الكويت: نقد الشعارات وتوجيه السياسات

تتعدد الشعارات التي ترفعها الحملات الانتخابية في الكويت هذه الأيام، والمقرر إجراؤها في السادس من يونيو المقبل، بعد أن تم إبطال مجلس 2022 بحكم المحكمة الدستورية، وحل أمير البلاد مجلس 2020، وعاد الجميع إلى حلبة المنافسة.
ويتفق أغلب المرشحين مع شركات دعاية وإعلان ومواقع حقيقية ووهمية وكتاب وصحافيين لاختيار شعار للحملة الانتخابية، من قبيل “سنعيدها في القمة”، و”نرفعها، وننظفها، ونصونها، ونبنيها”، ومثل “الكويت خط أحمر، حرة، وأبية، وقوية، وبهية”، ومن قبيل “الوطن في حمايتنا، وعنايتنا، وأعيننا، وقلوبنا”.
لكن من البديهي القول إن تلك الشعارات، وفقا للتجربة، هي مجرد سلعة للبيع إلى الناخبين وليست برنامجا انتخابيا قابلا للتطبيق، ولا تتمخض عنها تشريعات كما هو منتظر من أعضاء مجلس الأمة، لتطوير المسار في البلاد أو تصحيحه.
فالمرشح في الغالب يعلم قبل غيره أنه يبيع الوهم على الجمهور، والشركات التي تخترع الشعارات تستهدف تحقيق الأرباح لا الإصلاح. أما الناخبون رأيهم واضح يمكن الاطلاع عليه بجولة سريعة في وسائل التواصل الاجتماعي.
◙ العمل العام يفرض مسؤوليات على العاملين، وبالقدر نفسه يستجلب لهم النقد، ومن الطبيعي أن تنقسم الآراء حول أعمالهم وأشخاصهم مما يولّد علاقات حب
ملخص الرأي العام في الكويت تجاه شعارات المرشحين هي التالي: الذين يرفعون شعار “ليست للبيع” هم سماسرة الأراضي أولويتهم عند النجاح الدخول في صفقات مليونية مع الحكومة، ومن يرفعون شعار سنعيدها كما كانت فهم يستهدفون استعادة الكرسي الذي فقدوه في الانتخابات السابقة، أما من يتبنون شعار نصونها وننظفها ونبنيها فهم ملاك شركات المقاولات الضخمة الذين اعتادوا الاستيلاء على مشاريع الدولة دون وجه حق.
على الرغم من ذلك لا تزال الشعارات الانتخابية تلعب دورا مهما في تسويق المرشحين، وزيادة فرص نجاحهم. ولعل السبب في ذلك أن الناخب لا حيلة أمامه إلا تصديق تلك الشعارات ومسايرتها والتفاعل معها، وهو يعلم يقينا أنها مخادعة. ويبقى السؤال الجوهري: ما هو الحل؟
باعتقادي أن أمام الناخبين مهمة كبيرة في مواجهة كل مرشح على حدة وفحص أطروحاته الانتخابية ومساره الفكري والسياسي ومقارنتها مع واقع المرشح ومسارات حياته العملية خارج البرلمان. فهل ثمة اتفاق أم تنافر بين المسارين؟
إذا كان المسار واحدا أو متقاربا إلى حد مّا يمكن عندها الوثوق به وإلا فلا، إذ يمكن مثلا الثقة بالوعود التي يطلقها المرشح متوسط الدخل وصاحب الثوب الأبيض الذي يتبنى قضايا الكادحين، ويدافع عنهم، ويطالب بحقوقهم، فهو في الأول والأخير ابن المحيط الاجتماعي. أما إذا كان المرشح من أعضاء أو أبناء أعضاء غرفة التجارة مثلا أو أبناء الأسر الثرية، فكيف سيشعر بمعاناة من يشتكي ضعف أحواله المادية، وتكالب الديون على عاتقه؟
وإما في حال كان كل مسار يتنافر مع الآخر، كالذي يرفع شعار الإصلاح والنزاهة بينما تاريخه العملي يؤكد أنه كان مفتاحا انتخابيا لمرشح “قبّيض” ومرتش، أو الذي يرفع شعار المعارضة وهو يعقد صفقات خفية مع الحكومة ووكلائها، فهذا دون نقاش سيعود إلى مساره السابق، وأولوياته تتلخص في ترتيب حالته المالية وراتبه الاستثنائي وتأمين المكاسب. إن رفع يافطة المعارضة ليست جواز شرف.
وضع معايير للمرشح المطلوب، من جهة الكفاءة والنزاهة ورجاحة العقل السياسي والقدرة الخلاقة على إنتاج الأفكار والتشريعات، من شأنه أن يحسن من مخرجات الانتخابات. كما أن تفعيل أدوات النقد وتشريح أطروحات المرشحين وسلوكهم وحياتهم تساهم في انتخاب النموذج الأفضل واختياره.
هذا الفحص والتدقيق والنقد للمرشحين لا يعد إساءة ظن كما يحاول بعض دهاقنة السياسة والدين أن يقنعوا الجمهور به، وربما يخوفونهم من ممارسته، ويتوعدونهم بنار الحريق في الآخرة، فهذا الكلام غير مقبول لا من بعيد ولا من قريب.
◙ الشعارات، وفقا للتجربة، هي مجرد سلعة للبيع إلى الناخبين وليست برنامجا انتخابيا قابلا للتطبيق، ولا تتمخض عنها تشريعات كما هو منتظر من أعضاء مجلس الأمة، لتطوير المسار في البلاد أو تصحيحه
وإنما على العكس من ذلك تماما، فإن تمرير حسن النوايا في العمل السياسي والمواقع الوزارية والنيابية والنشاط العام، لاسيما مع من لا يستحقها، يعتبر نوعا من أنواع الاستغفال وربما “الاستحمار” المرفوض عقلا وغير المطلوب شرعا.
إذ نعطي المصلحة العامة الحق في كشف حقيقة الشخصيات غير المؤهلة لأداء العمل العام أو تمثيل الجمهور، فذلك أننا نعلم أن هذا الحق هو جزء من الرقابة الشعبية، وهو دور ضروري لاستقامة العمل العام. ومن الحصافة تشجيع المواطنين على مراقبة سلوك الشخصيات العامة وتقييمه، ومن الخطأ افتراض سوء النية لمجرد نقدهم أو حتى اتهامهم في مدار عملهم العام.
طبقا للتجربة العملية فإن تفاعل عدد كبير من المغردين في تويتر أثناء أزمة وباء كورونا ساهم إلى درجة كبيرة في ترشيد العمل العام وتوجيه السياسات، وردع بعض الوزراء من التعدي على الثروة الوطنية، كما أنه وفّر رأيا شعبيا ضاغطا على الحكومة والمجلس اللذين سقطا معا بالضربة القاضية.
وفقا لما سبق فإن العمل العام يفرض مسؤوليات على العاملين، وبالقدر نفسه يستجلب لهم النقد، ومن الطبيعي أن تنقسم الآراء حول أعمالهم وأشخاصهم مما يولّد علاقات حب وبغض ومواقف معلنة وأخرى مخفية. وهذا يشمل جميع الفئات الاجتماعية من العلماء والسياسيين والوزراء والنواب، ولا يوجد ما يستوجب اعتبار أيّ منهم شخصيات استثنائية فوق النقد والتقييم.