما في تجسيد الأدوار التي فيها ملامح الإصرار وعدم اليأس
يرغب دائما في تجسيد الأدوار التي فيها ملامح الإصرار وعدم اليأس

في عودته إلى بداياته في الفن، أكد الفنان علي جابر “كنت مصرا على أن أعمل ودرست في معهد السكك وفكرت بأن أكون سائق قطار وأن أحصل على راتب شهري، إلا أنني لم أركب القطار ولم أقده ولم أجسده في الفن بل اخترت سكة الفن بدلا عن سكة القطار”. 

ولفت إلى أن “الديوانية حيث ولدت شكلت كل أدواتي الفنية والمعرفية والجمالية، كون المجتمع في الديوانية كانت فيه قراءات وفرق مسرحية ومنظمات جماهيرية كانت تدعم الشباب حسب موهبتهم، ووجدت نفسي مزروعا في الفن من خلال مسرح النشاط الفني هناك وتتلمذت على أيدي أستاذة الفن الكبار في المحافظة أمثال الراحل رحيم ماجد، وتوفيق السنيد، ورياض شهيد، وسعد هدابي، وعايد نجم وآخرين، لذا أعتبر نفسي من الفنانين المحظوظين كوني عاصرت هؤلاء الأساتذة”.

وتابع “سكنت مدينة الحرية ببغداد عام 1979 في بيت عمي حيث أكملت المرحلة المتوسطة في مدرسة الشروق ودخلت مركز شباب الحرية الذي كان يضم نخبة من الفنانين منهم الراحل عبدالخالق المختار، وقحطان زغير، وجلال كامل، وأكرم كامل، وعدنان جليل وآخرون، وبعدها درست في معهد الفنون الجميلة ومن ثم كلية الفنون الجميلة”.

وأعرب الفنان عن رغبته بتجسيد الأدوار التي فيها ملامح الإصرار وعدم اليأس، كتجسيد دور المظلوم المنكسر الذي ينفض غبار حزنه وينهض من جديد منتصرا، موضحا “كنت أتمنى أن أجسد دور ’مهدي’ الذي جسده ببراعة الفنان غالب جواد في مسلسل ’عالم الست وهيبة’، وأعتقد أن الدور كان يناسبني في تلك الفترة”. 

وأشار جابر إلى أن “الفنان كاظم الساهر كان معي في المسرح العسكري وكانت تجمعنا صداقة محترمة وأيضا كنا نسكن في منطقة واحدة في مدينة الحرية ببغداد ونذهب معا في الباص لقضاء أعمالنا، وبعد أن اشتهر الساهر بنجوميته كانت تصلني بين الحين والآخر رسائل محبة وإعجاب من المقربين منه عمّا أقدمه من أدوار في التلفزيون وكان يضعني في خانة مميزة، حين التقينا في بيروت بعد فراق طويل فاجأني بمتابعته لأعمالي الفنية ومحبته المعهودة التي كان يضمرها لي سابقا”.

من جانب آخر، رأى الممثل العراقي أنه “لا بأس للفنان أن يدير الأعمال الإدارية بشرط ألاّ يخسر حضوره وإبداعه في المجال الفني، العمل الإداري لم يبعدني عن نشاطي الفني كوني أدير مؤسسة فنية ضمن نطاق تخصصي ومجالي الفني، وبالعكس المنصب لم يفسد عليّ علاقاتي مع زملائي الفنانين فأنا مدير على العمل وليس على الأشخاص، أصدقائي يعرفونني بأني متصالح مع نفسي وليس هناك شيء يستحق خسارة الأصدقاء بسبب المنصب أو العمل الإداري”.

وأكد جابر أن” الوجوه الفنية الجديدة مهمة في الأعمال الفنية، لكن أتمنى أن يتعلموا ممن سبقوهم من الفنانين في تجاربهم الفنية المليئة بالنجاحات، وأن يستمعوا إلى النصائح وألاّ يهملوا القراءة ومشاهدة الأعمال الفنية العالمية، ونجاح الفنان في عمل ما ليس كافيا بل كيف يحافظ عليه ويحصد نجاحات أخرى من خلال المثابرة والالتزام، وعدم استسهال الفن لاسيما في المهرجانات الفنية التي تمنح جائزة أفضل ممثل لفنان ظهر بعملين فقط!، في حين هناك ممثلون عالميون معروفون لم يحصلوا على الجوائز إلا بعد سنوات من تقديم أعمالهم الفنية وتقييمها”.

