تطور الإعلام المغربي رهين بتنفيذ إصلاحات جريئة

الدولة تعتمد على إعلام مأزوم كجزء من الحل للأزمات.
الخميس 2023/06/01
تخمة إعلامية

تعتمد الحكومة المغربية على الإعلام في التعامل مع كل الأزمات، لكن مع استمرار المشاكل التي يعاني منها ونقاط الضعف في التواصل مع الجمهور، صارت هذه المهمة صعبة وتستوجب إصلاحا جذريا لقطاع الإعلام وتشريعاته.

الرباط - يؤكد الفاعلون في الوسط الإعلامي المغربي أنه لا مجال للحديث عن تطوير المهنة دون إصلاحات هيكلية جريئة، وأن التباطؤ في هذه الإصلاحات ستكون له تداعيات على القطاع والمجتمع.

وأكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد خلال ندوة “أية آفاق لمهنة الصحافة في ظل المستجدات التي يعرفها القطاع؟”، أن كل تأخر في الإصلاح سيكون له تأثير سلبي ليس فقط على المهنيين والمنتسبين إلى القطاع، بل على المجتمع برمته، من خلال حرمانه من إعلام مهني يعكس طموحاته ويثير قضاياه ويساهم في إشعاع ثقافته وهويته. واعتبر أن “تأهيل المشهد الإعلامي رهين بتبني، من دون تردد، توجهات إصلاحية جريئة وفي إطار من التوافق بين مختلف مكونات هذا المشهد”.

وتعتمد الدولة على الإعلام في التعامل مع كل الأزمات، باعتباره أداة للتواصل الأفقي الذي يسمح بالإخبار والتفسير والتوضيح والتحليل، وهذا ما يجعل الإعلام جزءا من حلول الأزمة، نظرا لقدرته على صناعة الرسالة التواصلية، وتمرير الأفكار، والإعداد النفسي لقبول آثار الأزمات وخسائرها الفادحة التي قد تكون مكلفة.

لكن مع المطبات التي وقع فيها الإعلام المغربي مرارا، بات الفاعلون يدركون ضرورة اعتماد نهج جديد في التعامل مع الإعلام عنوانه الرئيسي الإصلاح الجذري العاجل. وتم خلال الجلسة التي جمعت أبرز القائمين على قطاع الإعلام في المغرب، تسليط الضوء على الصعوبات المالية التي تواجهها المؤسسات الصحافية، وظروف عمل الصحافيين.

عبدالله البقالي: لا محيد عن الدعم الحكومي لتحسين ظروف الصحافيين
عبدالله البقالي: لا محيد عن الدعم الحكومي لتحسين ظروف الصحافيين

ويرى متابعون أن التواصل الفاعل مع الجمهور في حاجة ماسة إلى خطاب جديد وتصور منفتح يجمع الفاعلين القدامى، كمؤسسات الإعلام الكلاسيكية وفي مقدمتها الراديو والتلفزيون، مع الفاعلين الجدد الذين يستحوذون على سوق وسائط التواصل الاجتماعي، في مقدمتهم يوتيوب. فقد حان الوقت لنقل المعلومة إلى الشباب من طرف المؤثرين الشباب، بشأن قضية تهم أغلب هؤلاء في فضاء التواصل الاجتماعي.

ولفت بنسعيد إلى أن الوزارة تحاول مع مختلف شركائها المهنيين بلورة منظور جديد للنهوض بالمؤسسات الصحافية ودعمها في مواجهة الصعوبات التي يعرفها قطاع الإعلام.

ويستند ذلك إلى التحفيز على تأسيس منظومة جديدة تجعل من الدعم العمومي الموجه إلى هذا القطاع أداة من أدوات تعزيز صموده، وتوفير فرص النهوض بالاستثمارات الصحافية الوطنية على أسس أكثر صلابة من خلال التفكير في نموذج اقتصادي ومالي متجدد وتنافسي.

وخلص إلى أن بناء منظومة إعلامية قوية يستوجب توفير شروط تطور قانونيا وماديا وتأطيريا من خلال العمل على تحيين التصورات بهدف مواكبة الإعلام، سواء على مستوى معالجة المشاكل أو على مستوى الحلول الاستباقية التي تسعى لاستيعاب التحولات.

ويعيب البعض على التواصل الحكومي أنه مبني على التركيز والإطناب في البيانات، ما يعني قتلا بطيئا للمعلومة، خاصة أمام ارتفاع منسوب نفس الأخبار وتداولها من قبل كل المنصات الإعلامية في نفس الوقت، مما يحقق التخمة الإعلامية التي تهدد شهية المتابعة، وبالتالي من الضروري تنويع وتوزيع زمن البث والانتقال إلى مرحلة الاستئناس بخطاب الطوارئ، كما أن استهداف نفس المواطن بنفس الصور والمضامين ونفس المادة يقتل روح التنافس المهني، ويفقد الرسالة التواصلية أهدافها.

ويرى هؤلاء أنه لا يمكن الحديث عن حلول لنقاط الضعف هذه، دون ذكر عنصرين أساسيين، وهما إعداد الصحافيين وتدريبهم، وتمويل المؤسسات الإعلامية.

