البرهان أسير فكرة عبثية بحسم المعركة عسكريا مع قوات الدعم السريع

تعكس الرسائل التي يوجهها الجيش واقع أن السلام في السودان لا يزال بعيد المنال، وأن الهدنة المعلنة تباعا ليست سوى استراحة يجري فيها تجميع القوى استعداد لحرب طويلة الأمد.
الخرطوم - توعد قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الثلاثاء، باستخدام “القوة المميتة” في مواجهة قوات الدعم السريع، في موقف يعكس أن البرهان ليس بوارد التجاوب مع دعوات التسوية السياسية وأنه لا يزال يراهن على الحسم العسكري.
ويرى متابعون أن تصريحات قائد الجيش السوداني، والمواقف الصادرة عن باقي الضباط الموالين له، لا تخدم الجهود الدبلوماسية الجارية في جدة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وأن البرهان يرى في الهدنة الممدد لها مساء الاثنين فرصة لتجميع القوى وترتيب الصفوف قبل اندلاع ما يعتقد أنه سيكون “معركة الحسم”.
ويشير المتابعون إلى أن في غياب ضغوط حقيقية على قيادة الجيش، فإن السودان يتجه بسرعة لحرب أهلية طويلة سيكون الخاسر الأبرز فيها المدنيون.
وقال البرهان لدى تفقده القوات المرابطة ببعض المواقع في العاصمة الخرطوم، إن “القوات المسلحة ستضطر إلى استخدام القوة المميتة في مواجهة قوات الدعم السريع في حال عدم استجابتها لصوت العقل”. وأضاف “القوات المسلحة تخوض هذه المعركة نيابة عن شعبها”، مشيرا إلى أنها “لم تستخدم بعد كامل قوتها المميتة، لكنها ستضطر إلى ذلك إذا لم ينصع العدو أو يستجيب لصوت العقل”.
قوى الحرية والتغيير تحذر من دعوات تسليح المدنيين وتقول إن هذا سيقود السودان إلى حرب أهلية شاملة
وذكر أن “جميع المناطق والفرق لا تزال محتفظة بكامل قواتها بعد أن بسطت سيطرتها على جميع أنحاء البلاد”.
وبشأن تمديد الهدنة اعتبر أنه “تمت الموافقة عليها بغرض تسهيل انسياب الخدمات للمواطنين الذين أنهكتهم تعديات المتمردين (الدعم السريع) وقد نهبوا ممتلكاتهم وانتهكوا حرماتهم وعذبوهم وقتلوهم دون وازع أو ضمير”.
ودعا إلى “عدم الالتفاف إلى ما يبثه إعلام الميليشيا المتمردة”، ساخرا من “ادعاءاتهم بأن حربهم هذه ضد الكيزان، متسائلا أين الكيزان (أنصار النظام السابق) بين هؤلاء الجنود؟”. وشدد البرهان على أن “القوات المسلحة ستظل مستعدة للقتال حتى النصر، وأن المتمردين لن يستطيعوا أن ينالوا من هذه البلاد”، مؤكدا أن “النصر قريب لا محالة”.
وأعلنت السعودية والولايات المتحدة، مساء الاثنين، اتفاق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينهما لمدة خمسة أيام إضافية، لكن رغم ذلك لا تزال المعارك مستمرة بين الطرفين في أنحاء من السودان.
وأفاد شهود عيان الثلاثاء بوقوع “اشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة في جنوب الخرطوم”. ومنذ الثاني والعشرين من مايو، يشيد الوسطاء السعوديون والأميركيون بوقف إطلاق النار الذي ظل حبرا على ورق. فعلى الأرض لم يتوقف القصف الجوي والمدفعي واستمرت تحركات المدرعات.
وتستمر الحرب التي أوقعت أكثر من 1800 قتيل، وفقا لمنظمة أكليد، وأكثر من مليون ونصف مليون نازح ولاجئ، بحسب الأمم المتحدة، في حصد الضحايا وترغم المزيد من الأسر على ترك منازلها.
وليل الاثنين – الثلاثاء، أكد مواطنون استمرار المعارك في الخرطوم وفي نيالا بإقليم دارفور في غرب السودان، الذي سبق أن شهد حربا أهلية دامية في العقد الأول من القرن الحالي.