ولفت إلى أنه” حاول البعض استغلال ابتسامته لمآربه الشخصية”، مستدركا بالقول “أحاول أن أتجاوز من يريد استغلالي بذكائي وفطنتي بهدوء أمام المقابل وأجعله يذهب خجلاً”.

المنافسة العربية

صورة

شهدت الدراما العراقية خلال العامين الماضيين حركة إنتاج ملحوظة، وسعى المنتجون إلى التوسع إلى السوق العربية عبر مشاركة وجوه من جنسيات مختلفة، وطرح مواضيع تواكب حركة الإنتاج العربي. وفيما يتعلق بالمنافسة أوضح جابر أن “المنافسة العربية تحتاج إلى إنتاج ضخم وتسويق وموازنة كبيرة كالأعمال التي تنتج عربيا اليوم وترصد لها مبالغ تصل أحيانا إلى 5 ملايين دولار، فلا بد أن يرصد للعمل العراقي على الأقل 3 ملايين دولار لكي يدخل حيز المنافسة، فضلا عن الأعمال العراقية المحلية التي تحظى بمشاهدة وقبول وتفاعل من الجماهير العربية وهذا ما لمسته خلال تواجدي في عدد من الدول العربية”.

ومضى بالقول “أحسست بسطوة الكاميرا وهيبتها في تقديم البرامج وليس في التمثيل، كون تقديم البرامج من الأمور الصعبة التي تحتاج إلى ارتجال ومهارة وتعامل خاص مع الكاميرا، أما في التمثيل فالكاميرا صديقتي من خلال تقمصي للشخصية”. 

الكوميديا كانت جزءا لا يتجزأ من تكوين شخصية الفنان العراقي علي جابر التي تبدو عليها ملامح الفرح دائما

وأكد “لقد حاولت أن أكتب ما أريد لحياتي من خطوات ومشاريع وخطط ومكانة وأن أضع لنفسي طريقا خاصا بي يناسب طموحي وتطلعاتي، وفي النهاية استطعت أن أسرق القلم من يد القدر لأكتب ما أريد لحياتي”، مبينا “حلمي أن أصبح ممثلا عربيا، وأن تكون لي إضاءة كبيرة تنعكس على عالمنا العربي، كالدور الذي يلعبه الفنان الخليجي والمصري والسوري واللبناني، فالفنان العراقي يستحق أن يكون بتأثير الفنانين العرب كونه متمكنا من أدواته المعرفية والفنية”.

وحول تجسيد أعمال السير الذاتية قال جابر “أحبها كثيرا وكنت على وشك أن أجسد شخصية السياسي العراقي جعفر العسكري في العهد الملكي وتهيأت لهذا الدور إلا أن المسلسل توقف لأسباب إنتاجية”.

ويعد علي جابر أحد الفنانين العراقيين البارزين الذين ساهموا في رسم الابتسامة على شفاه الجمهور لما له من تأثير في منطقة الكوميديا التلفزيونية على الرغم من أنه بدأ ممثلا تراجيديا في الكثير من الأعمال الدرامية المهمة، إلا أن الكوميديا كانت جزءا لا يتجزأ من تكوين شخصيته التي تبدو عليها ملامح الفرح دائما، واستطاع أن يخط لنفسه لونا فنيا خاصا حتى بات نجما جماهيريا محبوبا، فهو ابن المسارح وخشباتها قبل أن يتوجه إلى التلفزيون، وانحاز إلى الجمال منذ كان طفلا وتنفس عبق الفن مبكرا فراح يبحث عن كينونته التي وجدها في مجالات الفن المختلفة.

ولم يشارك الفنان منذ فترة في الأعمال الفنية، وعن ذلك قال إنه “لم يبتعد عن الدراما مؤخرا وإنما يبحث عن دور يناسبه”، مؤكدا “أنتظر دورا أفاجئ به الجمهور وأكون عند حسن ظنه، لذا رفضت أكثر من عمل درامي عرض عليّ مؤخرا بسبب عدم قناعتي بتلك الأدوار، إذ أن ظهوري في عمل كوميدي ليس سهلا بل أصعب أنواع الفنون وأكثر تأثيرا في الجمهور”.

15