وشدد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية عبدالله البقالي على أهمية الدعم الحكومي لوسائل الإعلام الوطنية، وهي تجربة وصفها بأنها “رائدة ولا محيد عنها لتحسين ظروف الصحافيين الاجتماعية”. واستعرض البقالي التطورات التي يشهدها قطاع الإعلام، والتي تميزت خاصة بالتوقيع على اتفاق اجتماعي جديد بين النقابة والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين.

وبخصوص المجلس الوطني للصحافة أكد البقالي على ضرورة مراجعة القانون رقم 13 – 90 المتعلق بإحداث المجلس وتنظيم شروط الدخول إلى مهنة الصحافة، فضلا عن أهمية ربط الدعم المالي بتطبيق أحكام الاتفاقية الاجتماعية التي لها وقع إيجابي على وضعية الصحافيين.

ورصد الصحافي والإعلامي محمد البقالي، في كتاب بحثي بعنوان “سؤال المهنية والأيديولوجيا في الصحافة – الحالة المغربية نموذجا”، التحديات التي ترافق الممارسة الصحافية في المغرب، خصوصا ما يتعلق بالإغراء الذي يمارس عليها من أجل توجيه سياساتها التحريرية، لاسيما أن معظم المؤسسات الإعلامية تعيش عمليا على الإعلانات.

محمد المهدي بنسعيد: كل تأخر في الإصلاح سيكون له تأثير سلبي على قطاع الإعلام
محمد المهدي بنسعيد: كل تأخر في الإصلاح سيكون له تأثير سلبي على قطاع الإعلام

وبسبب الواقع غير المنصف في توزيع الإعلانات على المؤسسات الإعلامية، فإن الإعلان يصبح أداة فعالة في تغيير القيم التي تحكم المؤسسة، بل حتى القيم الخاصة للصحافي نفسه.

وأشار البقالي إلى أن ثلثي الصحافيين (67 في المئة) يعتقدون أن للإشهار تأثيره في طبيعة القيم التي تدافع عنها مؤسساتهم، من بينهم 26 في المئة يقولون إن هذا التأثير كلي، و40 في المئة يقولون إنه جزئي، مما يؤكد وجود تحكم من قبل الشركات أو الجهات المانحة للإعلان في الخطوط التحريرية للمؤسسات الصحفية.

ويرى الباحث أن طبيعة الممارسة الصحافية في المغرب تجعل المؤسسات الصحافية أمام أربعة إكراهات للحصول على الإعلان، أولها ضرورة تحقيق انتشار واسع يقنع المؤسسات التجارية والمالية بتقديم الإشهار، والالتزام بعدم نشر ما يمكن أن يعتبر إساءة إلى الشركات التي تمنح الإشهار، وارتباط الشركات الكبرى بشبكة علاقات مع سياسيين ورجال سلطة نافذين، مما يجعل التعرض لهذه الشخصيات موجبا للحرمان من الإشهار، ثم ضرورة اتقاء غضب السلطة السياسية العليا في البلاد.

وإذا كانت المؤسسات الإعلامية تخضع في عملية ضبطها لسلطة الإكراه، فإن الصحافيين أنفسهم يخضعون للضبط، لكن بآليات ناعمة، عبر آلية الرشوة وشراء الضمير.

وحسب إفادات جمعتها الدراسة فإن المنتخبين، خصوصا البرلمانيين، هم الأكثر تورطا في تقديم إغراءات من أجل الظهور في التلفزيون. كما أفادت الدراسة بأن صحافيي وكالة الأنباء هم الأقل تعرضا للإكراه، وأن الصحافيين يتعرضون للإغراء أكثر من الصحافيات، وأن أغلب القضايا التي يقع فيها الإغراء هي قضايا سياسية، مما يعكس في المحصلة تبعية الصحافي للسياسي.

وفي السياق ذاته شدد رئيس المجلس الوطني للصحافة يونس مجاهد على ضرورة إيلاء قضايا الأخلاق وشروط الدخول إلى المهنة وحرية الصحافة أهمية بالغة، لافتا إلى أن مراجعة القوانين المنظمة لقطاع الإعلام كانت دوما أولوية بالنسبة إلى الفاعلين في هذا القطاع.

ويرى مجاهد أن الوقت قد حان لمراجعة الإطار القانوني المؤطر للفضاء الإعلامي من أجل تلبية تطلعات المهنيين على وجه الخصوص، والمجتمع بشكل عام.

وكانت الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين قد أعربت عن استغرابها الشديد من حملات التشويه والمقاومة الشرسة لمشروع إصلاح منظومة الإعلام والصحافة والنشر، ولمخرجات تثمين قدرات هذا القطاع الوطني الحيوي، وتقوية أدواره في الدفاع عن القضايا الإستراتيجية للبلد، بموازاة تحصين المكاسب المهنية للصحافيين والمؤسسات الصحفية والمقاولات الإعلامية الرصينة.

وقالت الجمعية إنها لاحظت التقاء أكثر من “إرادة” حزبية ومهنية وغيرها، لفرملة مشروع الإصلاح الجديد، تحقيقا لأهداف لم تعد خافية على أحد، أقلها الرغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه، وتأبيد وضعية استثنائية ظل قطاع الصحافة يشكو من تبعاتها طوال 12 سنة.

5