انتقادات للحكومة والبرلمان في مصر لتخفيف الضغوط عن السيسي

القاهرة - زادت حدة الانتقادات الموجهة إلى البرلمان والحكومة في مصر خلال الأيام الماضية بصورة غير مسبوقة، وبدا هذا التوجه متسقا مع تدشين جلسات الحوار الوطني وقيامه بمناقشة مجموعة من القضايا الحيوية التي كانت تمثل خطا أحمر.
ولفتت النبرة الحادة التي تبناها بعض الإعلاميين ضد نواب في البرلمان والحكومة وبعض الوزراء انتباه دوائر سياسية عدة، حيث لم تكن مألوفة وجاءت بما يوحي بأن الهدف منها تخفيف الضغوط عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي بات مستهدفا من قبل المعارضة التي تحاول أن تحمّله وحده مسؤولية الأزمة الاقتصادية.
ولجأت هذه الأصوات إلى ما كان يعرف في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك بـ”سياسة التنفيس” أو “رفع الغطاء عن الإناء المليء بالماء الساخن” بغرض خروج البخار منه، أو تفريغ شحنة سياسية مكتومة في البرلمان والحكومة بدلا من تفريغها في وجه رئيس دولة يعد الرمز في نظر المواطنين والمتحكم في كل مفاصل الأمور.
وساعد استئثار الرئيس السيسي بالحديث عن الكثير من القضايا على توجيه الكثير من الانتقادات إليه شخصيا، فلم يعرف المصريون دورا ملموسا لمجلس النواب أو للحكومة والوزراء المسؤولين فيها، وحتى وسائل الإعلام كان يحدد أجندتها أثناء خطاباته وظهر أحيانا كمتحدث باسم كل هؤلاء ما سهل استهدافه من قبل المعارضة.
يبدو المشهد العام في مصر غير قادر على التعامل مع المستجدات بالسياسات القديمة، وبحاجة إلى تعديلات تستطيع أن تستوعب الأزمات وتطوراتها
وطالب الإعلامي أحمد موسى، والمعروف بدفاعه عن السلطة بكل سياساتها وأجنحتها، مجلس النواب بتأجيل زيادة ضريبة الدمغة ورسم تنمية الدولة والمسارح والملاهي، وأوضح في برنامجه “على مسؤوليتي” على قناة “صدى البلد” السبت “النهاردة (اليوم) مبقاش (لم تعد) في مصر طبقة متوسطة، الأسعار ضربت كل البيوت مفيش (لا يوجد) مسؤول أو مواطن إلا وتأثر بزيادة الأسعار”.
وحاول أن يبدو قريبا من نبض الشعب، وهو ما عرضه إلى سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها تعليق رجل الأعمال نجيب ساويرس على تويتر “إيه الكلام الحلو ده (هذا)، إيه اليوم الحلو ده”.
وقال موسى “كفاية أرجوكم المواطن محتاج طبطبة عليه، والسائح محتاج أني أبوسه، أنت بتعمل جباية على المواطن، الحكومة عندها بنود أخرى تقدر تشوفها ومتزودش على المواطن أسعار تاني”.
وناقش مجلس النواب الأحد مشروع القانون المقدم من الحكومة والخاص بتعديل بعض أحكام قانون ضريبة الدمغة القاضي بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة، وضريبة مقابل دخول المسارح وغيرها من محال الفرجة والملاهي.
وطالب النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب في هذه الجلسة الأحد وزير المالية محمد معيط بتعيين متحدث باسم الوزارة لتوضيح المعلومات، وأن يقلل كلامه لوسائل الإعلام، لأن الرسائل تصل إلى المواطن مغلوطة.
وحصل هذا التوجه على دفعة معنوية مقصودة في بعض وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية عندما تلقى مسؤولون فيها تعليمات مباشرة مؤخرا بتوسيع الاستعانة بآراء معارضة للحكومة، وإتاحة الفرصة للقوى السياسية التي تتبنى آراء نقدية في جلسات الحوار الوطني ونشرها في الصحف والمواقع الإلكترونية المختلفة.