وكتب المحلل المتخصص في القرن الأفريقي رشيد عبدي على حسابه على موقع تويتر الثلاثاء “لا يوجد وقف إطلاق نار في السودان”، في إشارة إلى تواصل القتال. وأَضاف “هناك فجوة عميقة بين الواقع على الأرض في السودان والدبلوماسية في جدة”.
وكانت وزارة الدفاع السودانية وجهت الجمعة الماضية دعوة للمتقاعدين من العسكريين وللمدنيين القادرين على حمل السلاح للتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم، في أبلغ موقف على أن البرهان ليس بصدد الجنوح إلى التسوية السلمية، وأنه يعتقد أن بإمكانه الانتصار في الصراع المتفجر منذ أبريل الماضي.
ويرى مراقبون أن البرهان مستعد للذهاب بعيدا في حربه مع شريكه السابق في مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، وإن اقتضى ذلك أخذ البلاد إلى الهاوية، حيث إن البدايات في الحرب معلومة لكن نهاياتها مجهولة.
ويشير المراقبون إلى أن قائد الجيش هو أسير أجندة قيادات النظام السابق التي تسعى إلى العودة مجددا إلى تصدر المشهد، وبالتالي لن تسمح بوقف الصراع بدون تحقق مطالبها.
13.6
مليون طفل بحاجة ماسة إلى الدعم الإنساني المنقذ للحياة، من بين هؤلاء 620 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد
وحذرت قوى الحرية والتغيير، الاثنين، من دعوات إلى تسليح المدنيين، وقالت إن هذا يقود السودان إلى حرب أهلية. وشددت قوى إعلان الحرية والتغيير في بيان على “أننا نرفض وبشدة دعوات التسليح الأهلي والزج بالمدنيين في أتون الصراع المسلح الذي يجر البلاد لحرب أهلية شاملة”. ودعت إلى تفعيل مبادرات السلام الاجتماعي التي تتصدى لخطاب الكراهية وتمنع تمدد نطاق الحرب.
ومنذ شهر، يوافق كل طرف على اقتراحات واشنطن والرياض بتمديد الهدنة التي تهدف إلى السماح للمدنيين بالفرار من مناطق القتال، وفتح ممرات آمنة لإرسال المساعدات الإنسانية.
وكان السودان قبل الحرب أحد أفقر بلدان العالم، إذ كان مواطن من كل ثلاثة يعاني من الجوع، وكانت الكهرباء تنقطع لفترات طويلة يوميا والنظام الصحي على وشك الانهيار. واليوم، بعد مرور سبعة أسابيع على اندلاع الحرب، بات 25 مليونا من أصل 45 مليون سوداني بحاجة إلى مساعدات إنسانية للاستمرار، وفق الأمم المتحدة.
وذكرت اليونيسف أن “13.6 مليون طفل بحاجة ماسة إلى الدعم الإنساني المنقذ للحياة”، من بين هؤلاء “620 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد”، بحسب المنظمة الأممية. ولم تعد المياه الجارية تصل إلى بعض مناطق الخرطوم ولا تتوافر الكهرباء إلا لبضع ساعات في الأسبوع، كما باتت ثلاثة أرباع المستشفيات خارج الخدمة.
أما المستشفيات التي تواصل عملها فلديها القليل من المستلزمات الطبية والأدوية. كما أنها مضطرة إلى شراء الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء بعشرين ضعف سعره الأصلي.
وتطالب المنظمات الإنسانية منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل بتوفير ظروف أمنية تتيح لها الوصول إلى الخرطوم ودارفور، من أجل تزويد المخازن التي نهبت أو دمرت بسبب القتال.
لكن تلك المنظمات لم تتمكن حتى الآن إلا من إيصال كمية صغيرة جدا من الأدوية والأغذية، إذ إن العاملين فيها لا يستطيعون التحرك بسبب المعارك، في حين أن شحنات المساعدات التي وصلت جوا لا تزال عالقة لدى الجمارك.
وباتت بعض مناطق دارفور معزولة تماما عن العالم من دون كهرباء أو إنترنت أو هاتف، ويقول نشطاء سودانيون إنهم يخشون الأسوأ. وفيما رحبت واشنطن والرياض بتمديد الهدنة لخمسة أيام أخرى، يخشى السودانيون الآن على الأرض حصول “حرب أهلية شاملة”.