ويتماشى ذلك مع ما جرى مع وزراء المالية والنقل والتموين في الفترة الماضية، حيث تعرض الأول لانتقادات بسبب تصوراته المالية التي تزيد الأعباء على الناس، وواجه الثاني عاصفة في البرلمان قبل أسابيع قليلة بسبب قرض تنوي الحكومة الحصول عليه بقيمة ملياري يورو لتنفيذ مشروع القطار الكهربائي السريع، وقبلهما تم تجريد وزير التموين من أوراقه السياسية في البرلمان جراء زيادة أسعار العديد من السلع.
ويقول مراقبون إن هذه السياسة جيدة إذا تم إرفاقها بتحركات عملية لتصويب الأخطاء، بما يتجاوز حدود التنفيس أو رفع الغطاء عن الإناء، لأن الناس لا يتجاوبون إلا مع الخطوات العملية التي تنعكس إيجابا على حياتهم المعيشية، فقد تجاوزت الأزمة الراهنة هذه الحدود، ولم تعد شريحة كبيرة من المواطنين بحاجة إلى سماع آراء من كانوا سابقا ضمن الجوقة التي تمتدح الحكومة وتصرفاتها.
ويضيف هؤلاء أن تخفيف الضغوط عن الرئيس السيسي ممكن في حال قيامه بعملية إصلاح واسعة على المستويين السياسي والاقتصادي، وقيامه بتغيير الوجوه التي تتصدر المشهد، فمصداقية من يوصفون بـ”المطبلاتية” تكاد تكون معدومة، ما يُضعف حججهم أمام الرأي العام عندما تواتيهم شجاعة مصطنعة لتوجيه انتقادات لمن كالوا لهم المديح كثيرا من قبل.
ويعتقد بعض الإعلاميين والنواب من أصحاب الصوت العالي أن هذا التوجه يساعدهم على تعزيز شعبيتهم ويسمح بإعادة تدويرهم، لكن النتيجة قد تكون مخيبة للآمال، حيث صمتوا كثيرا على ممارسات لم يكن الصمت فيها مقبولا، وعندما ثبت فشلها لم يوجهوا انتقادات في الاتجاه الصحيح ولجأوا إلى اتهام وزراء ونواب لا حول لهم ولا قوة.
وبدأت شخصيات محسوبة على المعارضة، غير معروف انتماؤها إلى جماعة الإخوان، ترفع صوتها عاليا ضد بعض التصرفات التي تتبناها السلطة، على أمل إصلاحها، وحرصت على عدم توجيه الانتقادات للحكومة أو الوزراء أو البرلمان والنواب، وكانت رسالتها مباشرة إلى السيسي، باعتباره المسؤول أدبيا وسياسيا عن كل الإجراءات التي اتخذت في الفترة الماضية، بحلوها ومرها.
ولعل هؤلاء قد شعروا بالخطر بسبب تراكمات الأزمة الاقتصادية وتوابعها أو استغلوا هامش التسامح الذي وافقت عليه أجهزة الدولة أو ضجروا مما يحدث خشية أن يقود إلى المزيد من الأزمات، وفي كل الأحوال اتسع نطاق الانتقادات في اتجاهات متباينة، وتصاعدت حدة الخطاب المطالب بمراجعة سياسات الفترة الماضية.
ويبدو المشهد العام في مصر غير قادر على التعامل مع المستجدات بالسياسات القديمة، وبحاجة إلى تعديلات تستطيع أن تستوعب الأزمات وتطوراتها، فمع انسداد أفق الحصول على حلول خلّاقة خلال فترة قريبة ربما يكون اللجوء إلى التنفيس خيارا، على أمل امتصاص ما يعتمل من قلق في نفوس الناس، واستيعاب غضب متدرج لدى قوى معارضة راهنت على الإصلاح ولم تعد تتحمل الصمت.